إرهاصات ونور بين يدي مولده

أبو الهيثم محمد درويش

وردهم بشرِّ خيبة، وكانوا قوماً نصارى، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالاً مما كان عليه قريش من عبادة الأصنام، ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه في ذلك العام وُلِدَ على أشهر الأقوال

  • التصنيفات: السيرة النبوية -

إرهاصات ومبشرات قبل ولادة المصطفى صلى الله عليه وسلم:

[الإرهاصات هي البشارات والأمور الخارقة للعادة التي يُحدثها الله عز وجل للنبي؛ تبشيراً بنبوته قبل مجيئه وبعثته, ومن أشد هذه الإرهاصات والمبشرات وضوحاً حادثة الفيل هذه المعجزة التي حفظ الله بها الكعبة وما حولها من جيش أبرهة الحبشي إذ أرسل عليهم الطير الأبابيل التي ترميهم بالحجارة المحماة فأتت على الجيش وسحقته, وماكانت أبداً تلك الكرامة لمشركي قيش عباد الأوثان وإنما هي كرامة واضحة للتمهيد لمولد أعظم موحد عبد الله على وجه الأرض فحقظه الله وهو بعد حملاً في بطن أمه وحفظ الله قبلته وقبلة أمته وبيت الحجيج الأعظم.

قال ابن كثير: "هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود، فأبادهم الله، وأرغم آنافهم، وخيب سعيهم، وأضل عملهم، وردهم بشرِّ خيبة، وكانوا قوماً نصارى، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالاً مما كان عليه قريش من عبادة الأصنام، ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه في ذلك العام وُلِدَ على أشهر الأقوال".

وقال ابن تيمية: "وكان جيران البيت مشركين يعبدون الأوثان، ودين النصارى خير من دينهم، فعُلِم بذلك أن هذه الآية لم تكن لأجل جيران البيت حينئذ، بل كانت لأجل البيت، أو لأجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الذي وُلِدَ في ذلك العام عند البيت، أو لمجموعهما، وأيّ ذلك كان، فهو من دلائل نبوته".

نور يخرج من حَمْلِ أمِّه به :

عن لقمان بن عامر قال سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَة يقول: («قُلْتُ يَا نَبِيَّ الله ما كان أَوَّلُ بَدْءِ أَمْرِك؟ قال: نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأتْ أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام»   [رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني] . قال ابن كثير: "قوله: (ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام) قيل: كان مناماً رأته حين حملت به، وقَصَّته على قومها، فشاع فيهم، واشتهر بينهم، وكان ذلك توطئة". وقال ابن رجب: "خروج هذا النور عند وضعه؛ إشارة إلى ما يجيء به من النور الذي اهتدى به أهل الأرض، وأزال به ظلمة الشرك منها، كما قال تعالى:  {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}  (المائدة:15-16)، وقال تعالى: { {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} }(الأعراف:157)".

ظهور نجم أحمد في السماء :

هاجر اليهود إلى مكة والمدينة ينتظرون ولادة النبي الخاتم أحمد صلى الله عليه وسلم الموجودة أوصافه في التوراة، قال تعالى: { {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} } (الصَّف:6)، قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "يعني: التوراة قد بشرت بي، وأنا مصداق ما أخبرت عنه، وأنا مبشر بمن بعدي، وهو الرسول النبي الأمي العربي المكي أحمد، فعيسى عليه السلام، وهو خاتم أنبياء بني إسرائيل، قد قام في ملإ بني إسرائيل مبشراً بمحمد، وهو أحمد خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي لا رسالة بعده ولا نبوة". ونجم أحمد هو نجم لامع في السماء، له خصائص تختلف عن غيره من النجوم، وقد عرف به اليهود أن أحمد خاتم الأنبياء قد وُلِدَ، روى ابن إسحاق عن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال: "والله، إني لغلام يفعةٌ (شبَّ ولم يبلغ)، ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كلَّ ما سمعت، إذ سمعت يهوديًّا يصرخ بأعلى صوته على أطمةً (حصن) بيثرب: يا معشر يهود! حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك ما لك؟، قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي وُلِدَ به" رواه البيهقي وصححه الألباني. وروى أبو نعيم وحسنه الألباني عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال زيد بن عمرو بن نفيل، قال لي حَبْرٌ من أحبار الشام: "قد خرج في بلدك نبي، أو هو خارج، قد خرج نجمه، فارجع فصدقه واتبعه"] *.

أما التتابع السردي لأحداث مولد خير البرية صلى الله عليه وسلم فأتركه لرواية ابن هشام في السيرة:

[ زواج عبد الله من آمنة بنت وهب ]
خرج به عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ، وهو يومئذ سيد بني زهرة نسبا وشرفا ، فزوجه ابنته آمنة بنت وهب ، وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا .
 

ذكر ما قيل لآمنة عند حملها برسول الله صلى الله عليه وسلم:

ويزعمون - فيما يتحدث الناس والله أعلم - أن آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تحدث :  أنها أتيت ، حين حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل لها : إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ، فإذا وقع إلى الأرض فقولي : أعيذه بالواحد ، من شر كل حاسد ، ثم سميه محمدا . ورأت حين حملت به أنه خرج منها نور رأت به قصور بصرى ، من أرض الشام .

[ موت عبد الله ]

ثم لم يلبث عبد الله بن عبد المطلب ، أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن هلك ، وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل به .

ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاعته

[ رأى ابن إسحاق في مولده صلى الله عليه وسلم ]

قال ابن إسحاق : ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ، عام الفيل [ رواية قيس بن مخرمة عن مولده صلى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق : حدثني المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قيس بن مخرمة ، قال : ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل ، فنحن لدان .
-----------------------------------------------------------   

* إرهاصات وبشارات قبل مولد خير البرية- إسلام ويب