روائح زكية ... لمقولات مطهية.... على نار جهنمية

مقوله في غاية الجمال، أعتراف ان وعد الله هو الحق، وأن وعد الشيطان ليس بحق، اعتراف أنه لم يكن له سلطان على غيره

  • التصنيفات: دعوة المسلمين -

الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين ، سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين... وبعد

لقد وردت في القرآن الكريم مقولات ذات رونق وجمال ونكهة وبيان ليست على لسان أنبياء ولا مرسلين ولم ترد عن طريق شهداء ولا صالحين، بل وردت هذه المقولات على لسان قوم ظالمين، بعد أن رأوا العذاب المهين والعقاب الأليم ونار الحميم.

فكما أن نار الدنيا تنتج لنا ما لذ وطاب من ألوان الطعام وأصناف المأكولات بمختلف النكهات،  فإن نار جهنم انتجت لنا مقولات تملؤها الحكمة وفي غاية الجمال، نذكر بعضها في هذه المقالة ولا نحصي الجميع، بل هي مجموعة منتقاة وحسب فهمنا من سياق الآيات، ولا نقول أن كل ما ورد عن أهل النار هو جميل وأصيل، فهناك خصومات بينات {(إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ)} ، لكن بعض أقوالهم تستحق الوقوف والتأمل والتفكر والتدبر، فقد نبع من قلب متألم يتحسر على ما فاته من الخير في الحياة الدنيا {(كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ)} ، ومن قلب يأن ويشكو وينطق بالحكمة والتي هي ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، ومن هنا جاء ذكرها تدبراً وتذكيراً وتأملاً وتفكيراً.

اخترنا ههنا أحد عشر مقولة مختلفة وردت في الآخرة على لسان أهل النار، سواء عند رؤية العذاب، وذلك عين اليقين، أو عند الدخول في العذاب، وذلك حق اليقين، وختمناها بخطبة إبليس البليغة، ومن هذه المقولات:

{فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الأنعام: 27)

يتمنى الكافرون يوم القيامة العودة إلى الدنيا، ويعلمون استحالة ذلك، مع اعترافهم وإقرارهم بتكذيبهم في الدنيا وندمهم على ذلك، وتمنيهم الإيمان.

{قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} (إبراهيم: 21).

نجد هنا إعلان المستكبرين بأن الهداية منه سبحانه، واعترافهم بأنهم لم يكونوا من المهتدين، واقرار بأن المهتدي سببا لهداية غيره، وتأكيد بأنه لا مناص من العذاب... والآية فيها من جزالة الألفاظ ورونق الكلام ما تدعو للتأمل.

{قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} (المؤمنون: 106 – 107)

مناجاة العزيز الجبار، من داخل حميم النار، وطلب واعتراف واقرار يملؤه الذلة والإنكسار. محاولات يائسة لتقديم الوعود، لكنه جاء متأخراً في يوم الخلود.

{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا } (الفرقان: 27 – 29).

اعتراف وندم وحسرة وإعلان، لكنه للأسف جاء بعد فوات الأوان. إعلان تلفظ به الظالم يوم القيامة، تملؤه المعرفة وتغشاه الحكمة، وتشهد للرسول بالرسالة، براءة من صديق السوء، وإقرار بأن الأعمال بخواتيمها فلم يعد ينفع الذكر بعد الضلال.

{قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الشعراء: 96 – 102).

نجدهم مع خصومتهم يعترفون أنهم كانوا في ضلال مبين وهذا الاعتراف جاء مؤكداً بالقسم باسمه تعالى، ونجدهم نادمين على تسويتهم لبشر مثلهم برب العالمين وهنا أيضاً اعتراف بعلو قدره وعظيم شأنه فما كان لهم أن يساووا بينه وبين غيره، واقرارهم أن هذا الضلال سببه المجرمين، ونجدهم متحسرين حيث ما لهم من شافعين ولا صديق حميم، وأخيراً إقرارهم بأنه لا مناص للعودة ولو سنحت لهم الفرصة لكانوا من المؤمنين.

{أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (الزمر: 56-58).

نجد في هذه الآيات اعتراف بالتقصير، وأن عاقبة السخرية إلى العذاب المبين، وتأكيد أن الله هو الهادي إلى سواء السبيل، وأن هذه الهداية تؤدي إلى التقوى، ونجد تمني العودة كرة أخرى للإحسان.

{وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (الزمر - آية 71)

اقرار صريح من اهل النار ان الكافرين مصيرهم العذاب ، تأكيد على أن وعد الله هو الحق الذي لا مناص منه، اعتراف ان القضية قد انتهت والحكم قد صدر، لا عودة للوراء ولا مراجعة للأحكام.

{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ } (غافر: 48)

مقولة وردت عن أهل النار من الجمال بمكان ، استسلموا لأمر الله ، وايقنوا ان حكم الله لا مرد له ، وأقروا ان حكم الله لا مقعب له ولا راد له ولا مناص عنه، شهدوا بان الله سبحانه وتعالى عز وجل هو بنفسه قد حكم بين العباد، اعتراف انهم مجرد عباد، اعتراف بالوحدانية لله، اعتراف بالوهية الله سبحانه، إقرار ان الحكم قد صدر وان القضية قد حسمت.

{قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (الملك: 9 - 10).

صدق اهل النار في قولهم هذا، شهدوا أن النذير قد جاءهم، اعترفوا بكذبهم "ما نزل الله من شيء" واقروا انهم كانوا على خطأ، وأقروا أنهم لم يكونوا يسمعوا أو يبصروا ولو أنهم كانوا كذلك ما كان مصيرهم إلى السعير، مقولة نابعة من القلب تعترف وتعتذر وتصدح بالحق.

 

{قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} (المدثر: 43 - 47)

اعتراف بأهمية الصلاة وتقاعسهم عنها، اعتراف بأهمية إطعام المسكين وتقاعسهم عنه، اقرارهم أنهم كانوا يخوضون فيما ليس لهم حق، واقرارهم بتكذيبهم بيوم الدين، وتأكيدهم أن اليقين قادم لتنكشف الأمور ويوقن الجميع بحقائق الأمور.

 

{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (سورة إبراهيم: 22)

مقوله في غاية الجمال، أعتراف ان وعد الله هو الحق، وأن وعد الشيطان ليس بحق، اعتراف أنه لم يكن له سلطان على غيره، اعتراف انه دعى غيره إلى الضلال، اعتراف ان الكفار استجابوا له بمجرد ان دعاهم من دون اكراه، اعتراف انه لا يستطيع تقديم المساعدة، اعتراف انهم لا يستطيعون مساعدته، تبرؤ من الشرك، اقرار بان الظالمين مصيرهم العذاب، اقرار ان عذاب الله اليم... لا تنبع هذه الكلمات إلا من خطيب مفوه ، بهذا الترتيب الجميل وهذا المنطق اللطيف ، بالتأكيد أنه سمعها في حياته في الدنيا من القرآن الكريم وحفظها عن ظهر غيب والقاها على مسامع الحاضرين ونسبها إلى نفسه، لكنها بالفعل خرجت من قلبه بصدق وحسرة وحرقة. ربما لم يكن بنيته ان يلقيها لكنه لم يجد بداً من ذلك ، وكيف سيجد وقد اخبرنا القرآن الكريم انه قد فعل.

 

والحمد لله رب العالمين

كتبها الفقير إلى عفو ربه

أكرم محمد زكي