تنبيه الصاحب والصديق إلى فضائل يوم عرفة والعيد وأيام التشريق

أيها الأخ والصاحب والصديق، هذا تنبيه لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى فضائل يوم عرفة ويوم العيد وأيام التشريق.

  • التصنيفات: العشر من ذي الحجة -
تنبيه الصاحب والصديق إلى فضائل يوم عرفة والعيد وأيام التشريق

أيها الأخ والصاحب والصديق، هذا تنبيه لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى فضائل يوم عرفة ويوم العيد وأيام التشريق.

 

فـنحن مازلنا في هذه الأيام المباركات، الأيام الفاضلات، الأيام التي قَالَ عنها رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ»، فَقَالُوا: (يَا رَسُولَ اللهِ! وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟!) قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ». (ت) (757)، (خ) (926)، (د) (2438)، (جة) (1727)، (حم) (1968).

 

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله -تعالى- عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ». (حم) (6154)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: (1248)

أكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد، يعني أكثروا فيهن من قول لا إله إلا الله، والحمد لله، والله أكبر.

 

هذه الأيام فيها يوم عرفة، وهو الـيوم التاسع من ذي الحجة، وفيه تظهر حقارة الشيطان الرجيم وصغاره، فقد ثبت عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ -رضي الله تعالى عنه-؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا، هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَغْيَظُ، مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلاَّ مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ»، قِيلَ: (وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟!) قَالَ: ("أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلاَئِكَةَ"). (ط) (1269).

 

عرفة فيه أن صيام يومه يكفر ذنوبا كثيرة، وذنوبا عظيمة، ثبت عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ». (ت) (749)، (م) (196) - (1162)، (د) (2425)، (حم) (22674).

 

يوم عرفة فيه مباهاة الله سبحانه وتعالى ملائكته الكرام، بحجاج بيت الله الحرام، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى هذا الثقفي الذي جاء يسأل عن الحج، وهو حديث طويل نأخذ منه فضل يوم عرفة، فقال: «... وَأَمَّا وُقُوفُكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَإِنَّ اللهَ تعالى يَهْبِطُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي، جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي وَمَغْفِرَتِي، فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكُمْ عَدَدَ الرَّمْلِ، أَوْ كَزَبَدِ الْبَحْرِ لَغَفَرْتُهَا، أَفِيضُوا عِبَادِي مَغْفُورًا لَكُمْ وَلِمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ...»، وهو جزء من حديث طويل. (طب) في الأحاديث الطوال، حديث رقم: (61)،صَحِيح الْجَامِع: (1360)، (1868)، (5596)، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: (1106)، (1112).

فأهل عرفة على عرفة مغفور لهم، ولمن دعوا له وشفعوا له.

 

وسمي عرف بعرفة لما ثبت عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (هَلْ تَدْرِي لِمَ سُمِّيَتْ عَرَفَةَ؟!) قُلْتُ: (لَا!) قَالَ: (إِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِإِبْرَاهِيمَ: هَلْ عَرَفْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ!) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (فَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَتْ عَرَفَةَ). (حم) (2707)، (طل) (2697)، (طب) (ج10/ ص268 ح10628)، (هب) (4077)، وصححه أحمد شاكر.

 

جبريل يسأل إبراهيم عليه السلام على المناسك هل عرفت؟

وآخرها عند عرفة، فلما قال نعم إبراهيم عليه السلام، فمن ثم سميت عرفة.

وعرفة المكان هو جبلُ نَعْمان، وهو جبل اسمه جبل نعمان، ومعروف اليوم بجبل الرحمة، فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله -تعالى- عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَخَذَ اللهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ -يَعْنِي عَرَفَةَ- فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قُبُلًا فَقَالَ»: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟! قَالُوا: بَلَى شَهِدْنَا، أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا: إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ، أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}. (حم) (2455)، (ن) (11191)، (ك) (75)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (1701)، الصحيحة: (1623).

فعلى عرفة أخذ الله على بني آدم ونحن منهم العهد والميثاق أن لا رب إلا الله، ولا إله إلا هو سبحانه وتعالى.

 

وعرفةُ الزمان، وهو التاسع من ذي الحجة من كل عام، يعتبر يومُه عيدا من أعياد المسلمين، فعَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما -قوله سبحانه وتعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا} وَعِنْدَهُ يَهُودِيٌّ، -يهودي جالس يسمع لقراءة ابن عباس-، فَقَالَ -اليهودي-: (لَوْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ عَلَيْنَا لَاتَّخَذْنَا يَوْمَهَا عِيدًا)، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فِي يَوْمِ جُمْعَةٍ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ). (ت) (3044)، انظر المشكاة: (1368).

 

فيوم عرفة مخصوص بإجابة الدعوات، للحجاج خاصة ولمن على وجه الأرض عامة-، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ». (ت) (3585)، (ط) (500)، (عب) (8125)، (هق) (8174)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (3274)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (1536).

 

فماذا ندعو وماذا نقول مساء يوم عرفة؟ عَنْ عَلِيٍّ -ابن أبي طالب- رضي الله -تعالى- عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ قَبْلِي عَشِيَّةَ عَرَفَةَ» -العشيُّ من بعد الظهر إلى غروب الشمس، ومن بعد غروب الشمس يبدأ العشاء إلى طلوع الفجر، أفضل ما قلت أنا والنبيون من بعدي عشية عرفة-: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ». (الطبراني في الدعاء) (ج1 ص273 ح874)، انظر الصَّحِيحَة: (1503).

 

والله -سبحانه وتعالى- سمى يوم عرفة يوماً مشهوداً، يشهده حجاج بيت الله الحرام، وتشهده الملائكة الكرام، فقال سبحانه: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ* وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: 1 - 3]، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ». (ت) (3339)، (حم) (7959)، وحسنه الألباني في الصحيحة تحت حديث: (1502)، وهداية الرواة: (1311).

{الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ} : يَوْمُ الْقِيَامَةِ)؛ لِأَنَّ اللهَ وَعَدَ بِهِ النَّاسَ.

{وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ}: يَوْمُ عَرَفَةَ)، أَيْ: أَنَّ النَّاسَ يَشْهَدُونَهُ، أَيْ: يَحْضُرُونَهُ وَيَجْتَمِعُونَ فِيهِ.

{وَالشَّاهِدُ }: يَوْمُ الْجُمُعَةِ)، أَيْ: يَشْهَدُ لِمَنْ حَضَرَ صَلَاتَهُ. تحفة الأحوذي (8/ 219).

 

ومن فجر يوم عرفة، نبدأ بذكر لله المقيَّد، وفي هذه الأيام نذكر الله ذكرا مطلقا، سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، قل ما شئت من ذكر الله في هذه الأيام، أكثر من الصلاة والسلام على رسول الله في هذه الأيام، اقرأ القرآن في هذه الأيام ذكر مطلق، أما الذكر المقيد فنبدأ به في فجر يوم عرفة، وهو الذي ينتهي بآخر أيام التشريق، فعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قال: (كَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه يُكَبِّرُ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَيُكَبِّرُ بَعْدَ الْعَصْرِ). (ش) (5631)، (ك) (1114)، (هق) (6070)، وصححه الألباني في الإرواء تحت حديث: (653).

 

ومن هنا يبدأ الذكر المقيّد، الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، من يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق.

 

ومن هذا الذكر الذي حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ -أي في الذكر المقيد، أيام العيد وما بعدها-: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَعَزَّ جُنْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، فلَا شَيْءَ بَعْدَهُ». (خ) (3888)، (م) 77- (2724)، (حم) (8053).

 

ففي الذكر المقيد نذكر هذه الكلمات الطيبات، وهذا التوحيد لله عز وجل، وذاك التكبير الله أكبر نكررها ثلاثا ونختمها بلا إله إلا الله، والله أكبر نقولها مرتين ثم نختمها ولله الحمد، كذلك ("لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ، أَعَزَّ جُنْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، فلَا شَيْءَ بَعْدَهُ").

 

وبعد يوم عرفة يكون يومُ النحر، وهو يوم الأضحى، وهو يوم الحج الأكبر، فَعَنْ مُرَّةَ الطَّيِّبِ قَالَ: (حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غُرْفَتِي هَذِهِ -حَسِبْتُ-) قَالَ: (خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مُخَضْرَمَةٍ)، فَقَالَ: «هَذَا يَوْمُ النَّحْرِ، وَهَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ». ( (حم) (15927)، (ش) (37166)، (جة) (3057)، (ن) (4099)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح. وانظر (خ) (1742).

 

إنها أيام للمسلمين عامة، يوم عرفة، وأيام التشريق، ويوم العيد، وصوم رمضان وعيد الفطر، هذه الأيام لا ينبغي القيام بها فرادى؛ بل مع الناس، مع الجماعة، ولو أخطأ الجميع، فخطؤهم معفوٌّ عنه مغفور لهم، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ». (عب) (7304)، (قط) ج2/ ص164/ ح34، (ت) (697)، (802)، (د) (2324)، (جة) (1660)، (هق) (9610)، انظر صَحِيحُ الْجَامِع: (3807)، الصحيحة: (224)، الإرواء: (905).

 

("وَعَرَفَةُ يَوْمَ تُعَرِّفُونَ"). الشافعي في الأم (1/ 230)، (هق) (9610)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (4224).

("وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ"). (عب) (7304)، (د) (2324)، (ت) (697)، (جة) (1660)، (قط) ج2/ ص163 ح31، (هق) (7997).

 

هكذا قال صلى الله عليه وسلم في أكثر من رواية وأكثر من حديث، فلا ينبغي أن يصوم وحده، ولا ينبغي أن يفطر وحده إلا مع الناس، ويوم عرفة كل الناس تجتمع عليه إن شاء الله، فلو أن أحدهم صعد عرفة قبل ذاك اليوم بيوم أو بعده بيوم لا يقبل منه عند الله، ولو كان هو مصيب وغيره مخطئ، فالخطأ مع الجماعة مغفور له، أما الانفراد والتفرق فلا ينبغي يا عباد الله.

 

• قَالَ أَبُو عِيسَى -الترمذي رحمه الله-: فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا أَنَّ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَعُظْمِ النَّاسِ. اِنْتَهَى، يَعْنِي هُوَ عِنْد الله مَقْبُول.

 

وهي أيام عيدٍ، ففيها الأكل والشرب والترويح عن النفس، فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ». (ت) (773)، (س) (3004)، (د) (2419)، (حم) (17417).

فصَوْمَ يَوْمِ عرفة مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ، مَكْرُوهٌ لِمَنْ كَانَ بِعَرَفَاتٍ حَاجًّا.

 

ويُسْتَحَبُّ فِي يَوْمِ الْعِيدِ الْغُسْل، فَعَنْ زَاذَانَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا رضي الله -تعالى- عنه عَنِ الْغُسْلِ؟ قَالَ: (اغْتَسِلْ كُلَّ يَوْمٍ إِنْ شِئْتَ)، فَقَالَ: (لَا! الْغُسْلُ الَّذِي هُوَ الْغُسْلُ؟) -أي الذي يترتب عليه ثواب وعبادة- قَالَ: (يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ، وَيَوْمَ النَّحْرِ، وَيَوْمَ الْفِطْرِ). (هق) (5919)، وصححه الألباني في الإرواء تحت حديث: (146).

• أَيْ: إنما أسألك الذي في إصابته الفضل.- انظر شرح معاني الآثار (ج1 ص120).

 

ومن السنةِ لُبْسُ أَحْسَنِ الثِّيَابِ وأجملها يَوْمَ الْعِيد، لما ثبت عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَلْبَسُ يَوْمَ الْعِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ). (طس) (7609)، انظر الصَّحِيحَة: (1279).

(البْرُدُ والبُرْدة): الشَّمْلَةُ المخطَّطة، وقيل: كِساء أسود مُرَبَّع.

 

وعند الخروج لصلاة عيد الأضحى من السنة ألا نأكل شيئا، لا نأكل إلا بعد صلاة العيد، وبعد الرجوع فنأكل من كبدِ الأضحية، لمن يسر الله له أن يضحي، فَعَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأكُلَ، وَكَانَ لَا يَأكُلُ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى يَرْجِعَ). (جة) (1756)، (حم) (23033).

 

وفي رواية: (حَتَّى يُصَلِّيَ). (ت) (542)، وفي رواية: (حَتَّى يَذْبَحَ). (حم) (23092)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (4845)، المشكاة: (1440)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.

فنؤجل الأكل يوم العيد صباحاً إلى ما بعد الذبح.

 

ومن السنة اَلذَّهَابُ مَشْيًا إِلَى صَلَاةِ الْعِيد للمستطيع، فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا، وَيَرْجِعُ مَاشِيًا). (جة) (1295).

 

أما اَلتَّهْنِئَةُ بِالْعِيدِ؛ فنقول ما كان يهنئ به الصحابة رضي الله عنهم بعضهم بعضا إذا التقوا يوم عيد، عن جُبَير بن نفير قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: (تقبَّل الله منا ومنك). رواه المحاملي في (كتاب صلاة العيدين) (2/ 129/ 2)، وصححه الألباني في تمام المنة (ص: 355).

 

وبهذا يكون الإنسان على معرفة في هذه الأمور، ويكون الإنسان الذي أراد أ يضحي قد أمسك عن شعره وعن أظافره إلى يوم الأضحى، حتى يكون مستجيباً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من أظافره شيئا".

 

وليتق الله كل منا في الأضحية؛ أن تكون خاليةً من العيوب، وأن تكون فيها الشروط المعتبرة شرعا حتى تقبل عند الله.

والتضحية يا عباد الله! هذه عنك وعن أولادك، كما ضحى إبراهيم عن إسماعيل عليه السلام.

التضحية فيها ذكرٌ لله، وفيها عبادة لله، والأضحية فيها التضحية عن الأولاد ووضع البركة فيهم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الآخرة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

يوم عرفة ويوم العيد، وأيام التشريق الثلاثة بعد العيد، أما أيام التشريق، فهناك [لستة أيام متوالية من أيام ذي الحجة أسماء، -أي لكل منها له اسمه الخاص-، فاليوم الثامن -من ذي الحجة-: يوم التروية، -يكون الناس فيه في منى،- واليوم التاسع: عرفة، والعاشر: النحر، والحادي عشر -ثاني يوم العيد اسمه يوم-: القَرّ -بفتح القاف وتشديد الراء-؛ لأنهم يقِرُّون -ويستقرون- فيه بمنى، -وسمي يوم الرؤوس أيضًا؛ لأن الناس يأكلون فيه رؤوس ذبائحهم التي ذبحت يوم النحر، فتبقى الرؤوس بعد أول يوم فيأكلونها-، والثاني عشر: يوم النفر الأول، -بعد الرجم ينفرون، ويذهبون إن شاءوا فيتعجلون في يومين، ويقال له: يوم الأكارع، يعني ينتهي اللحم وتنتهي الرؤوس وتبقى بقايا من الذبائح فيأكلونها،- والثالث عشر: النفر الثاني... -أو يسمى يوم النفر الأخير، ينفرون إلى ديارهم.

 

وأيام التشريق هي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، أولها اليوم الحادي عشر من ذي الحجة، وسميت هذه الأيام أيام التشريق لكثرة تشريق اللحم في الشمس فيها -على الصخور الساخنة-، بعد تقطيعه وتقديده... -حتى تحفظ لعام كامل، فسميت هذه الأيام بأيام التشريق-]. انظر مرعاة المفاتيح (9/ 18)، (9/ 288).

 

لذلك ما دام فيها تشريق وفيها لحم، فـلا يجوز صيام هذه الأيام لا يوم العيد الفطر أو الأضحى، ولا الأيام الثلاثة التي بعد العيد، ولو نذر إنسان صوم يوم الثلاثاء أو الأربعاء فكان عيدا أو أيام التشريق لا يجوز الوفاء به، صوم يوم أربعاء آخر أو ثلاثاء آخر، لما ثبت من النهي عن صيامها، فَعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ رضي الله عنه أَنْ يَرْكَبَ رَاحِلَتَهُ أَيَّامَ مِنًى فَيَصِيحَ فِي النَّاسِ) -أي يقول بأعلى صوته.- (ن) (2880)، (حم) (10674)، (طح) (4116)، وصححه الألباني في الإرواء تحت حديث: (963)، (أَنْ لَا تَصُومُوا هَذِهِ الْأَيَّامَ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللهِ عزَّ وجل). (حم) (10674)، (7134)، (جة) (1719)، (ن) (2875)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (7355)، الصَّحِيحَة: (3573)، وقال الأرناؤوط: صحيح.

 

وَعَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ». (م) 144- (1141)، (س) (4230)، (د) (2813)، (حم) (20741).

 

أما آخِرُ وَقْتِ الْأُضْحِيَّة فهو آخر أيام التشريق، نذبح يوم العيد بعد الصلاة، وثاني يوم مسموح، وثالث يوم ورابع يوم، يعني من الثلاثاء القادم إلى عصر يوم الجمعة، فإذا غربت شمس يوم الجمعة انتهى الذبح، ويبدأ الذبح بانتهاء الصلاة، فَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ». (حم) (16798)، (حب) (3854)، (هق) (19025)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (4537)، والصَّحِيحَة: (2476).

 

لكنَّ أفضل الأيام أوّلها، وهو يوم العيد ويليه في الفضل اليوم الثاني، وهذه الذبيحة تقدمها لله عز وجل، يكون لك الأجر أكثر من وزنها حسنات عند الله، وأكثر من شعرها وصوفها درجات وحسنات عند الله سبحانه وتعالى، هذا لمن استطاع، وإلا من حالت دونه قلةُ المادة، وقلة ذات اليد، فقير لا يستطيع أن يضحي، هذا ضحى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، عندما جاء بكبشين يوم العيد فذبح أحدهما فقال: بسم الله الله أكبر، هذا عني وعن أهل بيتي، ثم ذبح الآخر فقال: بسم الله الله أكبر، هذا عن من لم يضح من أمتي، كما ثبت عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: (ذَبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الذَّبْحِ كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مُوجَأَيْنِ، فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا قَالَ: "إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ بِاسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ"، ثُمَّ ذَبَحَ). (د) (2795)، (جة) (3121)، (حم) (15022)، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده محتمل للتحسين، (خز) (2899)، قال الأعظمي: إسناده صحيح، ورجع الألباني إلى تصحيحه في إرواء الغليل (4/ 349) ح (1138).

 

فهذه الأمة قد ضحى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لا تهملوا ذلك يا عباد الله! واستنوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واهتدوا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأكثروا من ذكر ربكم سبحانه وتعالى، وادعو الله مخلصين له، وصلوا على نبيكم، كما أمر سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].