التخطيط والسعي

حسين عبد الرازق

الشخصُ الذي تُعجَبُ به في أي بابٍ يُشبه البناء الجميل الـمُكتمل، يراه الناس وقتَ اكتماله. لم يروا مُقدماته ولا أساسَه، وكذلك لم يروا منظرَه ولا نقصه قبل أن يكتمل. أو يُشبه الجبال الرواسي ترى أعلاها ولا ترى أسفلها مع أنَّه هو الأصل والأساس

  • التصنيفات: تزكية النفس -

الشخصُ الذي تُعجَبُ به في أي بابٍ يُشبه البناء الجميل الـمُكتمل، يراه الناس وقتَ اكتماله. لم يروا مُقدماته ولا أساسَه، وكذلك لم يروا منظرَه ولا نقصه قبل أن يكتمل. أو يُشبه الجبال الرواسي ترى أعلاها ولا ترى أسفلها مع أنَّه هو الأصل والأساس، فهكذا: خلف كلّ فالحٍ قلبٌ يرجو ويطلبُ وجوارحُ تسعى وتعملُ، ونقصٌ، وإخفاق(1)، لكنّه -فقط- لم يتعجَّل الاكتمال، ولم تُعجزْه الإخفاقات، وصبرَ، وبقِي يحاول، ويبني صرحَه حجرًا على حجر، ويمشي خطوة خطوة، يسقط فينفُض التراب وينهض من جديد ويواصِل السعي ... حتى وصل إلى الحال الذي أعجبك ...


نفسُ ذلك الشخص الذي تُعجَب به وترجو أن تكون مثلَه لو كنتَ رأيت بداياته لم يكن ليثيرَ اهتمامك ... تمامًا كهذا البناء الجميل وقت إعداده قبل اكتماله ... فحينما ترى أُمًا ربَّتْ صالحين وصالحات، أو ترى بطلًا رياضيًّا، أو طالبَ علم متميّزًا، أو مهندسًا ناجحًا، أو شخصًا مُتقنًا للغة أجنبيّة، أو حافظَ قرآن ماهرًا به يتلوه كلّه من صدره كما تتلو الفاتحة.

تقول: أريد أن أكون مثلَه، فلا بد أن تستحضر السبيل الذي سلكه لتعرف: كيف صار ولماذا، فتتطلبه وتسعى فيه وتصبر، ولكنّ كثيرًا من الناس يريد أن يكون مكان البطل وقت الـمَغنَم/استلام الجائزة، دون أن يسلُك طريقه الشاقّة إلى تلك البطولة! وهذا لن يكون، ولو كان= لَما بقيَ للنجاح طعمٌ، ولا فَرحةٌ؛ فإنَّ التعب والبذل في الإعداد، هو سِرُّ الفرح عند التتويج والجزاء، وممَّا لا ينقضي منه عجبي أن أرى كثيرًا من الناس يطلبون مطالب عالية ويريدون وصفةً سحرية توصِل إليها دون تعب أو تخطيط أو سعي! وهذا ممَّا يُتاجر به النّصابون في كل مجالٍ ولا يصطادون إلَّا ذلك الطّماع الذي يريد شيئًا لم يدفع ثمنه؛ فيكون جزاؤه: أن يخسر ما يملك ولا يُحصِّل ما يُريد وما ظلمه الله.


****
(1)[الإخفاق: ألا تُحصّل ما تطلب، وفي الحديث: «وما من غازيةٍ أو سرية تخفق وتصاب إلَّا تم أجورهم»، ومعنى الإخفاق هنا: أن يغزوا فلا يغنموا شيئًا، وكذلك كلُّ طالبٍ حاجة لم يظفر بحاجته فقد أخفق، ومنه: أخفق الصائد، إذا لم يقع له صيد، ولفظ الإخفاق في هذا المعنى هو الصواب وليس لفظَ «الفشل»]. والمرادُ هنا: بيانُ أن من انتهى به سعيُه إلى الفلاح في بابٍ فإنه قد يقع منه إخفاقٌ في كثير ممَّا يطلب.