كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ

أبو الهيثم محمد درويش

{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ * كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}  [الروم 58 - 60]

  • التصنيفات: التفسير -

من أصر على العناد و ابتعد عن الإنصاف و بالغ في الابتعاد لن تنفعه الآيات و لا المواعظ و الأمثال , فالقلب مطبوع عليه مغلق بإحكام عن قبول الحق و العين مغمضة عن أي نور .

بدأ أمرهم بالجهل و التكاسل عن المعرفة و فهم الآيات حتى صاورا أعداء ما يجهلون .

فعلى المؤمن أن يثبت و يصبر على جهل هؤلاء و لا ينجر بحال إلى مرادهم و السير في ركابهم و طريقتهم حتى لا يقع فيما وقعوا فيه .

{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ * كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}  [الروم 58 - 60]

قال السعدي في تفسيره :

أي: { {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا } } لأجل عنايتنا ورحمتنا ولطفنا وحسن تعليمنا { {لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} } تتضح به الحقائق وتعرف به الأمور وتنقطع به الحجة. وهذا عام في الأمثال التي يضربها اللّه في تقريب الأمور المعقولة بالمحسوسة. وفي الإخبار بما سيكون وجلاء حقيقته حتى كأنه وقع.

ومنه في هذا الموضع ذكر اللّه تعالى ما يكون يوم القيامة وحالة المجرمين فيه وشدة أسفهم وأنه لا يقبل منهم عذر ولا عتاب.

ولكن أبى الظالمون الكافرون إلا معاندة الحق الواضح ولهذا قال: { {وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ } } أي: أي آية تدل على صحة ما جئت به { { لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ } } أي: قالوا للحق: إنه باطل. وهذا من كفرهم وجراءتهم وطَبْعِ اللّه على قلوبهم وجهلهم المفرط ولهذا قال: { {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} } فلا يدخلها خير ولا تدرك الأشياء على حقيقتها بل ترى الحق باطلا والباطل حقا.

{ {فَاصْبِرْ } } على ما أمرت به وعلى دعوتهم إلى اللّه، ولو رأيت منهم إعراضا فلا يصدنك ذلك.

{ {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} } أي: لا شك فيه وهذا مما يعين على الصبر فإن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع بل سيجده كاملا هان عليه ما يلقاه من المكاره ويسر عليه كل عسير واستقل من عمله كل كثير.

{ {وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} } أي: قد ضعف إيمانهم وقل يقينهم فخفت لذلك أحلامهم وقل صبرهم، فإياك أن يستخفك هؤلاء فإنك إن لم تجعلهم منك على بال وتحذر منهم وإلا استخفوك وحملوك على عدم الثبات على الأوامر والنواهي، والنفس تساعدهم على هذا وتطلب التشبه والموافقة وهذا مما يدل على أن كل مؤمن موقن رزين العقل يسهل عليه الصبر، وكل ضعيف اليقين ضعيف العقل خفيفه.

فالأول بمنزلة اللب والآخر بمنزلة القشور فاللّه المستعان.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن