جرح الطلاق النفسي لا يستثني الرجال

خالد سعد النجار

لا شك أن الزوج يتأثر عاطفيًا بالطلاق، بل وقد يصاب بأعراض وأمراض نفسية وعضوية، خاصة في حالات معينة تزيد الموقف صعوبة

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -

(الطلاق) الكلمة الكئيبة، والمضمون المعبر عن فشل التوافق، والشبح الذي يؤرق الحياة الزوجية. أبغض الحلال عند الله تعالى، لكنه في بعض الأحيان قد يكون الحل الوحيد والمثالي لمشكلات زوجية استعصت على الحل، حيث استحالت الحياة والعشرة. ورغم جرحه وألمه فالطلاق لا يعني نهاية المسيرة سواء للرجل أو المرأة. ومهما كانت الحالة، فالانفصال يعني أسوأ لحظات الزواج وأكثرها كآبة، ويترك في النفس جرحًا يطال الرجل كما يطال المرأة، على عكس ما يتوهم البعض أن الخاسر الأكبر في كل الأحوال يكون المرأة فقط.


دراسات غربية وعربية
الآراء التي تزعم بأن الرجل بعد الطلاق (أسرع على التأقلم في الحياة)، (وأقدر على تجاوز المحنة) ما هي إلا معتقدات منبثقة من إرث ثقافي خاطئ، لأن الرجل مثله مثل المرأة كلاهما يتأثر جدًا بالحدث، وهناك عوامل خارجية وأخرى داخلية تؤثر على تكيف الفرد للموقف، أهمها تاريخه الشخصي، وكيفية نمط حياته، والخبرات السابقة، بالإضافة إلى الثقافة والبيئة الاجتماعية التي تحيط سواء بالرجل أو المرأة والتي لها دور رئيسي في مدى تأثر كل منهما بالآثار النفسية السلبية الناجمة عن الطلاق.
تقول إحدى الدراسات الغربية التي أجرتها مجلة (صحة الرجال) على شبكة الإنترنت: إن أول رد فعل للرجل بعد انتهاء العلاقة، هو سرعة الخروج مع أصدقائه وسرعة الارتباط بأخرى، فحوالي 26% من الرجال يتعالى على ما حدث، وكأنه يحتفل مع أصدقائه، وأن الموضوع برمته غير مهم.
وهؤلاء شكلوا أقلية، لأن 36% من المشاركين في الدراسة، قالوا: إنهم يودعون طليقاتهم بابتسامة لامبالاة، وكلا النسبتين تمثل شكلا من أشكال الأقنعة الزائفة التي يخفي بها الرجال مشاعرهم الحقيقية، لأنهم لا يستطيعون التعامل مع آلامهم أو غضبهم أو إحباطهم، وقد لا يتنبه الرجال إلى حالة الوحدة، إلا بعد تخطي المرحلة الأولي من ردود الفعل الأولية، فيبدؤون في الحداد على حياتهم.
أما النساء فلا يضيعن الوقت، وفور انتهاء العلاقة يبدأن في البكاء، ثم يبدأن مرحلة الحديث مع الأخريات بصراحة عن مشاعرهن بعد الطلاق. إنهن يواجهن الأحزان فوراً -كما أكدت الدراسة- الأمر الذي يساعدهن على التخلص من المحنة بشكل أسرع، وتفريغ شحنة الانفعالات بصورة إيجابية، عكس الرجال الذين يكبتون مشاعرهم فتظل تنتقل معهم في سراديب حياتهم.
كما وجد باحثون أن 95٪ من الرجال المطلقين يغيرون مسكن الزوجية، ولا يحبون العيش فيه بعد الانفصال. فنفسية الرجل ووضعه الاجتماعي ليسا بالقوة المعتقدة كما هو متعارف، فهو غالبًا ما يشعر بالفراغ والوحدة بعد الطلاق.
من ناحية أخرى أكدت دراسة ميدانية مصرية أجراها باحثون في قسم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس بمصر، أن معظم الرجال الذين سبق لهم خوض تجربة الزواج وفشلوا فيها، معرضون للإصابة بالاضطرابات النفسية جراء هذا الفشل، وأن الرجل المطلق يعاني غالبًا من عدم القدرة على التكيف اجتماعيًا بعد الطلاق، كما يواجه صعوبات في خوض التجربة مرة أخرى باعتباره رجلاً (له ماض).


معاناة صامتة
(ينبغي على الرجال دوما ألا يفصحوا عن أحاسيسهم وخصوصا الحزينة؛ خشية أن ينتقص هذا الإفصاح من رجولتهم)... تلك هي الستارة الزائفة التي تختفي وراءها مشاعر الرجل بعد الطلاق، خاصة أن عادات المجتمع لا تسمح للرجل بإظهار ضعفه وحاجته للمرأة لأنه ببساطة رجل، ولأن مجتمعاتنا رجولية بالدرجة الأولى، الأمر الذي يحتم على الرجل كتم أحزانه، والمعاناة من حالة احتقان نفسي داخلي غير مأمونة العواقب.
أي أن الرجل المطلق يعاني في صمت، ويتألم بدون صوت، ويقاسي جرح الماضي زمنًا طويلًا بلا بوح، لأن المجتمع ونظرة الرجال لبعضهم البعض جعلت الرجل لا يجسر على البوح بآلامه وخسائره.
أما أطباء الصحة النفسية فيؤكدون بحسب مجلة (الصدى)، أن السبب الآخر الذي يضايق الرجال بعد الطلاق ليس فقط فقدان دورهم كأزواج، ولكن خسارتهم لدورهم كآباء، فالأم تلعب بعد الطلاق دور الأب والأم معاً، أما الزوج فيخسر دوره كأب.
وعن الانعكاسات المرضية العضوية يذكر د.مصطفى الحاروني أستاذ علم النفس التربوي بجامعة حلوان المصرية أن الطلاق يعد منجمًا للأمراض ولا يستثني الرجل من الآثار النفسية والاجتماعية المدمرة. وأكثر الأمراض شيوعًا لدى هؤلاء هي: الإرهاق المزمن، القرحة، تساقط الشعر، أمراض القلب، والأمر اض الجلدية (الحساسيات).


حالات صعبة
إذا لا شك أن الزوج يتأثر عاطفيًا بالطلاق، بل وقد يصاب بأعراض وأمراض نفسية وعضوية، خاصة في حالات معينة تزيد الموقف صعوبة، أهمها:
- مبادرة الزوجة بطلب الطلاق، سواء باللجوء لفسخ العقد لخلل في جانب الزوج، أو حتي في طلب المخالعة من أجل عتق نفسها من الارتباط بذلك الزوج.
- وجود أبناء محصلة ذلك الزواج، فلا مكان إطلاقًا للطلاق الذهني أو النفسي بين الزوجين عند وجود الأبناء.
- طول مدة الحياة الزوجية التي قضاها الزوجان معاً، فلا يزال شبح الذكريات يؤرق الطرفين إذ إنهما قضيا زهرة حياتهما معًا.
- تأخر الدخول في تجربة الزواج مرة أخرى بعد الطلاق، نتيجة العزوف والكره للجنس الآخر.
- الطلاق بعد الخمسين بالنسبة للرجل يكون شديد الوطأة عليه بخلاف الطلاق في مقتبل العمر.
- عند ملاحظة الرجل المطلق للحساسية الكبيرة والتحفظ المفرط عند التعامل مع الزملاء، وخصوصا لدى دخوله منازلهم، حيث ينظر إليه الجميع كشاب أعزب، يفتقد لزوجة تعصمه وتصونه وتعفه.
وإن كان هذا لا ينفي وجود آثار إيجابية يمكن أن تحدث نتيجة للطلاق، فقد يدفع الرجل الإحساس بالفشل إلى الثورة على نفسه، فيحاول التركيز في عمله وإثبات ذاته والتغلب على مرارة التجربة وقسوة الذكريات.


الكل يخسر
الفرد حين ينوي الطلاق يكون تفكيره قائمًا على الخلاص، لكن ما يشعر به عقب ذلك من وحدة وعدم استقرار يضعه في أتون حياة صعبة. فلا شك أن كل الأطراف تكون خاسرة، حيث تفقد الزوجة الدعم والأمان والحماية التى يوفرها لها الزوج، وهو الآخر يخسر الحضن الدافىء والسكن النفسي والراحة التي تحققها لها زوجته، علاوة على عودته مرة أخرى لحياة العزوبية، وعدم وجود من يهتم بشؤونه، وبعض الرجال يهرب من خيال زوجته السابقة بالزواج السريع من امرأة أخرى ليسترد جزءا من اعتباره وكبريائه المحطم، ولكن الحقيقة التي لا مناص منها أن الزوج يدخل في دوامة المقارنة ما بين طليقته وزوجته الجديدة، خاصة لو كان مغرمًا بطليقته.
وتزداد المشكلة تعقيدًا عندما يوجد أطفال، فإلى جانب تشتتهم بين الأبوين، فإن الأب مطالب بالإنفاق عليهم ورعايتهم عن بعد وهو عبء عسير آخر يتحمله.

ولا شك أن التأثير سلبي وكبير على الأطفال سواء عاشوا مع أمهاتهم أو آبائهم، لأن الأسرة هي أول بقعة ضوء تتجلى فيها للطفل القيم والنظرة إلى العالم، وتسمح للصغير بالنمو والحفاظ على التوازن والاستمرار، والطلاق يشوه في داخل الطفل نقاءه وعالمه المثالي فيسيطر عليه الحزن والقلق، وقد يحدث هذا شرخًا في نفسيته يحمله معه إلى الكبر فيصبح انطوائيًا ويفقد الطموح ويتراجع وينهزم أمام أقل الصعاب، وأكبر الآثار سلبية على أطفال المطلقين عندما يحاول أحد الطرفين تشويه صورة الآخر أمام أبنائه، كأن يقول الأب لأطفاله: إن أمكم لا تحبكم، وهي امرأة لا تصلح كزوجة وأم... إلخ، أو تحاول الأم أن تزرع الكراهية في نفوس الأبناء تجاه أبيهم، وما أقساها من سلوكيات انتقامية خاطئة كفيلة بأن تدمر حياة هذه البراعم الغضة، وتؤثر على مستقبلهم.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام