المرأة في القرآن الكريم

اهتمت الشريعة الإسلامية اهتماماً بالمرأة، وبمكانتها في المجتمع، منذ ميلادها وحتى وفاتها، بل وبعد وفاتها، حيث الجزاء ثواباً وعقاباً حسب عملها.

  • التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة - أحكام النساء -

اهتمت الشريعة الإسلامية اهتماماً بالمرأة، وبمكانتها في المجتمع، منذ ميلادها وحتى وفاتها، بل وبعد وفاتها، حيث الجزاء ثواباً وعقاباً حسب عملها. فقد عرض القرآن الكريم الكثير من شؤون المرأة، فيما يزيد على عشر سور من القرآن الكريم، منها سورتان عرفت إحداهما بسورة (النساء الكبرى) وعرفت الأخرى بسورة (النساء الصغرى) وهي (سورة الطلاق)، كما نزلت (سورة مريم) تحمل اسم امرأة طاهرة اصطفاها الله تعالى على نساء العالمين، كما ذكرت مريم في أكثر من ثلاثين موقعاً في القرآن الكريم. كذلك عرض للمرأة في سور: البقرة، والنور، والأحزاب، والمجادلة، والممتحنة، والتحريم[1].

 

وبعد امتهان المرأة في المجتمع العربي وبعض المجتمعات الأخرى، حيث كانت غير مرغوب فيها، نزل القرآن الكريم بآياته الشريفة ليكرم المرأة في كل موقف من مواقف حياتها. فيستنكر القرآن الكريم وأد أهل الجهالة الوليدة البريئة بقوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8، 9]. ويصف تعالى وضع الأب إذا بُشر بالأنثى مولوداً له، فيقول: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58، 59] كذلك منع وأد الاولاد ذكورا وإناثاً، خشية الفقر أو من الفقر، في قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151][2].

 

ويقول تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء: 31]. لذا، فقد أنصفت الشريعة الإسلامية المرأة في أمور كثيرة في القرآن الكريم، بعد منحها حق الحياة منها المساواة بين الرجل والمرأة في الثواب والعقاب:

ساوى الله جل وعلا بين الذكر والأنثى في العمل والجزاء، هذا المجتمع الذي كان يفضل الرجل على المرأة- أيما تفضيل- وجعل سبحانه وتعالى التقوى مقياس الجزاء؛ يقول جل وعلا للبشر كافة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].

 

ولأن الرجل والمرأة خلقا من نفس واحدة، فقد جعل الله التقوى هي مقياس التفاضل، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. لذا فقد بشر الله تعالى المؤمنين، الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض ويدعون الله، بالغفران والوقاية من النار، ويأتيهم ما وعدهم على لسان رسله بقوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 195].

 

وقد عقب الإمام الأكبر محمود شلتوت رحمه الله على هذه الآية بقوله: (وليقف المتأمل عند هذا التعبير الإلهي {... بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ...} [آل عمران: 195].

 

ليعرف كيف سما القرآن بالمرأة حتى جعلها بعضاً من الرجل، وكيف حد من طغيان الرجل فجعله بعضاً من المرأة، وليس في الإمكان ما يؤدي به معنى المساواة أوضح ولا أسهل من هذه الكلمة التي تفيض بها طبيعة الرجل والمرأة[3].

 

فالحياة لا تستقيم إلا بتكاتف الرجل والمرأة معاً، كل في دائرة اختصاصه، وكل يكمل بعضه بعضاً[4].

 

ويؤكد هذا المعنى قول الله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124].

 

كما قال جل وعلا في شأن المؤمنين جميعاً: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71] كما أعقبها بقوله {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 72].

 

وفي سورة الأحزاب يساوي الله جل وعلا بين المرأة والرجل في الأجر والثواب بقوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35][5].

 

أما المنافقون والمنافقات، فقد جزاهم الله تعالى جزاء واحداً وحاسبهم حساباً واحداً يقول تعالى:

{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [التوبة: 67، 68].

 

ويقول أيضاً عن جزاء الذكر والأنثى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر: 40].

 

لذلك فقد جعل الله تعالى أجر المرأة منفصلا عن زوجها حتى ولو كانت زوجة نبي أو زوجة كافر لذا يقول تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم: 10، 11].

 

وبذلك كان لكل من المرأة والرجل حساب خاص حسب عمله، وهذا تكريم عظيم للمرأة. لذلك كان لإيمان الرجل والمرأة نور يوم القيامة، يقول تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الحديد: 12].

 


[1] تفسير ابن كثير عند سورة مريم في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ... (16) (مريم)، وأيضاً ما ذكره الإمام محمود شلتوت في كتابه: الإسلام عقيدة وشريعة. القاهرة دار الشروق، 1988 م، 1408 هـ ص 218 (عن عناية الإسلام بالمرأة، ومكانتها في الإسلام لم تحظ أي امرأة بهذه المكانة في أي تشريع سابق أو لاحق على الإسلام برغم ما يزعمه البعض من أن الإسلام اهتضم حقوق المرأة، وهذا زعم باطل).

[2] انظر: المرأة بين الإسلام والشرائع والمنظمات الدولية الأخرى ص 47، 48.

[3] محمود شلتوت (الإمام): الإسلام عقيدة وشريعة ص 224.

[4] الباحثة (د. سامية منيسي).

[5] نزلت هذه الآية (35 من الأحزاب) ردًّا على سؤال أم عمارة الأنصارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ما أرى كل شيء إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن بشيء فكان رد الله جل وعلا عليها تكريماً للنساء جميعا (الباحثة).

___________________________________________
الكاتب: د. سامية منيسي