هل هؤلاء من البشر؟!

هل هؤلاء يستحقون الحياة وجل اهتماماتهم التصفيق لمن يدغدغ عواطفهم ويتدسس لهم بما يُرضي أهواءهم ويربت على أكتافهم مشجعًا لهم على مزيد من السوء

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

إني والله لأشعر بالأسى والحزن الشديدين حينما أتصفح أحيانًا هذا السفر المسمى (صفحة الكتاب) وبالإفرنجي (فيسبوك)! فأمرّ على منشور مسبوك سبكًا بلغة رصينة قويمة وتحمل معانٍ في غاية الجمال وغاية الرقي والأدب، وفيه من الحكمة والصدق والحق ما يدفعك دفعًا إلى تأييده؛ بل واقتباسه. ولكن الفاجعة والطامة الكبرى أنك لا ترى أحدًا من البشر معجبًا به، أو عددهم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة!
وبالمقابل أعثر على منشورات في غاية السخافة والسفاهة والتفاهة؛ تحمل كلمات سوقية مع رطانة أعجمية وكتابة عامية وأخطاء لغوية؛ على سبيل المثال: بنت تتحدث عن حذائها أو فستانها، فتجد مئات أو آلاف المعجبين بهذا الكلام الساقط التافه! ومع تعليقات بعدد شعرها في منتهى الانحطاط الخلقي والأدبي!
وآخر يكتب عن حمار ينهق أو ضابط حمار، فتجد الذين حوله كلهم قد نهقوا وأشروا بالإعجاب وهم ألوف، وكتبوا مئات التعليقات يعبرون عن سرورهم وفرحهم بنهيق الحمير أو الضابط الحمار! وأتخيل لو أنه تبرز من فمه أو تقيأ، لتسابق أعوانه إلى التمسح والتبرك به!

وصاحب هذا الكلام السوقي التافه في غاية الزهو والخيلاء، وكأنه ملك الدنيا بحذافيرها! يا للفاجعة! يا للداهية! اهتمامات ترابية متدنية!
بينما تُشن حرب شعواء على المسلمين، وتأتي عصابات من كل مكان متسلحة بعقيدة رهيبة (اقتل مسلمًا وادخل الجنة فورًا) فتقطع الرؤوس، وتحرق المسلمين وهم أحياء، وتمزق أجسادهم إلى أشلاء، وتستخرج أكبادهم وقلوبهم وتأكلها تشفيًا وهي تتميز من الغيظ والحنق على المسلمين، وفتيان المسلمين للأسف لاهون منهمكون ومشغولون في التفاهات!

وا سوأتاه! وا مصيبتاه! يا ترى: هل هؤلاء من البشر؟! هل وصل بهم الحال إلى هذا الحد المهين المتدني من الرق والعبودية لمخلوق يؤيدونه ويوافقونه على أي شيء يلفظه ولو كان فيه الموت الزؤام أو السم الزعاف!
عبودية عمياء أو ثقة هوجاء! لا يفكرون ولا يعقلون ولا يتدبرون!
هل هؤلاء من ستقوم على أكتافهم حضارة وتُبنى دولة؟!
هل هؤلاء يستحقون الحياة وجل اهتماماتهم التصفيق لمن يدغدغ عواطفهم ويتدسس لهم بما يُرضي أهواءهم ويربت على أكتافهم مشجعًا لهم على مزيد من السوء والنكير ويعزف ألحانًا ترضي شهواتهم وتؤمن ملذاتهم؟!
ألا يعلم هؤلاء أن تأشيرة الإعجاب ليست مجانية كما يتخيلون؟!
إن قيمتها أغلى من الذهب والألماس لو كانوا يفقهون. إنها ثمرة الفؤاد! إنها مهجة القلب! إنها عصارة الفكر! إنها القبول والتأييد لصاحب المنشور مع تحمل كامل المسؤولية معه! إنها ستسجل عليه كما سجلت على صاحب المنشور! {مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ} [ق:18].
ويلقى العذاب الأليم كما يلقاه صاحب المنشور إذا كان يستحق العذاب حينما يؤازر ويدعم طاغية أو ظالم باغٍ، أو يعمل على إشاعة الفواحش والشهوات والمنكرات!
والأعجب والأدهى من ذلك أنك تجد بعضًا ممن يكتبون ينفشون ريشهم ويختالون ويتباهون بأن لديهم جيشًا من الأعوان بعدد شعر جسمهم يصدقونهم فيما يقولون!
صورة طبق الأصل لفرعون تتكرر مرات أخرى حينما قال لقومه: {قَالَ فِرۡعَوۡنُ مَآ أُرِيكُمۡ إِلَّا مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهۡدِيكُمۡ إِلَّا سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ} [غافر:29].
فينسون أو يتناسون أنهم سيوردون أنفسهم وأعوانهم النار بما يكتبون في معظم الأحيان من كلام غث ينصر الشيطان وأعوانه من الفجرة والمستبدين كما أورد فرعون قومه: {يَقۡدُمُ قَوۡمَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَأَوۡرَدَهُمُ ٱلنَّارَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡوِرۡدُ ٱلۡمَوۡرُودُ} [هود:98].


موفق السباعي

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام