أفكار في تربية الصغار

الصغار هم في مرحلة التأسيس، ولهم ما يناسبهم من الأفكار والبرامج، وسأذكر لكم أيها الكرام والكريمات أربع نقاط لهذا الموضوع، ثم أختم بأكثر من عشرين فكرة يمكن إجراؤها مع الصغار وتربيتهم عليها، وفي نهاية الحلقة مقترح تربوي للصغار.

  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة - تربية الأبناء في الإسلام -

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم النبيين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
يقول الله تبارك وتعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} ما أعظم تلك الزينة إذا كانت قائمة على النصح والتربية السليمة والايجابيات والمخرجات الطيبة، وهذا كله يؤصله ويحدوه قوله عليه الصلاة والسلام: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». (متفق عليه).

والبعض منا قد يحتقر هؤلاء الصغار ويقلل من شأنهم، وهذا مسلك خاطئ وفكر ضعيف فالصغار هم في مرحلة التأسيس، ولهم ما يناسبهم من الأفكار والبرامج، وسأذكر لكم أيها الكرام والكريمات أربع نقاط لهذا الموضوع، ثم أختم بأكثر من عشرين فكرة يمكن إجراؤها مع الصغار وتربيتهم عليها، وفي نهاية الحلقة مقترح تربوي للصغار.

النقطة الاولى: الصغار فرصة استثمارية كبرى في المجال الإيماني، فعندما نؤسس عندهم بعض الأعمال والأقوال العبادية اليسيرة فسيعملون بها طوال أعمارهم، وربما انتقلت إلى أولادهم وأحفادهم فصاروا صدقة جارية، في حين أن هذه الفرصة تضيع على آباء وأمهات مفكرين وذوي مكانة عليا في التربية والفكر، وهذا لا شك أنه نوع من الخسارة.

النقطة الثانية: الصغار يحتاجون في تربيتهم إلى النزول إلى مستواهم، وعدم الملل منهم ليفهموا ويتكيفوا، وما يلقى عليهم في تلك الفترة هو كما يقال كالنقش في الحجر، فيا رجال التربية من الآباء والأمهات انزلوا واصبروا مع أولادكم كي تربحوا ما تريدون وتحققوا ما إليه تهدفون، فحدثوهم بأسلوب يناسبهم، ولا تستعجلوا عليهم في الفهم، فقد يحتاج الصغير لفهم المعلومة بأكثر من أسلوب.

النقطة الثالثة: إلى معلمي ومعلمات المرحلة الابتدائية وربما أحيانا المتوسطة، أقول لهم هنيئًا لكم فوجودكم مع هذا الجيل من الصغار، فأنتم في كل يوم تغرسون غرسًا طيبًا ثم تنسونه، لكنه مازال حيًا طريًا عند ذلك الصغير، يعمل به من حيث لا تشعرون، فهو مسطر في صحائفكم، فيا بشراكم بذلك، فقد رأيت طفلاً يسبح بأصابعه فحادثته وسألته، فقال: أخبرني المعلم، فشجعته ودعوت له وللمعلم، وغير هذا كثير وكثير في الواقع بحمد الله تبارك وتعالى، فاستثمروهم في الأعمال الصالحة اليسيرة في كل أسبوع اذكروا لهم عملاً يسيرًا وشجعوهم عليه فستمتلئ صحائفكم وموازينكم من الخير والحسنات من خلال هذا البرنامج اليسير، ومن الممكن الرجوع إلى حلقة إذاعية سابقة في الإذاعة بعنوان: تعليم الصغار يسير العبادات.

النقطة الرابعة: إن البعض قد يقلل من أهمية استثمار هؤلاء الصغار، وإليكم هذه المواقف المشجعة على استثمارهم:
فأحدهم وقد بلغ عمره الستينات يقول: أقرأ آية الكرسي منذ خمسين سنة بعد كل صلاة، حفظني إياها فلان وأنا صغير، ويقول الآخر منذ خمسة وثلاثين عامًا وأنا أقرأ الأذكار الصباحية والمسائية التي دلني عليها فلان وأنا صغير، وغيرهم كثير في الآداب والأعمال والأقوال وغيرها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» (رواه مسلم).
فهذا الحديث العظيم ميدان فسيح للتسابق إلى الخير مع الصغار والكبار.

النقطة الخامسة: دونكم أيها الكرام بعض الأفكار التربوية للصغار، من الجميل جداً التربية عليها وملاحظتها وتشجيعهم عليها. فأخرجوا يا رعاكم الله أقلامكم وأوراقكم واكتبوها كرؤوس أقلام لتتذكروها.

الفكرة الأولى:
أن يحفظ الأولاد الأذكار اليومية الدورية، كأذكار الصباح والمساء والدخول والخروج والمأكل والمشرب والنوم والاستيقاظ وغيرها، فتحفيظهم لتلك الأذكار هو صدقة جارية للوالدين، ويقترح في ذلك تحديد أسبوعين لحفظ تلك الأذكار كلها، وهي بمثابة الدورة التربوية للأولاد بهذا الخصوص.

الفكرة الثانية:
تعليمهم الصلاة والوضوء كما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام، حيث نرى بعضهم قد يبلغ وهو لا يحسن الوضوء أو الصلاة أو كلاهما، فعلى الآباء والأمهات تعليم ذلك والاهتمام به أشد الاهتمام لأهميته، حيث إنه يتعلق بركن عظيم من أركان الإسلام وهو الصلاة.

الفكرة الثالثة:
لا تترك أسئلتهم التي يسألونك إياها خصوصاً الأسئلة الشرعية، فأنت بجوابك لهم تصحح مفاهيمهم، أما إن تركتها أو أجاب غيرك عليها إجابة مغلوطة بقي المفهوم عندهم خاطئا، فاحرص على حوارهم في أسئلتهم.

الفكرة الرابعة:
حاول أن تجعل لصغارك مجلساً قصصياً من السيرة أو من الواقع، وهذا ما يسمى بالتربية بالقصة، ومن الممكن أن يكون في كل أسبوع قصة تؤخذ منها الدروس والعبر الواقعية في مجتمعنا، فهذا له أثر عظيم وكبير على نفوسهم وسلوكهم.

الفكرة الخامسة لتربية الصغار:
من الممكن أن يجمع الصغار حتى ولو كانوا من الأسرة بمسماها العام فيعقد لهم مجلس أسبوعي يُعرض في هذا المجلس في كل أسبوع عمل من الأعمال الايمانية اليسيرة ليطبقوها وينشأوا عليها، كالتسبيح مائة مرة، وكصلاة الضحى وصلاة الوتر ونحو ذلك من الأعمال الإيمانية اليسيرة، وهذا صدقة جارية لمن عمل به مع هؤلاء الصغار.

الفكرة السادسة لتربية الصغار:
اصطحب أولادك للأماكن التي ترى اصطحابهم فيها مناسباً ليتعلموا وليتدربوا وتتسع مداركهم، وخلال اصطحابهم ناقشهم وتحدث معهم لتكتمل الفائدة.

الفكرة السابعة:
تعويد الصغيرات على بعض أعمال المنزل ليتدربن عليها ويعرفن التعامل معها ويكتسبن الثقة بالنفس والعمل والخدمة الإيجابية.

الفكرة الثامنة لتربية الصغار:
عندما يقدم إليك ضيوف فاجعل صغارك يخدمونك فيما يمكن حتى يتعلموا الضيافة والكرم والترحيب ومعرفة مجالس الكبار وليقتدوا وتكبر عقولهم، فهذه قيمة وصفة قد يفتقدها صغارنا.

الفكرة التاسعة لتربية الصغار:
عودهم على كتابة القصص والمقالات القصيرة، حتى ولو كانت ركيكة وهزيلة، فهي ستتغير إيجاباً مع الوقت، فسيتحسن أسلوبهم وكتابتهم مرة بعد أخرى.

الفكرة العاشرة:
احرص على إلحاقهم بحلق تحفيظ القرآن الكريم، فهي مجالس خير يتربون من خلالها ويتخلقون بأخلاق القرآن ويقرأونه ويحفظونه.

الفكرة الحادية عشرة لتربية الصغار:
حاول الحديث معهم ومناقشتهم عن أمور تربوية وأخلاقية تناسبهم لتتفتح أذهانهم وتزكوا نفوسهم ويعتادوا الحوار ويتعرفوا على آدابه.

الفكرة الثانية عشرة:
تعويدهم على احترام الكبار وتقديرهم وتعريفهم على آليته وكيفية التعامل مع هؤلاء الكبار، وكيف يستفيدوا منهم عند مجالستهم.

الفكرة الثالثة عشرة لتربية الصغار:
لا تحرص على أن تلبي كل طلب لهؤلاء الصغار، فقد يطلبون ما ليس من مصلحتهم، في حين أن الشفقة عند بعض الآباء قد تنسحب على توفير طلباتهم كلها، فلابد أن يتربى الصغار على القبول وعدمه.

الفكرة الرابعة عشرة:
الحرص على تنمية المواهب التي تبدأ بالظهور عند الأولاد، كموهبة القراءة أو حفظ القرآن أو الكتابة أو غيرها، فإذا رأيت صغيرك يُظهر شيئا من بدايات الموهبة فلا تهملها، وإنما سارع إلى تنميتها لتربحا جميعا.

الفكرة الخامسة عشرة لتربية الصغار:
التغافل الإيجابي عن أخطائهم اليسيرة التي يمكن التغافل عنها، لأن الخطأ يكثر عند الصغير، وعندما تقف عند كل خطأ فقد تثقل عليه التربية، لكن التغافل المعقول محمود في تلك المرحلة.

الفكرة السادسة عشرة لتربية الصغار:
احرص على العدل بين الأولاد في عطاياهم وحتى في قربهم وحبهم، فهم يشعرون بذلك العدل إن وجدكما يشعرون بالحيف إن وجد، وهم قد ينشأون على ما تربوا عليه من هذا أو ذاك.

الفكرة السابعة عشرة: من الممكن أن يجتمع رأي عدد من الآباء بتكليف مربي ينفذ في أبنائهم برنامجاً تربويا مخطوطًا، حيث إن بعض الآباء قد ينهمك بالمشاغل، فجميل توفير هذا المربي لينفذ خطة هؤلاء الآباء في أبنائهم، ويكون للآباء الإشراف والتشجيع.

الفكرة الثامنة عشرة لتربية الصغار:
تربية الأولاد على النفع المتعدي لغيرهم حسب مستواهم كدلالة على خير أو بذل معروف أو دفع صدقة أو نصيحة ونحو ذلك.

الفكرة التاسعة عشرة: اصطحاب الأطفال خلال زيارة الآباء لوالديهم، ليأخذوا دروسا عملية وعلمية في بر الوالدين من الحنان والسلام وطيب الكلام والخدمة والرأفة والبر ونحو ذلك، فهو غاية في الأهمية.

الفكرة العشرون:
من الممكن تحديد يوم داخل الأسرة ليلقي هؤلاء الصغار كلمات كتبوها أو قرأوها يلقونها على أسرتهم ليعتادوا الثقة بالنفس وانطلاق ألسنتهم بالقراءة.

الفكرة الحادية والعشرون لتربية الصغار:
وضع آلية تربوية مجدولة يتفق عليها الوالدان حول الآداب للأولاد، وتكون بحسب النقاط، فكلما عمل الولد أدباً كُتبت له نقطة، ثم في نهاية الشهر يتم التكريم والتشجيع.

الفكرة الثانية والعشرون: تربيتهم على بذل السلام وتدريبهم عليه علماً وعملاً، وإكماله إلى البركة، فما أجمل السلام كاملاً على لسان الطفل للآخرين وبيان ثوابه وأجره.

الفكرة الثالثة والعشرون لتربية الصغار: الشكر والتشجيع عند إنجاز أي أمر إيجابي، وقد يكون التشجيع لفظياً كقول أحسنت وشكرا، أو يكون دعاء أو يكون مالياً أو عينياً فإن تلك الخطوات يتولد معها الإيجابيات.

هذه جملة من الأفكار اليسيرة في التنفيذ، لكنها لها الأثر الإيجابي في نفوس الصغار، ولنحذر معاشر الآباء والأمهات ألعاب التقنية السلبية، فهي مضادة لتلك الأفكار الإيجابية ومحطمة لكثير منها، فهي قد تحمل عقائد باطلة أو خيالاً سلبياً أو خللاً اجتماعيًا ويمكن أن تُستبدل بألعاب عقلية مفيدة لتنمية مواهب الصغار.

وأختم بهذا المقترح وهو: أن يُجمع الصغار داخل الأسرة بمسماها العام ثم يوضع لهم برنامج إيماني، وهو عبارة عن جلسة أسبوعية لمدة ساعة تقريباً يتخللها شرح عمل إيماني يسير كصلاة الضحى أو الوتر أو التسبيح مائة مرة، ونحو ذلك من يسير الأعمال مع ما يصحبها من مأكول ومشروب خفيف وأسئلة منشطة وهدايا يسيرة مشجعة على الاستمرار، لكن هدفها الأصلي هو التربية على هذا العمل الإيماني الدوري، وهذا صدقة جارية لمن قام بهذا العمل، فالكبار يعملون الصالحات تعلموها حين صغرهم.
أسأل الله تعالى لنا جميعا الهدى والرشاد والتقى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

____________________________________________
الكاتب: خالد بن علي الجريش