أنت... !!

محمد بن إبراهيم الحمد

يحدثني أحد الأفاضل أنه حضر خطبةَ جمعةٍ في أحد الجوامع، وكان موضوع
الخطبة في ذلك اليوم يدور حول ظاهرة اجتماعية يتصف بها بعضُ الناس،
وأن الخطيبَ مضى في عرض تلك الظاهرة، وتشخيصها، وذكر الأسباب المُعينة
على التخلّص منها..

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -


يحدثني أحد الأفاضل أنه حضر خطبةَ جمعةٍ في أحد الجوامع، وكان موضوع الخطبة في ذلك اليوم يدور حول ظاهرة اجتماعية يتصف بها بعضُ الناس، وأن الخطيبَ مضى في عرض تلك الظاهرة، وتشخيصها، وذكر الأسباب المُعينة على التخلّص منها.


يقول ذلك الفاضل: (ولما خرجت من المسجد إذا شخص يمسك بيدي، ويقول لي: لقد أجاد الخطيب، ويا ليت فلانًا من الناس حاضر؛ كي يفيد من تلك الخطبة التي تعالج ما هو مُتلبِّسٌ به من تلك الظاهرة.

فقلت في نفسي: يا ليت أنك أفدت من تلك الخطبة؛ لأنك من أشد الناس تلبّسًا بتلك الظاهرة التي عالجها الخطيب). ا.هـ.

فهذا الحوار ينقل لنا صورة تتكرر كثيرًا، وهي أننا لا نفلح في تغيير ما عندنا في كثير من الأحيان؛ لأننا لا نجد من ينبهنا على عيوبنا، وإذا وَجدْنا من يَنَبِّه عليها عمومًا ظنَنّا أن المقصود غيرنا دون أن نتفقد أنفسنا، ونستشعر أننا قد نكون متلبّسين بما سمعنا؛ فيقودنا ذلك إلى الإصلاح، والتغيير نحو الأفضل.


أما أن نرمي بتلك المساوئ على غيرنا، وننسب إلى أنفسنا كل فضيلة تُقال - فذلك مرض آخر يَعَزُّ علاجه؛ فيكون حالنا كما قال حذيفة -رضي الله عنه-: (نعم أبناء عمِّ يهود؛ ما كان من حلوة فهي لكم، وما كان من مرة فهي لهم).

يعني بذلك أن الحسد، والجشع، والظلم، والبغي وغيرها من الصفات القبيحة - هي من أوصاف اليهود.

أما الصفات الحسنة من الكرم، والإيثار، والعدل ونحوها - فهي لكم.

فحذيفة -رضي الله عنه- ينبه من خلال ذلك الأثر إلى تلك الظاهرة.

ولا ريب أن اليهود هم أهل تلك الأوصاف القبيحة.


أما أن يتلبّس بها بعض المسلمين، ويظنون أنهم بمنجاة من عواقبها الوبيلة، أو يرون أن مجرد إسلامهم كافٍ بادّعاء الكمال دون اتّصاف به - فلا؛ لأن الإيمان قول وعمل، ولأن من تشبّه بقوم فهو منهم.

وبهذه النظرة يصل الإنسان إلى ادّعاء الكمال في نفسه، وادّعاء النقص في غيره .

وهذا هو ما ينبغي للعاقل أن يحذره؛ حتى لا يستمر على عيوبه، ونقائصه.

ولا يعني ذلك أن الإنسان يشك في أنه المقصود من أي كلام عام، وإنما المراد أن يستشعر أنه ليس بمعصوم، وأنه محتاج إلى التذكير بما ينهض به، وينبّهه على عيوبه.

 

المصدر: موقع الإسلام اليوم