كيد الشَّيطان

ملفات متنوعة

قال ابن القيِّم:ثمَّ كاد أحدَ وَلَدَي آدم، ولم يزل يتلاعب به حتى قتل أخاه، وأسخط أباه، وعصى مولاه، فسنَّ للذرِّية قتل النُّفوس

  • التصنيفات: مساوئ الأخلاق -


1- كيده لنفسه:
(أمَّا كيده لنفسه: فإنَّ الله -سبحانه- لما أمره بالسُّجود لآدم -عليه السَّلام- كان في امتثال أمره وطاعته سعادته وفلاحه وعزُّه ونجاته، فسوَّلت له نفسه الجاهلة الظَّالمة: أنَّ في سجوده لآدم -عليه السَّلام- غضاضة عليه وهضمًا لنفسه؛ إذ يخضع ويقع ساجدًا لمن خُلِق مِن طين، وهو مخلوق مِن نار، والنَّار -بزعمه- أشرف مِن الطِّين، فالمخلوق منه خيرٌ مِن المخلوق منها، وخضوع الأفضل لمِن هو دونه غضاضةٌ عليه، وهضمٌ لمنزلته، فلمَّا قام بقلبه هذا الهوس، وقارنه الحسد لآدم لـمَّا رأى ربَّه -سبحانه- قد خصَّه به مِن أنواع الكرامة، فإنَّه خَلَقَه بيده، ونفخ فيه مِن روحه، وأسجد له ملائكته، وعلَّمه أسماء كلِّ شيء وميَّزه بذلك عن الملائكة... ثمَّ قرَّر ذلك بحجَّته الدَّاحضة في تفضيل مادَّته وأصله على مادَّة آدم -عليه السَّلام- وأصله، فأنتجت له هذه المقدمات إباءَه وامتناعه مِن السُّجود، ومعصيته الرَّبَّ المعبود)   .
2- كيده للأبوين آدم وحوَّاء:
قال ابن القيِّم: (وأمَّا كيده للأبوين فقد قصَّ الله -سبحانه- علينا قصَّته معهما، وأنَّه لم يزل يخدعهما ويَعِدُهما ويمنِّيهما الخلود في الجنَّة، حتى حلف لهما بالله جهد يمينه: إنَّه ناصح لهما، حتى اطمأنَّا إلى قوله وأجاباه إلى ما طلب منهما، فجرى عليهما مِن المحنة والخروج مِن الجنَّة ونَزْع لباسهما عنهما ما جرى، وكان ذلك بكيده ومكره الذي جرى به القلم وسبق به القَدَر، وردَّ الله -سبحانه- كيده عليه، وتدارك الأبوين برحمته ومغفرته، فأعادهما إلى الجنَّة على أحسن الأحوال وأجملها، وعاد عاقبة مكره عليه ولا يحيق المكْر السَّيِّئ إلَّا بأهله)   .
3- كيده لأحد وَلَدَي آدم:
قال ابن القيِّم: (ثمَّ كاد أحدَ وَلَدَي آدم، ولم يزل يتلاعب به حتى قتل أخاه، وأسخط أباه، وعصى مولاه، فسنَّ للذرِّية قتل النُّفوس، وقد ثبت في الصَّحيح عنه أنَّه قال: ((ما مِن نفس تُقْتَل ظُلْمًا إلَّا كان على ابن آدم الأوَّل كِفْلٌ مِن دمها؛ لأنَّه أوَّل مَن سنَّ القتل))   فكاد العدوُّ هذا القاتل بقطيعة رحمه، وعقوق والديه، وإسخاط ربِّه، ونقص عدده، وظُلْم نفسه، وعرَّضه لأعظم العقاب، وحَرَمَه حظَّه مِن جزيل الثَّواب)   .
4- كيده بتزيين عبادة غير الله:
لم يقتصر كيده على نفسه ولا على آدم وحوَّاء، حتى كاد ذريَّة نفسه وذريَّة آدم، فكان مشؤومًا على نفسه وعلى ذريَّته وأوليائه وأهل طاعته مِن الجنِّ والإنس   . 
وكان أوَّل ما كاد به عبادة الأصنام مِن جهة العكوف على القبور وتصاوير أهلها ليتذكَّروهم بها، كما قصَّ الله -سبحانه- قصصهم في كتابه، فقال: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح: 23]، قال البخاريُّ في صحيحه   عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: هذه أسماء رجال صالحين مِن قوم نوح، فلمَّا هلكوا أوحى الشَّيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، وسمُّوها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تُعْبَد حتى إذا هلك أولئك ونُسِخَ العِلم عُبِدت