الزواج في بيت العائلة

خالد سعد النجار

لا بد للزوج من أن يفهم بأن زوجته إنسانة كما هو إنسان، ولها جذور كما له جذور، وأن من الصعب أن يقتلع الإنسان من جذوره

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -

الزواج في بيت العائلة (الأسرة الممتدة) له إيجابياته المتعددة، أهمها على الإطلاق توافر الشبكة الاجتماعية الداعمة للأسرة الجديدة، فالسكن مع الأهل يشكل جوًا اجتماعيًا جيدًا للزوجين والأبناء، إذ تبين أن وجود الأحفاد في أسرة يكون الجد والجدة فيها علي قيد الحياة يمثل قوة نفسية للأطفال، ويتيح لكبار السن أن يقدما الدعم والخبرات للأم في تربية الأبناء، وكذلك توفر الأسرة الممتدة الأمن والتعويض النفسي للزوجة عندما يغيب عنها زوجها لأي سبب من الأسباب، ولما كان أهل الزوج هم أقرب الناس إليه، وأكثرهم دراية بطباعه وأقدرهم على فهمه، لذلك فهم أفضل من يساعد الزوجة الجديدة على تفهم زوجها وعلى حل المشكلات التي من الطبيعي أن تتعرض لها في بداية مشوار الحياة الزوجية.

أيضا السكن مع أهل الزوج يؤمن احترام الزوج لزوجته وعدم هضم الحقوق تجاهها، إذ تمثل الحياة في بيت العائلة عامل ضغط اجتماعي على الزوج يضطره لتحمل مسؤولية الأسرة، والإحصائيات تؤكد أن الزوج الذي يعيش في أسرة محدودة (زوج وزوجة وأولاد فقط) كثيرًا ما يسهر بالليل ويتأخر في العودة إلى منزله، بعكس من يعيش ضمن أسرة ممتدة، وأولئك الذين يستخدمون الضرب أسلوبًا للتعامل مع زوجاتهم معظمهم كانوا بمسكن مستقل، أما إقامة الزوجين في منزل العائلة يمثل صمام أمان لعدم الإقدام على العنف الأسري في معالجة الخلافات الزوجية، كما تقل أيضًا حالات الطلاق بين الأزواج في الأسر الممتدة، حيث تتوفر النصيحة والمشورة من الأهل التي تحول دون اتخاذ قرارات مندفعة ومتهورة، وأخيرًا فالأسرة الممتدة تسمح بأن يشارك كل الأبناء وزوجاتهم والأحفاد في مسؤولية ورعاية الوالدين المسنين، بحيث تتوزع المسؤولية وتصبح في حدود الطاقة، وهذا لا يتوفر بالطبع في الأسر المحدودة التي يكون مطلوبًا من أحد الأبناء أن يتحمل مسؤولية والديه كاملة، ومع توزيع المسؤولية يسهل على الأبناء التعرف على الخصائص النفسية للمُسن، وكيفية التعامل مع هذه الخصائص وبالتالي لا يشكل المسن عبئًا على أبنائه.


سلبيات متوقعة
على العكس يمكن أن يكون الزواج في بيت العائلة مقدمة لمشاكل كثيرة، والمشاكل عادة تنتج من غياب الحدود الواضحة للخصوصية بين الزوجين، وإذا غابت مثل هذه الحدود فإن المشاكل قد تنتج من تدخل الأهل حتى لو عاش الزوجين في بيت منفصل، فالسكن المستقل ليس بالضرورة صمام أمان لعدم تدخل الأهل، وعلى هذا فيجب أن لا يتاح لأي من أهل الطرفين التدخل في هذه المناطق شديدة الخصوصية، مع الأخذ في الاعتبار أنه يمكن أن يحاول الأهل التدخل، وهنا يأتي حسن التصرف من الزوج والزوجة للتصدي لمثل هذه المحاولات.
وقد تنتج المشاكل في الأسرة الممتدة إذا كانت زوجة الابن جاءت من نمط معيشي يخالف تمامًا النمط الذي يعيش فيه أهل زوجها مما يؤدي إلى عدم قدرتها أحيانًا على التأقلم مع البيئة الخاصة بأسرة الزوج من جهة، وعدم القدرة على التحاور والتعايش مع أفراد الأسرة من جهة أخرى، وخاصة أم الزوج أو أخواته.
أيضًا قد يؤدي العيش في أسرة ممتدة إلى عدم تحمل كلا الزوجين للمسؤولية بشكل كامل نظرًا لكونهما جزءًا من نسق أسري كبير.
والأصل في الموضوع أننا نرتاح لما هو شائع، وما تعارفنا عليه، ففي وقت من الأوقات كانت الأسرة الممتدة هي النموذج الشائع وتعايش معها البشر على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم، وتعايشوا مع المشاكل واستفادوا من الإيجابيات، ولكن هذا النمط تغير وأصبح الشائع هو الأسرة المحدودة بميزاتها وعيوبها، وأصبحنا أكثر تقبلا لهذا النمط لأنه هو الشائع ولأن وسائل الإعلام بضغطها المستمر صنعت عندنا جميعًا توجهًا نفسيًا ضد نمط الأسرة الممتدة.
ويؤكد الخبراء أن فشل العلاقة الزوجية، بدعوى عدم التفاهم مع أهل الزوج، يعود لمستوى وعي كل من الزوج والزوجة وقدرتهما على التعامل معها. فمسؤولية كسب ود الأهل، تقع على عاتق الزوجين أولًا، وطريقة تعاملهما مع بعضهما البعض، ثم مع الأطراف الخارجية، وحتى نتجنب المشاكل نحتاج إلى إستراتيجية لإدارة الاختلافات بين أفراد الأسرة الكبيرة، وقوام هذه الإستراتيجية (التفهم، والتقبل) فإذا توفرت هذه الشروط يمكن أن تكون للحياة في بيت الزوج إيجابياتها المتعددة.


عزيزتي الزوجة
خطوات اكتساب مودة أهل الزوج تبدأ من القضاء على الفكرة المسيطرة على عقولنا، والتي زرعتها الأفلام والمسلسلات، وهذه الفكرة ترسخ أن أهل الزوج وبالذات أمه هم مصدر كل المشاكل. بعد ذلك يمكنك التقرب إلى أهل زوجك ببذل كل جهد ممكن لاكتساب قلوبهم، بدءًا من التودد إليهم والاهتمام بشؤونهم، وتقديم المساعدات والهدايا، والمداومة على السؤال عنهم، ودفع زوجك دائمًا لبرهم بجهده وماله، بحيث يصل إليهم معنى أنهم أضافوا ابنة جديدة إلى أسرتهم، وأنهم بالعكس لم يفقدوا ابنهم.
• مهم جدًا أن تتعاملي مع أهل زوجك على أنهم أهلك، أم جديدة وأب جديد وأخوات جدد، قد يختلفون عنك بدرجات متفاوتة، ولكن تعاملك معهم من هذا المنطلق يعينك كثيرًا على أن تكسبي قلوبهم.
• معرفتك لحق الوالدين على الزوج وأهمية البر بهما يسهل عليك مهمتك، ويجنبك الكثير من المتاعب.
• إخلاص النية لله في مساعدة الزوج على بر والديه وصلة رحمه يضمن لك التوفيق من الله تعالى.
• الترفع عن التوافه وخصوصًا من قبل أم الزوجة ومراعاة كبر سن الوالدين يفيدك جدًا في هذا المضمار.  
• إن الله يحب الرفق في الأمر كله، فلا تقمعي أحدًا في كل مرة يحاول فيها تقديم النصيحة لك، ولا بأس أن تمنحي المخالطين فرصة التعبير عن مخاوفهم أو قلقهم تجاه صحة طفلك. فالجدة تقلق فعلًا إن أصيب حفيدها بوعكة ولو بسيطة. والمشكلة تكمن في كونها لا تعرف كيف تعبر عن مشاعرها وقلقها على نحو لا يضايقك.
• تعمدي أن تطلبي نصيحتهم في بعض الأمور البسيطة حتى تشعريهم بأهمية دورهم في حياة أسرتك الصغيرة، على أن لا تكون الاستشارة حول موضوع حساس ومهم بالنسبة لك إلى درجة أنه قد يوتر أعصابك.
• تجنبي تدخل أفراد الأسرة في حياتك الشخصية بالمحافظة على خصوصياتك. فبسردك تفاصيل حياتك الخاصة أمامهم، تكونين كمن يعطيهم الضوء الأخضر بالتدخل. أما إذا كانت علاقتك بهم متوترة، فأنت تعطيهم سلاحًا قد يستعملونه ضدك فيما بعد. لهذا يتعين عليك أن تتركي دائمًا مسافة احترام بينك وبينهم.
• تمتعي بخفة الروح وخذي الأمور ببساطة، فذلك سيساعد على تقليص أي توتر قد ينتج عند الانفعال، كما أنه سيعطيك فرصة التعبير عن رأيك بطريقة أكثر تأثيرًا، ويكسبك ثقتهم وحبهم على المدى البعيد.
• كوِني مع زوجك فريقًا واحدًا ومتحدًا. لا تتوقعي من زوجك، أو تطلبي منه أن يكون جافًا مع أهله، المهم بالنسبة لك أن يدعمك أمامهم بطريقة مهذبة في حال شعر أن حماتك كانت قاسية معك. ولا تأخذي الأمر كأنه تحد بينك وبينها فيه رابح وخاسر، واكتفي بتفهم زوجك لموقفك، لأنه عندما تهدأ النفوس، لا بد وأنه سيحاول أن يوضح لأمه موقفها إن كان خطأ، أو على الأقل يشرح لها أسباب سوء التفاهم الذي حصل بينكما.
•  لا تكوني من السذاجة بحيث تتأثري بأي موقف، وأن تتحلي بالحكمة والمرونة في التعامل مع زوجك وأهله على حد سواء.
• عليكِ بمعاملة حماتك معاملة حسنة كما تعاملين أمك بل أفضل مما تعاملين أمك، وتأكدي من الأثر الإيجابي لتلك المعاملة؛ لأن من الصعب مقابلة حماتك لذلك العطف بالإساءة، ولا تظهري لحماتك تأففك من شيء تحبه، وحاولي كسب رضاها في كل الأوقات، ولا تنسي الاختيار المناسب لهدية حماتك في المناسبات، واحرصي على تقديم هديتك المستقلة عن زوجك؛ وذلك لتشعر بمدى حبك لها.


عزيزي الزوج
من الضروري عمومًا أن تتمتع بحكمة تمكنك من موازنة الأمور بين زوجتك وأهلك، وأن تقدر لزوجتك أي جهد تبذله في رعاية والديك، وأن تعبر لها دومًا عن هذا التقدير.
• حاول أن تقترب من زوجتك وتشاركها في أمور حياتك أكثر وتشعرها بالخصوصية، وأن تحتويها، وتشعرها بأن مكانتها في قلبك كبيرة، وتقلل الفجوة التي بينكما.
• حاول أن توازن بين زوجتك وبين أهلك، ولا تنسَ أنها في بيت أهلك؛ فكل امرأة تحب أن تشعر بالخصوصية والاستقلالية؛ فهي حساسة من هذه النقطة؛ ولذلك حاول أن تعوضها قدر المستطاع، وتعالج الموضوع برفق؛ فللإقامة مع الأسرة مميزات، ولها أيضًا عيوب، وهذا يحتاج إلى حكمة منك، وعليك العبء الأكبر فيها.
• إذا أردتما أنت ووالدتك أو أختك التحدث في موضوع خاص، فحاولا أن تتخيرا فترة عدم تواجد زوجتك في البيت، وتطلب من أهلك عندما يوجهوا سؤالاً عن موضوع عام لك، أن يوجهوا السؤال لك ولزوجتك ويشركاها معكم في الحديث، وأن يحترموا رأي زوجتك، وتترك لها الفرصة للمشاركة دائمًا في حوارات العائلة، مع تفهيم كل الأطراف أن لكل موقعه في قلبك، ولا مجال للتنافس والتنازع؛ فكل حب لطرف يختلف نوعيًا عن الحب للطرف الآخر.
• يجب أن تكون العلاقة بين زوجتك وأهلك على المستوى اللائق؛ فمن ناحية أهلك عليهم أن يشعروها بأنها فرد من الأسرة وأنها ليست بغريبة، ومن ناحية زوجتك عليها أن تقترب منهم أكثر ولا تنس أن لهم حقوقًا وواجبات يجب أن تراعيها، وهذا يتطلب جهدًا منك في أن تقرب بين زوجتك وأهلك؛ وحبذا لو تنشئ بين نساء الأسرة (أمك، أخواتك ...) وزوجتك علاقات ثنائية مباشرة لا تمر أو ترتبط بك أو بوجودك.
• قد يكون من المفيد التفكير في استثمار طاقات زوجتك في استكمال دراستها، أو في عمل يناسبها حتى يأتي الأطفال، وعمومًا فإن العمل المناسب لظروف الزوجة وأسرتها أفضل من الجلوس في البيت للتوافه والصغائر التي لا يخلو منها أي بيت.
• كن حريصًا على أسرار حياتكما الخاصة، وإذا أردت أن تطلع أهلك على شأن من شؤونكما لهدف أو مصلحة فأخبر زوجتك قبل أن تفعل.


إليكما معًا
لا بد للزوج من أن يفهم بأن زوجته إنسانة كما هو إنسان، ولها جذور كما له جذور، وأن من الصعب أن يقتلع الإنسان من جذوره، كما أنه من الصعب أن يندمج الإنسان اندماجاً كلياً في مجتمع آخر لمجرد أن رغبة شريكه تفرض عليه هذا الاندماج، باعتبار أن مسألة الاندماج لا بد من أن تنطلق من خلال بعض العوامل النفسية والشعورية والحياتية التي تلتقي بأجواء الإنسان وبأعماله وأوضاعه في المجتمع. لذلك فمن الضروري أن يقرب الزوج أجواء زوجته من أجواء مجتمعه، أو أن تقرب الزوجة أجواء زوجها من أجواء مجتمعها، حتى يحصل من ذلك نوع من العلاقة الطبيعية التي يمكن بعدها ممارسة الضغط للامتداد أكثر، على أساس أن طبيعة المصلحة الزوجية المشتركة التي يريدان حمايتها، بالضغط هنا وهناك، تفرض نوعًا من أنواع الامتداد في العلاقة ولو على خلاف المزاج.
وفي هذا الجو الأسري الجديد، ينبغي لكل من الطرفين أن يرفض السلبيات التي تأتي من مجتمعه تجاه الآخر، ويحاول السيطرة عليها بطريقة أو بأخرى، أو التخفيف من تأثيراتها السلبية، من أجل ألا يتضرر الآخر في عواطفه أو في روحانيته أو في أوضاعه. ولعلنا نستهدي بعبارة (المودة والرحمة) التي اعتبرها القرآن الكريم عنوانًا للحياة الزوجية، كمدخل للتحرك في ترتيب هذه لعلاقة التي تربط الزوجة بأهل زوجها وتربط الزوج بأهل زوجته، لأن المودة تفتح للإنسان آفاق احترام شعور الآخر، والرحمة تفتح له آفاق الاعتراف بظروف الآخر.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام