" أبوكَ مِن السِّتة.. "...!

حمزة بن فايع الفتحي

فادعوا لإخوانكم وأحبابكم، وأحيوا هذه السنة شبه المهجورة، لا سيما لعلماء صادقين

  • التصنيفات: الآداب والأخلاق -


• وستةُ أشخاصٍ عظيمٌ مكانُهم... لهم لهجٌ أسمى وبالاسمِ والذكرِ../ يَخصهمُ الشيخ الأجلُّ بدعوةٍ...فقد كانوا في الآنام كالشمسِ والبدرِ...!

• غالبا ما تستوقفك بعضُ عباراتِ السلف العجيبة، وهي تشعّ إيمانا، أو حكمة، أو عبرا، أو استشرافًا يشق الآفاق، فتطالعها أو تتحفّظها، أو تقيدها في خزانة الفوائد، وكأنك وقعت على كنز، أو أصبت درا، أو استثمرت في مشروع، فتختلط بك السعادة الغامرة..!

• ومن ذلك قول الإمام أحمد رحمه الله لولد الشافعي رحمه الله : " أبوك من الستة الذين أدعو لهم كل ليلة وقت السَحر". ذكرها أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله في صيده.

• ستة أشخاص فضلاء مؤثرين، جعلوا الإمام أحمد يخصهم بالدعاء، ويُخلصهم للسحر، وهو وقت إجابة، ومحل قبول وإنابة .

• وأحمدٌ قام هذا الليلَ وادخرا... دعاءَه الصدقَ للأعلامِ وابتدرا...ما غابَ عن ودهم يوما وما عثرت... تلك اليدانِ لمن للدينِ قد نَصَرا...!

• وحينما تتفكر فيها.. يَشُدك حس أحمد العاطفي ، والأخوي والإيماني ، والفضائلي والدعوي ..!

• فأما العاطفي : فانجذابه إلى الشافعي شيخه وصديقه، وعاطفته الجياشة في محبته وتوفيره وتوقيره .

• وأما الأخوي : فبينهما زمالة غالية، وإخوة نادرة، وتواضع متبادل، وشيم زاهرة ، ومن ذلك: قالوا للإمام الشافعي رحمه الله : نراك تزور الإمام أحمد ويزورك على الرغم من اختلافكما ، فرد الشافعي قائلا : قالوا يزورك أحمدٌ وتزوره.. قلت الفضائلُ لا تفارقُ منزلهْ./ إن زارني فبفضله أو زرته فلفضله .. والفضل في الحالين له...!

ومرض الشافعي فعاده الإمام أحمد ، ثم مرض أحمد فعاده الشافعي فقال أحمد : مرض الحبيبُ فعدتـــه .. فمرضت من حزني عليــهِ/ برئ الحبيـبُ فعادنــي .. فبرئت من نظري إليـــه...!

• وأما الإيماني : فهو يعتقد ويروي حديث (
« أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله» )، فيحب الصالحين تقربًا الى الله، وطمعا في زيادة الإيمان .

• وأما الفضائلي: فيدرك أن من دعا لأخيه بظهر الغيب نال الثواب الأكرم، والأجر الأتم ، جاء في صحيح مسلم رحمه الله عن أبي الدرداء رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (
«مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ : آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ » ). قال الإمام النووي رحمه الله : "وَكَانَ بَعْض السَّلَف إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُو لِنَفْسِهِ يَدْعُو لِأَخِيهِ الْمُسْلِم بِتِلْكَ الدَّعْوَة؛ لِأَنَّهَا تُسْتَجَاب، وَيَحْصُل لَهُ مثلها ".

• وأما العلمي: فيعرف هو قامة الشافعي العلمية، ومكانته الفقهية، ويفاخر، وأنه فقيه فذ وأصولي عبقري، أخذ عليه فقه الحديث وناسخ الحديث من منسوخه، وقال :( ما عرفنا فقه الحديث حتى جالسنا الشافعي ) . وقال فيه أيضا : ( ما مسَّ أحدٌ محبرةً ولا قلما ، إلا وللشافعي في عُنقه مِنّة ) .

• وامتدحه بالمقولة المشهورة، لما قال ابنه عبدالله متعجبا، قلت لأبي : يا أبة أيّ رجل كان الشافعي ،فإني أسمعك تكثر الدعاء له فقال :( يا بني كان الشافعى رحمه الله كالشمس للدنيا ، وكالعافية للناس فانظر هل لهذين من عِوضٍ أو خلَف )؟! .

• وحضّ الناسَ على علمه وتداركه قال الإمام إسحاق رحمه الله : لقيني أحمد بن حنبل بمكة، فقال : تعالَ حتى أريك رجلاً لم تر عيناكَ مثله . قال: فأقامني على الشافعي .

• ولُقب بناصر السنة وقال أحمد تاكيدا لذلك:( رحم الله الشافعي فقد كان يذبُّ عن الآثار ). وكتاباته في الرسالة والأم وأقواله تدل على هذه الشهادة رحم الله الجميع .

• ودرسُ هذه الموعظة أن لاننس الدعاء لإخواننا الصالحين، وعلمائنا المبتلَين، ومفكرينا البارزين ، ففي ذلك دعم لهم ومؤازرة، واجتذاب للثواب والفضل، فكم فيهم من مكروب مجهود، وكسير وأسير، وفقير مديون، ومريض محتاج ...!!

• ومن حقهم علينا: بذل الدعاء الصادق، والتحري به ساعات الإجابة ، كالسحر ويوم الجمعة وعند الإفطار والسفر ونزول الغيث وشبهها .

• وأما الدعوي: فبقاء مثل تلك الشخصية حصن للإسلام، وضمانة للدعوة ، لا سيما وقد عرُف الإمامُ بعقلهِ وفقهه، وجدله وحذقه، ونِظاره وانتصاره .

• وهو سنة نبوية فعلها صلى الله عليه وسلم مع بعض صحابته كعائشة رضي الله عنها كما في صحيح ابن حبان بسند حسن ، قالت:
«لَمَّا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طِيبَ نَفْسٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لِي. فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنَبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ، مَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ»، فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ حَتَّى سَقَطَ رَأْسُهَا فِي حِجْرِهَا مِنَ الضَّحِكِ، قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَسُرُّكِ دُعَائِي؟»، فَقَالَتْ: وَمَا لِي لَا يَسُرُّنِي دُعَاؤُكَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ إِنَّهَا لَدُعَائِي لِأُمَّتِي فِي كُلِّ صَلَاةٍ» » .

• فادعوا لإخوانكم وأحبابكم، وأحيوا هذه السنة شبه المهجورة، لا سيما لعلماء صادقين، ودعاة مضطهدين، وعباد مخلصين، تضررنا بفقدهم، أو فاتنا علمهم، أو وافتهم المنية قبل الذيوع والانتشار .

• وفي حياة كل مؤمن أو طالب علم وداعية شخص أو شخصيات فاعلة، انتشلتهم من براثن الضياع، أو وجهتهم الوجهة السليمة، والمشروع تذكرهم بدعوات صادقات في ساعات رغيبة ولحظات خصيبة ، والإشادة بهم وبمواقفهم ..!

• وإذا كنا مطالبين بالدعاء لهم وهم إخوة مجردون، فكيف بأخ صاحبِ جميل، أو عالمٍ له فضل جليل ..؟! والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ....!