حياة آدم على الأرض

ما ذكرناه عن آدم من قبلُ كان في السماء، علمًا بأن طينته من الأرض، وهذا إعداد مسبق له من الخالق الخبير العليم

  • التصنيفات: التاريخ والقصص -
حياة آدم على الأرض

ما ذكرناه عن آدم من قبلُ كان في السماء، علمًا بأن طينته من الأرض، وهذا إعداد مسبق له من الخالق الخبير العليم، ولو قيل: كيف عاش الإنسان في السماء؟ نقول: عُرج بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم حتى وصل إلى سدرة المنتهى تحت عرش الرحمن، فهذا الأمر تكفل به الله، وهو القادر على كل شيء، وسنبين معيشة آدم منذ لامست قدماه تربة الأرض، وهذا ما سنستخرجه من الأحاديث الشريفة وروايات الصحابة والتابعين ومَن عنده علم من أهل الكتاب؛ فالقُرْآن الكريم لم يذكر تفاصيل معيشة آدم على الأرض، إنما أعطى القُرْآن تصورًا عامًّا عن الحياة في الدنيا؛ {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأعراف: 24]، وقال تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 38، 39].

ولكن أين هبط آدم وزوجه؟ تعددت الأقوال في هذا؛ فالمروي عن ابن عباس أنه قال: "أُهبِط آدم عليه السلام إلى أرض يقال لها: "دحنا"، بين مكة والطائف"، وقال الحسن: "أهبط آدم عليه السلام بالهند، وحواء بجدة، وإبليس بدست ميسان من البصرة على أميال، وأهبطت الحية بأصبهان" وروى هذا ابن أبي حاتم أيضًا، وقال السدي: أهبط آدم بالهند، وعن ابن عمر قال: أهبط آدم بالصفا، وحواء بالمروة"، كان ذلك يوم الجمعة؛ ففي الحديث الذي أخرجه مسلم: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيرُ يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خُلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أُخرج منها»، وفي حديث آخر: «وفيه تقوم الساعة»، وعلى أية حال فليس فيما قيل قولٌ مبني على خبر صحيح، وإنما أخبار اعتمدت على مصادرَ مِن كتب أهل الكتاب، واجتهادات على بعض الآثار، والأحداث كلها تدور في بلاد العرب أو الهند، ولو قيل: كيف نزل آدم في مكان قفر صحراوي؟ فالجواب: أن أرضَ العرب - كما ورد في الأحاديث - كانت مُروجًا وأنهارًا، وعليه فقد وصل آدم إلى الأرض، والتقى مع حواءَ بعد جهد وبحث طويل، والتأم الشمل، وبدأ العمل لتأمين الحياة، وكان جبريل معلِّمًا له ولزوجه، كلما احتاجا شيئًا علمهما إياه، فعلَّم حواء أن تنسج من القطن ثوبًا لها ولآدم على سبيل المثال، وقيل: كان أول لباس لآدم من شعر الضأن، فنسج آدم له جبة، ولحواء درعًا وخمارًا - فالخمار للصلاة، ولا أظنه للحجاب؛ لأن كل المواليد ذكورًا وإناثًا هم أبناؤها - وكان أول طعام له من القمح؛ فقد جاءه جبريل عليه السلام بسبع حبات من الحنطة، وكانت كبيرة الحجم تتناسب مع حجم آدم، فأخذها آدم وزرعها، وبعد النضج حصدها ودرسها ثم طحنها وعجنها وخبزها، فأكل من عمل يده، وكان هذا وفق تعليم جبريل له، ومصداقًا لقول الله تعالى له: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه: 117]، وأصبَح كل شيء يريده يحتاج إلى العمل وبذل الجهد، وعلى الأرض أثمر زواجه بحواء، فكانت تلد في كل بطن توءَمين؛ صبيًّا وبنتًا، فوُلد قابيل وأخت له في بطن، ثم ولد هابيل وأخت له في بطن، ولما بلغ الأبناء الحُلُم، أمرهم آدم بزواج الولد من البطن الأولى بالبنت من البطن الثانية، وهكذا بدأت ذرية آدم بالزيادة، وهو نبي مرسل إلى أبنائه، إلى جانب أنه الأب والعامل لتأمين الرزق؛ فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال: «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا»، قال: قلت: يا رسول الله، كم المرسَل من ذلك؟ قال: «ثلاثمائة وثلاثة عشر جمًّا غفيرًا» - يعني كثيرًا طيبًا - قال: قلت: يا رسول الله، من كان أولهم؟ قال: ((آدم))، قلت: يا رسول الله، وآدم نبي مرسَل؟ قال: ((نَعم، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، ثم سواه قِبَلًا)) - أي: عيانًا".

 

قابيل وهابيل:

ترعرع أبناء آدم وشبُّوا في رعاية أبيهم، وبلغوا سن البلوغ، ولتحقيق مراد الله في الأرض وما قدره لها من سكنى البشر، فلا بد من عملية التزاوج بين هؤلاء الأبناء؛ ليستمر النسل بلا انقطاع، وما كان حلالًا للضرورة حرم بالتدريج مع زيادة النسل وتفرعه، ومع ذلك راعى المشرع في الزواج الأول البُعد ما أمكن، فقرر أن يتزوج غلام البطن الأولى من جارية البطن الثانية، وغلام البطن الثانية من جارية البطن الأولى، لكن هذه القاعدة لم تعجب قابيلَ الولد الأكبر، فإنه يريد الزواج من البنت التي كانت معه في بطن واحدة، وقد نصحه والده بالاستجابة لهذا الأمر، ولما عق وتمرد على الأمر، أمره والده حلًّا لهذا الإشكال أن يقرب كل منهما قربانًا، فامتثلا للأمر، فقرَّب قابيل حزمة من القمح، وكان صاحب زرع، وقرب هابيل كبشًا، فجاءت نار وأخذت الكبش؛ علامة قبول قربان هابيل، غير أن قابيل لم يرضَ بما حصل، فتوعَّد أخاه بالقتل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]، وترَكهما آدم على هذه الحالة، ولبَّى نداء ربه في زيارة بيت الله الحرام، واستوصى قابيل خيرًا بأخيه ريثما يعود، لكن قابيل خان العهد والأمانة، وترصَّد لأخيه، فأتاه وهو يرعى غنمه على غرة فشدخ رأسه بحجر، فأرداه قتيلًا: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 30]، ثم احتمله على ظهره ولم يدرِ ما يفعل به سنةً، إلى أن شاهد غرابين يقتتلان، فقتل أحدهما الآخر، فحفر له حفرة ودفنه فيها، وهنا اكتشف قابيل كم عانى من حمل أخيه ميتًا، ثم دفنه: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة: 31]، وقد ورَد أن هابيل كان أشد قوة من أخيه، لكنه تورَّع عن قتله، وأراده أن يحمل الوِزر على فعلته؛ فقال: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 28، 29]، وأصبح هابيلُ أولَ قتيل على ظهر الأرض من البشر؛ لهذا لم يعرِف قابيل عملية الدفن، وكيف تكون؟ فتعلَّمها مِن الغراب، وورد في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما مِن نفس تُقتل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأولِ كِفْلٌ منها».

 

على مثل هذه القصة يمكننا أن نعد المرأة هي السبب، فتارة اتهموها بإغواء آدم بالأكل من الشجرة فأخرجته من الجنة، وهنا كان الجمال الآسِرُ هو السبب في قتل الأخِ أخاه، ولكن هناك مسار آخر لهذه القصة بعيدًا عن النساء، وهو الحسد على التقوى والتديُّن؛ فقد تسابق الأخوان في تقديم القربان إلى الله ليعرف كل منهما منزلته من الله، فقدم كل واحد منهما قربانًا، فهابيل تمتَّع بالكرم والسخاء، فقدَّم أفضل غنمه وأسمنها وأحسنها؛ كبشًا أقرن، وقابيل قدم حزمة من أردأ زرعه مستهينًا برمزية القربان، فتقبَّل الله قربان هابيل؛ حيث بعث الله نارًا أخذته، وبقي قربان قابيل كما هو دليلًا على عدم الرضا عنه: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37]؛ فحسَد قابيل أخاه، كما حسد إبليس آدم، فتوعَّده بالقتل وقتَله.

وقد حزن آدم لما عاد من الحجاز على مقتل ابنه، كما حزنت حواء، ولم يخفِّفْ ألمهما بعد خمس سنين سوى ولادة حواء لغلام نجيب سماه والده شيثًا؛ أي: هبة الله، فخلف هابيل، ورُوي أن جبريل قال له: هذا هبة الله بدل هابيل، وإليه أوصى آدم بالعلم، وروي عن ابن إسحاق: أن آدم لما حضرته الوفاة دعا ابنه شيثًا فعهد إليه عهده، وعلمه ساعات الليل والنهار، وأعلمه عبادةَ الخَلق لله في كل ساعة من الليل والنهار، وأخبره بأمور مغيَّبة ستحصل، منها الطوفان، فكان وصيَّ آدم وخليفته من بعده، وقد أنزل الله عليه خمسين صحيفة، وإليه ينتسب بنو آدم؛ فقد انقطع نسل قابيل وباد، وسائرُ نسل إخوته، كما قيل.

 

مِن النص القُرْآني نستنبط أن هابيل وقابيل هما من بكور أبناء آدم، وأن من زعم أنهما من أحفاده أو من بني إسرائيل فقد جانَبَ الصواب؛ فالحديث صحيح صريح عندما حمل وزر القتل ظلمًا إلى ابن آدم الأول - وقد مر - وعليه فصراع الخير والشر والتمرد على التعاليم الشرعية قد ظهر منذ العصر الأول مع الإنسان، ولم يُستثنَ مِن هذا القدر ابنا آدم، بل خضعا للامتحان الذي يجري على كل البشر.

 

وفاة أبي البشر آدم:

وحضر أجلُ آدم، فتوفَّاه الله عند تمام الألف سنة كما ورد، وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خلق الله آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا له، فجلس فعطس، فقال: الحمد لله، فقال له ربه: يرحمك ربك، ائتِ أولئك الملأ من الملائكة، فقل لهم: السلام عليكم، فأتاهم فقال لهم: السلام عليكم، فقالوا له: وعليك السلام ورحمة الله، ثم رجع إلى ربه فقال له: هذه تحيتك وتحية ذريتك بينهم، ثم قبض له يديه، وقال له: خذ واختر، قال: اخترت يمين ربي، وكلتا يديه يمين، ففتحها له، فإذا فيها صورة آدم وذريته كلهم، فإذا كل رجل مكتوب عنده أجله، وإذا آدم قد كتب له ألف سنة، وإذا قوم عليهم النور، فقال: يا رب، من هؤلاء الذين عليهم النور؟ فقال: هؤلاء الأنبياء والرسل الذين أرسلوا إلى عبادي، وإذا فيهم رجل هو أضوؤهم نورًا، ولم يكتب له من العمر إلا أربعون سنة، فقال: يا رب، ما بال هذا من أضوئهم نورًا، ولم يكتب له من العمر إلا أربعون سنة؟ فقال: ذاك ما كتب له، فقال: يا رب، انقص له من عمري ستين سنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما أسكنه الله الجنة ثم أهبط إلى الأرض كان يعد أيامه، فلما أتاه ملك الموت ليقبضه، قال له آدم: عجِلْتَ يا ملك الموت، فقال: ما فعلت، فقال: قد بقي من عمري ستون سنة، فقال له ملك الموت: ما بقى من عمرك شيء، قد سألت ربك أن يكتبه لابنك داود، فقال: ما فعلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنسي آدم فنسيَتْ ذريته، وجحد آدم فجحدَتْ ذريته، فيومئذ وضَع الله الكتاب، وأمر بالشهود»، وفي رواية: «وأقام عليه الملائكة شهودًا، فأكمل لآدم ألف سنة، وأكمل لداود مائة سنة».

 

وقد ورَد في الأثر: أن آدمَ لما توفي غسَلَتْه الملائكة بالماء وِترًا، وألحدوا له، وقالت: ((هذه سنَّة آدم في ولده))، وورد أنه دفن بمكة في غار أبي قُبَيْسٍ، وهو غار يقال له: غار الكنز.

 

وتُوفِّيت حواء بعد آدم بسنة، وروي أنها حملت عشرين بطنًا، وفي كل بطن ذكر وأنثى.