أم نجعل الذين آمنوا و عملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض

أبو الهيثم محمد درويش

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ * كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } [ص 27 – 29]

  • التصنيفات: التفسير -

{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ} :

ما خلق سبحانه السماوات و الأرض باطلاً أو لعباً , إنما خلقها لحكمة , هذه الحكمة نفاها من عاندوه فأنكروا حكمته من الخلق كما أنكروا قدرته على إعادة خلقهم ليحاسبهم , فأجرموا في حق الله و حق عباده و حق أنفسهم فأفسدوا في الأرض و حاربوا أولياء الله و شوهوا تعاليم كتبه و عرقلوا طريق رسله.

هل يستوي من كان هذا عمله و أولياء الله الذين آمنوا و اتبعوا تعاليم الرسل و ناصروهم و حملوا أمانة التوحيد عبر التاريخ الإنساني؟

لا يستوي عند الله و عند العدول من خلقه أبدا مجرم و مؤمن.

لا يستوي من خاف الله فأقام حدوده ووقر رسله و من بارز الله وحارب أولياءه و عاند و استكبر وأسرف في حدود الله.

طريق الرسل الموصل لمرضاة الله واضح و هو أوضح ما يكون في القرآن آخر رسالات السماء إلى أهل الأرض , أنزله الله ليتدبر المؤمن فيعمل و يطبق و يدعو.

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ * كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } [ص 27 – 29]

قال السعدي في تفسيره :

يخبر تعالى عن تمام حكمته في خلقه السماوات والأرض، وأنه لم يخلقهما باطلا، أي: عبثا ولعبا من غير فائدة ولا مصلحة.

{ { ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا } } بربهم، حيث ظنوا ما لا يليق بجلاله. { {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ } } فإنها التي تأخذ الحق منهم، وتبلغ منهم كل مبلغ.

وإنما خلق اللّه السماوات والأرض بالحق وللحق، فخلقهما ليعلم العباد كمال علمه وقدرته وسعة سلطانه، وأنه تعالى وحده المعبود، دون من لم يخلق مثقال ذرة من السماوات والأرض، وأن البعث حق، وسيفصل اللّه بين أهل الخير والشر.

ولا يظن الجاهل بحكمة اللّه أن يسوي اللّه بينهما في حكمه، ولهذا قال: { {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } } هذا غير لائق بحكمتنا وحكمنا.

{ {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} } فيه خير كثير، وعلم غزير، فيه كل هدى من ضلالة، وشفاء من داء، ونور يستضاء به في الظلمات، وكل حكم يحتاج إليه المكلفون، وفيه من الأدلة القطعية على كل مطلوب، ما كان به أجل كتاب طرق العالم منذ أنشأه اللّه.

{ {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} } أي: هذه الحكمة من إنزاله، ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها ويتأملوا أسرارها وحكمها، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تدرك بركته وخيره، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود.

{ {وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} } أي: أولو العقول الصحيحة، يتذكرون بتدبرهم لها كل علم ومطلوب، فدل هذا على أنه بحسب لب الإنسان وعقله يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب.

#أبو_الهيثم

#مع_القرآن