ذم الغرور

فهد بن عبد العزيز الشويرخ

والغرور هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى, ويميل إليه الطبع, عن شبة وخدعة من الشيطان

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -

 

بيان ذم الغرور وحقيقته:

اعلم أن قوله تعالى: {( فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور)} [لقمان:33] وقوله تعالى: {( ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني)} [الحديد:14] كاف في ذم الغرور.

والغرور هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى, ويميل إليه الطبع, عن شبة وخدعة من الشيطان, فمن اعتقد أنه على خير, إما في العاجل أو في الآجل عن شبهة فاسدة فهو مغرور وأكثر الناس مغرورون وإن اختلفت أصناف غرورهم, واختلفت درجاتهم, حتى كان غرور بعضهم أشد من بعض وأشدها غرور الكفار, وغرور العصاة والفساق

غرور العصاة:

غرور العصاة من المؤمنين بقولهم: إن الله كريم, وإنا نرجو عفوه, واتكالهم على ذلك, وإهمالهم الأعمال, وتحسين ذلك بتسمية تمنيهم واغترارهم رجاء, وظنهم أن الرجاء محمود في الدين, وأن نعمة الله واسعة.

فإن قلت: فأين مظنة الرجاء, وموضعه المحمود ؟ فاعلم أنه محمود في موضعين:

أحدهما: في حق العاصي المنهمك إذا خطرت له التوبة, فقال له الشيطان: وأني تقبل توبتك, فيقنط من رحمة الله تعالى, فيجب عند هذا أن يقمع القنوط بالرجاء, ويتذكر قوله تعالى: {( إن الله يغفر الذنوب جميعاً ) } [الزمر:53] وأن الله كريم يقبل التوبة عن عباده, وأن التوبة طاعة تكفر الذنوب, قال الله تعالى: {( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم )} [الزمر:53_54] أمرهم بالإنابة.

وقال تعالى: {( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى) } [طه:82] فإذا توقع المغفرة مع التوبة فهو راج, وإن توقع المغفرة مع الإصرار فهو مغرور.

الثاني: أن تفتر نفسه عن فضائل الأعمال, ويقتصر على الفرائض, فيرجي نفسه نعيم الله تعالى, وما وعد به الصالحين, حتى ينبعث من الرجاء نشاط العبادة, فيقبل على الفضائل, ويتذكر قوله تعالى: {( قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون )} [ المؤمنون:1_2] إلى قوله {( أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون )} [المؤمنون:9_10] فالرجاء الأول: يقمع القنوط المانع من التوبة, والرجاء الثاني يقمع الفتور المانع من النشاط.

فالخوف والرجاء قائدان وسائقان يبعثان على العمل, فما لا يبعث على العمل, فهو تمن وغرور, ورجاء كافة الخلق هو سبب فتورهم, وسبب إقبالهم على الدنيا, وسبب إعراضهم عن الله تعالى, وإهمالهم السعي للآخرة, فذلك غرور....وكان الناس في الاعصار الأول يواظبون على العبادات, ويؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون, يخافون على أنفسهم, وهم طول الليل والنهار في طاعة الله, يبالغون في التقوى, والحذر من الشبهات والشهوات, ويبكون على أنفسهم في الخلوات.

فهذه أمثلة الغرور بالله...ويقرب منه طوائف لهم طاعات ومعاص, إلا أن معاصيهم أكثر, وهم يتوقعون المغفرة, ويظنون أنهم تترجح كفة حسناتهم, مع أن ما في كفة السيئات أكثر, وهذا غاية الجهل, فترى الواحد يتصدق بدراهم معدودة من الحلال, ويكون ما يتناول من أموال المسلمين والشبهات أضعافه,...ومنهم من يظن أن طاعاته أكثر من معاصيه, لأنه لا يحاسب نفسه, ولا يتفقد معاصيه, كالذي يستغفر الله بلسانه مائة مرة, ثم يغتاب المسلمين ويمزق أعراضهم طول النهار من غير حصر

 

علاج الغرور:

فإن قلت: فبم ينجو العبد من الغرور ؟ فاعلم أنه ينجو منه...أن يعرف أربعة أمور: يعرف نفسه, ويعرف ربه, ويعرف الدنيا, ويعرف الآخرة...فإذا عرف ذلك...ثار في قلبه بمعرفة الله حب الله, وبمعرفة الآخرة شدة الرغبة فيها, وبمعرفة الدنيا الرغبة عنها, ويصير أهم أموره ما يوصله إلى الله تعالى, وينفعه في الآخرة, وإذا غلبت هذه الإرادة على قلبه صحت نيته في الأمور كلها, واندفع عنه كل غرور منشؤه النزوع إلى الدنيا والجاه والمال, فإن ذلك هو المفسد للنية, وما دامت الدنيا أحب إليه من الآخرة, وهوى نفسه أحب إليه من رضا الله تعالى فلا يمكنه الخلاص من الغرور.

فإذا غلب حب الله على قلبه بمعرفته بالله, وبنفسه.....فيحتاج إلى...معرفة كيفية سلوك الطريق إلى الله, والعلم بما يقربه من الله وما يبعده عنه, والعلم بآفات الطريق وعقباته وغوائله, فيعرف من العبادات شروطها فيراعيها, وآفاتها فيتقيها, ويعرف أسرار المعايش, وما هو مضطر إليه فيأخذه بأدب الشرع, وما هو مستغن عنه فيعرض عنه, وأن يعلم جميع العقبات المانعة, فإن المانع من الله الصفات المذمومة في الخلق, فيعلم المذموم وطرق علاجه, ويعرف الصفات المحمودة, والتي لا بد وأن توضع خلفاً عن المذمومة بعد محوها, فإذا أحاط بجميع ذلك أمكنه الحذر من الأنواع التي أشرنا إليها من الغرور, وأصل ذلك كله أن يغلب حب الله على القلب, ويسقط حب الدنيا منه, حتى تقوى به الإرادة, وتصح به النية, ولا يحصل ذلك إلا بالمعرفة التي ذكرناها.

فنسأل الله تعالى العون والتوفيق, وحسن الخاتمة, فإن الأمور بخواتيمها.

            كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ