أنا وأتاتورك وجهاً لوجه ( رحلة البكاء من الفرح )

منذ 2010-12-04

رأيت المنبر الذي خطب خطبة الفتح من فوقه ، ورأيت الجنازير ، ورأيت الأسوار التاريخية ، وبكيت طويلاً ، سمعت المآذن تدوي بالنداء في كل أنحاء استانبول ، ودخلتها أحسبها فارغة فإذا بها تحتضن العثمانيين الجدد ، يعودون إلى دينهم زرافات ووحداناً ، ورأيت الإيشارب


الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد

هنا في استانبول وقفت في متحفها الكبير، أمام تمثال لأتاتورك -أكثر الرجال شؤماً على أمتنا في عصورها الحديثة- كنت في هذه القاعة وحدي، عُدت لتوي من متحف آخر، يعرض السلاسل التي كانت تُغلق بوغاز القسطنطينية أمام كل من حاول اقتحام المدينة، المدينة التي استعصت على جيوش الدنيا ما يقرب من ألف عام ، حتى جاء محمد الفاتح، ووقف على أبوابها طويلاً، وهى تتأبى عليه، فلما نصحه بعض أتباعه أن يرجع فقال:"هي واحدة من اثنتين: قصر فيها، أو قبر على أبوابها"، وأمام هذا الإصرار العجيب، وبحول الله وقوته فتحت القسطنطينية أبوابها ، ودخلها ، فكان أول ما فعله أن صلى فيها الجمعة، وخطب خطبة مؤثرة .

رأيت المنبر الذي خطب خطبة الفتح من فوقه، ورأيت الجنازير، ورأيت الأسوار التاريخية، وبكيت طويلاً، سمعت المآذن تدوي بالنداء في كل أنحاء استانبول، ودخلتها أحسبها فارغة فإذا بها تحتضن العثمانيين الجدد، يعودون إلى دينهم زُرُفاتٍ ووحداناً، ورأيت الإيشارب؛ والخمار؛ وسمعت بوجود النقاب، ودخلت مدرسة دينية صغيرة -سمعت أن استانبول وحدها بها عشرة آلاف مدرسة دينية- دخلت المدرسة، ورأيت الوجوه الوضيئة، والقلوب الطاهرة، جاءت تروي ظمأ مائة عام من العطش، صليت الجمعة في مسجد يمتلئ عن آخره، ورأيت مشهداً فطرني من البكاء، رأيت سيدات يجلسن على الأرصفة يستمعن الخطبة، ورجال يهرعون وفي أيديهم سجادة الصلاة رأيت تركيا المسلمة تنتفض لتحطم أغلال العلمانية الظالمة، وتذكرت أن خلف هذا أناس ماتوا لأجل أن تبقى جُذوة الإسلام ولو تحت الرماد، تذكرت الذين كانوا يتخفون بدينهم، وصلاتهم، وقرآنهم، ويتوضئون للفجر تحت جنح الظلام، ويخفون المصاحف، ثم ها أنا أقف أمام أتاتورك وجهاً لوجه وقفت أمامه أبكى بكاءً حاراً ، حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي، بكاء فرح بعودة بلد الخلافة، ودموع شماتة في هذا المخذول الذي أسقط الخلافة، واستبدل الحروف العربية ومنع الآذان وأعدم الشيوخ والعلماء، وقفت شامخاً ثابتاً أمامه، وقفت وحدي في القاعة أمام تمثاله أقول له شامتاً: كيف لو خرجت أيها المخذول فرأيت حصاد زرعك المُر؟ كيف لو خرجت فرأت عينك الحجاب، والصلاة، وسمعت أذناك الأذان والقرآن؟ كيف لو رأيت بناءك وقد تهدم، وزرعك وقد احترق، وعملك وقد أُحبط؟ لو رأيت ما رأيت، ولو سمعت ما سمعت، فستأكل الحسرة فؤادك، وسيملأ الغل نفسك، وستعرف أن الزبد يذهب جفاءاً وأن ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، لو خرجت لوجدت تركيا تعود بأسرع من البرق إلى دينها وربها وقرآنها وصلاتها وأن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، وأن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

المشكلة يا أتاتورك أن إخوانك في كل بلاد أمتنا من الخونة المأجورين، الذين لا هم لهم ولا عمل إلا طمس هوية هذه الأمة، وغسل مخها، وصرفها عن دينها الذي هو مصدر عزها ومجدها، والذي ما عرفت الأمة نصراً ولا مجداً إلا تحت لواءه، إخوانك هؤلاء مصرون على محاولة محو هوية أمتنا، ورغم أنهم لم يحصدوا أبداً إلا العلقم، فإنهم مصرون على ما هم فيه، وهذا والله من تمام خذلان الله لهم.

انصرفت من أمام وجه أتاتورك أكفكف دموعاً بطعم الفرح ورائحة الفجر، وجعلت أردد: حمداً لله على سلامتك يا تركيا، عوداً حميداً، حمداً لله على الشفاء من الوباء، والعافية من البلاء، طال انتظارنا لك، فسبحان من أنجاك، وحماك، وعافاك.

استانبول - تركيا
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

خالد الشافعي

داعية مصري سلفي

  • 7
  • 3
  • 4,909
  • جهاد جراح

      منذ
    لعنة الله عليهم لقد سمعت احدمهم يقول أن عيسى عليه سلام يتشرف أن يكون عبدا لعلي إبن أبي طالب رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا انه لم تطأ هذه الأرض خير من صحابة رضوان الله عليهم إلا الأنبياء
  • جهاد جراح

      منذ
    شكرا لك على المقال و أبشر يا أخي فالإسلام محمي من الله عز و جل فلا اتاتورك ولا عينته سينالون من الإسلام الذي فيه عزنا

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً