هل المسلمون في حاجة إلى التجمع حول القومية؟ المقال الأول

ملفات متنوعة

إن الدعوة إلى القومية دعوى إلى الفرقة والفخر والتعالي حيث يدخل التعصب بجميع أشكاله من جميع الأبواب فما الذي يمنع في شرع القومية أن يفتخر العربي بأنه عربي ومن بلد كذا وكذا والعجمي بأنه عجمي ومن بلد كذا وكذا

  • التصنيفات: مذاهب فكرية معاصرة -


من البديهي أن يأتي الجواب بالنفي مطلقا والأمر واضح تمام الوضوح فقد أغنى الله المسلمين عن التجمع حول أي فكر جديد أو شعار أو حزب بل إنه حارب كل تجمع يقوم على غير هديه القويم معتبرا المسلمين كلهم { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}  [ الحجرات: 10]" (( «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا» ))   (( «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» ))   .
ونصوص أخرى كثيرة في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه كلها تحث المسلمين على أن يكون تجمعهم وتفرقهم وحربهم وسلمهم ومعاداتهم وموالاتهم كلها قائمة على هدى الله عز وجل لا إلى العرب أو العروبة أو القومية أو الوطنية فهي وغيرها شعارات جاهلية يبغضها الإسلام ويحاربها وكل دعوى لا تلتزم هدى الله فهي دعوى جاهلية يجب الحذر منها ولقد أعلنها المصطفى صلى الله عليه وسلم صريحة حيث قال للأنصاري الذي قال يا للأنصار وللمهاجرين حين قال يا للمهاجرين قال صلى الله عليه وسلم : (( «ما بال دعوى أهل الجاهلية» ))   وفي رواية (( «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم» ))   .
وفي بعض الروايات قال لمن افتخر بعروبته (( «دعوها فإنها خبيثة» ))   وفي رواية (( «فإنها منتنة» ))   و في بعضها (( «دعوها فإنها ليست لكم بأب ولا أم» ))   . لأن الإسلام أراد أن تجتث شجرة التعصب الخبيثة من أساسها لأن ثمارها لا خير فيها لأحد بل فيها العداوة والبغضاء والكبرياء والأحقاد وكل المساوئ والرذائل وأنها لا تؤلف القلوب بل تنفرها وتثير فيها كوامن حب التعالي والبغي بغير الحق فلا تفيدهم لا في دينهم ولا في دنياهم.
ولقد جربت هذه الفكرة قديما وحديثا فكانت فاشلة تافهة ما إن يحصل خلاف وخصام بين أصحابها إلا ورموا بها عرض الحائط وصار بعضهم لا يخاف في الآخر إلاً ولا ذمة فهو لا يخاف من اختراقها نارا حامية ولا يرجو من تطبيقها جنة عالية فتكون النتيجة كما قال أبو فراس " إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر "   .
وقد وضح لكل عاقل أن القومية لم تقدم أي نفع للناعقين بها بل إنها كانت معول هدم وتخريب وبغي فأي حاجة للمسلمين إلى النعرات الجاهلية بعد أن أعزهم الله بالإسلام الذي أكمله الله لهم ورضيه لهم إلى يوم القيامة. وجعل أحكامه شاملة كاملة وافية بجميع ما يحتاج إليه البشر لسعادتهم في الدارين  {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. 
إن الدعوة إلى القومية دعوى إلى الفرقة والفخر والتعالي حيث يدخل التعصب بجميع أشكاله من جميع الأبواب فما الذي يمنع في شرع القومية أن يفتخر العربي بأنه عربي ومن بلد كذا وكذا والعجمي بأنه عجمي ومن بلد كذا وكذا سيفتخر حتما في شرع القومية العربي بعربيته والفارسي بفارسيته والهندي بهنديته والصيني بصينيته. 
وهكذا كل قوم أو بلد سيجدون ما يفتخرون به بالحق وبالباطل فالقومية ستلهمهم جميعا صواب ما يريدون وستعطي كل حزب أدلته على أنه أفضل عناصر البشر وأن وطنه أفضل الأراضي وأن كل ذرة منه مقدسة ومعلوم أنه لم يحتج المسلمون في تاريخهم الطويل – قبل انحرافهم عن الجادة – إلى قومية تجمعهم ولا أي رابط يربطهم غير كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. 
يقول د. جمعة الخولي بعد أن ذكر أن دول أوربا تحولت إلى شتات من البشر لا رابطة بينهم بعد أن أبعدوا عنهم النصرانية ورجال دينها وأنهم لجؤوا إلى القوميات كوسيلة لربط الشعوب كالقومية الألمانية والقومية الفرنسية والنمساوية.. إلخ وأنهم لم ينتفعوا بها بل كانت فتنة لهم وسببا من أسباب الحروب بينهم. 
ثم جاء يوم تحاربت فيه على أساس هذه القوميات في الحربين العالميتين الأولى والثانية فلما أحست بلعنة القومية أخذت تتخلى عنها وعد كثير من مفكريها العودة للدعوة لها دليلا على الرجعية والتخلف وعنصرا هداما للإنسانية واعتبروها نوعا من التجارب التي لجأت إليها أوروبا في ظروف خاصة و في وقت محدود، ثم نقل عن المؤرخ الشهير " أرنولد توينبي " قوله: " القومية لا تستطيع أبدا أن توحد الإنسانية بل إنها توزعها وتشتت شملها ومن أجل ذلك ليس لها مستقبل وأنها لا تستطيع إلا أن تدفن الإنسانية في ركامها وأننا إذا أردنا أن ننقذ أنفسنا من الهلاك والدمار فينبغي أن تحتضن الإنسانية كلها من غير استثناء ونتعلم كيف نعيش كأسرة واحدة ". 
ثم ألا يعلم القوميون العرب بخصوصهم أن العرب قبل الإسلام كانوا في غاية الأنفة والحمية والفصاحة العجيبة فما الذي أغنت عنهم وهل جنبتهم غضب الله أو جنبتهم الذل لغيرهم من سائر الأجناس أليس كان الفرس ينظرون إلى العرب كما ينظرون إلى الحشرات لا يقيمون لهم وزنا ولا قيمة فلماذا لم تدافع عنهم القومية وهل ستدافع عن المسلمين والعرب اليوم لولا ذوابها؟ ! وكم دعوا لها وكم لاذوا بها فكانت النتيجة ما نشاهده اليوم من تفرقهم وتشتتهم وذلهم الذي بلغ ذروته مع وصول القومية إلى ذروتها على أيدي ملاحدة البعث ونصارى العرب وغيرهم من مغفلي المسلمين وأصحاب المصالح الذين أذلتهم بطونهم ومطامعهم الذين هم أشبه ما يكونون بالقطط الذين يشبعون والنمور جياع، ثم أليست شريعة القوميين هي نفسها الشريعة التي كانت في الجاهلية من التعصب القبلي – انصر أخاك ظالما أو مظلوما – ومن الدعوة إلى الفجور والفواحش ومن التعالي والبغي على الناس بغير الحق ومن تقديس رؤوس الكفر واحترامهم وعدم وجود العزة والأنفة التي يتميز بها المسلم أمام أعداء الإسلام من اليهود والنصارى حتى أصبح راضيا مطمئنا بأن يتولى عليه من لا يساوي شراك نعله من ضلال اليهود والنصارى وغيرهم من كبار الفساق لأن شريعة القومية توجب ذلك لأن العروبة حين تجمع بين هؤلاء جميعا لا يبقى أي مزية للمسلم على الآخرين وهذا المفهوم منطقي مع استبدال الدين بالقومية.