الترفيه بالعنف عنوان القرن الواحد والعشرين

في الحقيقة لا غرابة في ذلك حينما نرى الآخرين يقومون بأشياء غريبة من أجل التسلية؟ في ظنهم أن ما يقومون به قمة المتعة!

  • التصنيفات: قضايا الشباب - الواقع المعاصر -

ما هو أسوء شيء فعلته من أجل التسلية؟

سؤال غريب أليس كذلك؟

في الحقيقة لا غرابة في ذلك حينما نرى الآخرين يقومون بأشياء غريبة من أجل التسلية؟ في ظنهم أن ما يقومون به قمة المتعة!

 

في الواقع شاهدت وعاصرت أشياءَ فظيعة من أجل التسلية، وجدت أطفالًا في الحي القريب منا يحرقون جروًا وأمَّها وهم على قيد الحياة! الأفظع من ذلك أنهم يضحكون وهم يشاهدون هذا المنظر؟

 

وغالبيتهم أطفال يدرسون في صفوف متقدمة في المدرسة؟ في حين رأيت طفلًا من أطفال البادية قد يكون أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، ولا أمسك بقلم، رأيته يمسح على رأس حماره ويحمل "سخلة" في أحضانه وهو يعتني بها!

 

لا تقل لي بالله عليك وكيف تقارن الجرو بالسخلة؟

أو كيف تقارن الطفل البدوي بالطفل المتعلم؟

 

أقول لك: إن هؤلاء الأطفال - أطفال المدارس - يقفزون على سخلة ويحاولون امتطاءها وهي تصرخ فزعة، ولا أحد يهتم بها؟

 

أين التسلية في هذه الأمور البشعة غير الإنسانية؟

 

يقفز آخر ويقول: يا أخي نحن عرب متخلفون!

 

وللرد عليه دعني أخبرك بهذه القصة أولًا التي تبيِّن تغيُّرَ مفهوم التسلية في عصرنا الحاضر لشيء آخر لا يشبه التسلية ولا يمت لها بصلة!

يخبرنا المدون (Sean Kerner) وهو من أشهر المدونين في منصة (Quora) أنه في عام 1896 في مدينة "crush" بولاية تكساس الأمريكية.

 

شعر أحد الأشخاص بملل فقرَّر بعمل أمر خطير ومجنون للغاية، قام بعمل برنامج جماهيري كبير تجمع على أثره أكثر من 40,000 متفرج، والحدث هو عبارة عن قطارين حقيقين يتصادمان بطريقة كما نسميها في السودان (سلام الملوك) أي وجهًا لوجه!

 

أمر عجيب أليس كذلك؟

ثم أمرهم بالابتعاد عن هذا التصادم على بعد 120 مترًا فقط!

 

لو كنت عزيز القارئ خبيرًا في الفيزياء، لعلمت خطأ هذا الرجل، وأنه لم يراعِ حياة هذه الحشود، في تلك المسافة الآمنة من خطر هذا التصادم، لا يهم أليس الأمر من أجل التسلية والمرح فقط، Just have fun!

 

وضع القطارين وجهًا لوجه على بعد بضعة أميال من بعضهما البعض، وتم تشغيل القطارين بكل طاقتهما القصوى، ولك أن تتخيل ما حدث، اصطدم القطارين بصورة مروعة جدًّا، وغير متوقعة، وفي هذه اللحظة ارتفعت شظايا الارتطام وحطامه لمسافة غير بعيدة في السماء، ثم وقعت هذه الشظايا على الجماهير، فأمطرتهم كالحجارة من سجيل!

 

فأحدثت إصابات بالغة وقُتل على أثرها شخصين، بل اقْتُلِعت عين آخر!

 

هل اكتفت الجماهير بهذا الأمر، لا طبعًا للقصة بقية، قام بعض الناس بمحاولة أخذ تذكار لهذه الترفيه المدهش والرائع بمحاولة ملامسة الشظايا وهي محمَّاة بالنار، فأدى ذلك إلى حدوث حروق بالغة، لا تنسى أن القطار يصنع من الفولاذ!

 

هذا هو العالم المتحضر لا فرق فيه بين عربي وأعجمي ولا متعلم أو متخلف.

 

إذًا علاما يقتل الرجل أخاه؟ هل من أجل التسلية والمرح والترفيه أيضًا.

 

إن ما شد انتباهي كثيرًا في عصرنا الحاضر تغير مفهوم التسلية والمرح لشيء سيئ بالغ في القسوة، فكلما زاد العنف، زاد المرح والفرح في قانون هذا العصر، يكفي حين نأخذ جولة على الأعلام، فإذا فتحت شاشة التلفاز تجد كل أخبار القتل والتشريد والضياع؛ مما يؤثر على نفسيتنا، فنجدنا متسمرين ومدمنين لأخبار الحروب والقتل، فلا نتأثر ولا يرمش لنا جفن، كأن الأمر أصبح مسليًا بلا شك.

 

وفي جانب آخر نجد ألعاب الأطفال عبارة عن "اقتل أكثر تكسب أكثر"، فكلما تقتل أكثر تكسب أكثر، وتزداد درجاتك في اللعبة، ونجدهم يفرحون لقتل أكبر عددٍ من الناس في اللعبة! بل تجد اللعبة تقوم بعمل إحصائية للاعب على دقة تصويبه، فكلما أصاب الرأس كانت درجاته وإحصائياته محفزة له لقتل المزيد!

 

فتغير مفهوم التسلية عندنا في هذا العصر الموحش، ويا له من عصر.

 

أذكر لعبة معروفة بدأت في التسعينات وما زالت إلى اليوم تسمى Mortal Kombat لا يفوز اللاعب فيها على خصمه حتى يقتلع رأسه، أو يشق صدره، أو يرميه في بركة كبريت، فتخرج عظامه عارية!

 

إذًا لا تستغرب عزيزي القارئ حين تكثر حوادث التنمر على الأطفال، فحين يتسلى بعض أطفالنا بالتنمر على أحد زملائه، ويضحكون ويفرحون لبكائه ولغضبه، ويؤثرون على شخصيته في المستقبل بدافع التسلية والانبساط والروقان.

 

ولا تستغرب حين يضحك مراهقون على كبير في السن؛ لأنه تعثر فوقع على وجهه، فيضحكون على ذلك؛ لأن هذا مضحك جدًّا.

 

ولا تستغرب حين يحصل حادث مروع وتتطاير الدماء، ويستغيث آخرون، ولا نلتفت لهم إلا بعد تصوير الحادث بشكل كامل، حتى نحصل على بضعة إعجابات على شبكات التواصل الاجتماعي!

 

ولا تستغرب حين يتحول ابنك وأنت تظنه ذلك الحمل الوديع إلى مفترس لا يبقي فريسته حتى يأكلها، فتجد طفلك والجميع يشتكي في مدرسته أنه أصبح عنيفًا جدًّا.

 

لقد أنتجت لنا المواد الترفيهية المعروضة على الكبار والصغار - ما يسمى "بالعنف الترفيهي"، وهو كما يعرفه مختص علم الاجتماع بأنه العنف المنقول من وسائل الاتصال عن طريق الترفيه ومشاهدة أفلام الأكشن وأفلام الكارتون.

 

ويوضح أن العنف ثابت، فما يلحق الضرر بالأطفال إن كان جسديًّا ونفسيًّا وعقليًّا، يندرج تحت بند العنف، موضحًا أن العنف الذي يأتي من الترفيه والتسلية مدخل خطير في عقل الطفل والمراهق؛ لأنه يلعب بالفعل بمعتقداتهم وقِيَمهم ومفاهيمهم وتوجهاتهم.

 

وبالرغم من كل ذلك فإنه لا يُمكن أن نلوم أطفالنا على العنف الذي يصدر منهم دائمًا لما يتعرضون له من جرعات كبيرة ومفجعة، بل نلوم أنفسنا على عدم تعليمهم للتسلية والترفيه الإنساني المباح.

 

انظر إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يعلِّمنا الترفيه المباح حين كان يسابق زوجته عائشة رضي الله عنها، وحين كان يداعب الفتى ويخفِّف من حزنه حين مات له طير صغير، وحين نهى أن تتخذ ذوات الأرواح هدفًا للرمي، ونهى عن الحديث فوق الدواب رحمةً بها وشفقة.

 

لذلك كم يأسرني ويجذب انتباهي، ذلك الفتى الذي يجلس بين ماشيته يتسلى مع نفسه متصلة روحه بالطبيعة، يمتلئ قلبه بالسعادة وبالفطرة السوية وكأنه يرفه عن نفسه.

 

حدثتني أمي عن ذلك القروي الذي داهم قريته سيلٌ عظيم، فلم ترضَ نفسه أن يشاهد إحدى أبقاره وهي تغرق في هذا السيل، وتخور خوار المستغيث، فما كان من صاحبها إلا أن يقفز معها شفقة عليها عسى، لعله ينقذها ولكن هيْهات، والجميع يصرخ عليه ألا يفعل وفعل ومات غريقًا مع بقره.

 

فتأمل ما بين رحمة البدوي وعًنفنا الترفيهي.

_____________________________________
الكاتب: خالد حامد عمر