الدنيا زينة و زينتها اختبار

أبو الهيثم محمد درويش

و من أنعم الله عليه بالهداية و التوفيق فقد نال الخير كله , خاصة و أنه يعلم يقيناً أن الدنيا مهما طال نعيمها فهو زائل و مهما طال نصبها و تعبها فهو منتهي .
قال تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا } [ الكهف7-8] .

  • التصنيفات: التفسير -

كل ما في الدنيا من زينة إنماهي محض اختبار 
المال , الزوجة ,الأبناء, الذهب, الفضة, المنازل ,المصانع ,المناصب ,القوة, الجمال , بهاء الطبيعة و أنهارها و أشجارها و ثمارها .
كل هذا محض اختبار .
ليشكر من أعطي فلا ينسيه العطاء شكر المنعم و إفراده بالعبادة و و الإيمان بكتابه و العمل به و الدعوة إلى رسالته .
و ليصبر من منعت عنه بعض النعم فلا ينسيه البلاء الرجوع إلى مولاه .
و من أنعم الله عليه بالهداية و التوفيق فقد نال الخير كله , خاصة و أنه يعلم يقيناً أن الدنيا مهما طال نعيمها فهو زائل و مهما طال نصبها و تعبها فهو منتهي .
قال تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا }  [ الكهف7-8] .
قال السعدي في تفسيره :
يخبر تعالى: أنه جعل جميع ما على وجه الأرض، من مآكل لذيذة، ومشارب، ومساكن  طيبة، وأشجار، وأنهار، وزروع، وثمار، ومناظر بهيجة، ورياض أنيقة، وأصوات شجية، وصور مليحة، وذهب وفضة، وخيل وإبل ونحوها، الجميع جعله الله زينة لهذه الدار، فتنة واختبارا. { لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا }  أي: أخلصه وأصوبه، ومع ذلك سيجعل الله جميع هذه المذكورات، فانية مضمحلة، وزائلة منقضية.
وستعود الأرض صعيدا جرزا قد ذهبت لذاتها، وانقطعت أنهارها، واندرست أثارها، وزال نعيمها، هذه حقيقة الدنيا، قد جلاها الله لنا كأنها رأي عين، وحذرنا من الاغترار بها، ورغبنا في دار يدوم نعيمها، ويسعد مقيمها، كل ذلك رحمة بنا، فاغتر بزخرف الدنيا وزينتها، من نظر إلى ظاهر الدنيا، دون باطنها، فصحبوا الدنيا صحبة البهائم، وتمتعوا بها تمتع السوائم، لا ينظرون في حق ربهم، ولا يهتمون لمعرفته، بل همهم تناول الشهوات، من أي وجه حصلت، وعلى أي حالة اتفقت، فهؤلاء إذا حضر أحدهم الموت، قلق لخراب ذاته، وفوات لذاته، لا لما قدمت يداه من التفريط والسيئات.
وأما من نظر إلى باطن الدنيا، وعلم المقصود منها ومنه، فإنه يتناول منها، ما يستعين به على ما خلق له، وانتهز الفرصة في عمره الشريف، فجعل الدنيا منزل عبور، لا محل حبور، وشقة سفر، لا منزل إقامة، فبذل جهده في معرفة ربه، وتنفيذ أوامره، وإحسان العمل، فهذا بأحسن المنازل عند الله، وهو حقيق منه بكل كرامة ونعيم، وسرور وتكريم، فنظر إلى باطن الدنيا، حين نظر المغتر إلى ظاهرها، وعمل لآخرته، حين عمل البطال لدنياه، فشتان ما بين الفريقين، وما أبعد الفرق بين الطائفتين".
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن