من أقوال السلف في الاستفادة من الوقت -2

فهد بن عبد العزيز الشويرخ

قال الضياء تلميذ الحافظ عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي رحمهما الله: كان شيخنا الحافظ رحمه الله لا يكاد يُضيِّع شيئًا من زمانه بلا فائدة

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -

عمارة وقت غفلة الناس بالطاعة:

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم «يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان»  فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة. وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد: منها: أن المنفرد بالطاعة عن أهل المعاصي والغفلة قد يُدفعُ به البلاء عن الناس كلهم فكأنه يحميهم ويدافع عنهم.

  • الاستفادة من وقت السحر, وعدم إضاعته بنوم أو لهو:

** قال الإمام الغزالي رحمه الله: علامات محبة العبد لله تعالى: أن يواظب على التهجد, ويغتنم هدوء الليل وصفاء الوقت بانقطاع العوائق...فمن كان النوم والاشتغال بالحديث ألذ عنده, وأطيب من منجاة الله كيف تصحّ محبته ؟ وقال: إذا أحب الله تعالى أحب لا محالة التلذذ بالمناجاة فتحمله لذة المناجاة على طول القيام

** قال العلامة السعدي رحمه الله: كان خواص المؤمنين يتعرضون في هذا الوقت الجليل لألطاف ربهم ومواهبه, فيقومون بعبوديته خاضعين خاشعين داعين متضرعين, يرجون منه حصول مطالبهم التي وعدهم إياها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم, ويعلمون أن وعده حق,

** قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: قال الله:{وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران:17] وقال:  {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}  [الذاريات:18] قال جماعة من أهل العلم من المحققين: إن الاستغفار في هذا الوقت أفضل من قراءة القرآن, فإن قراءة القرآن أفضل بعامة, ولكن قد يعرض على الأوقات ما يجعل شيئاً فيها أفضل من قراءة القرآن, فما قبل الأذان بقليل, وما بعد الأذان إلى صلاة الفجر الأفضل فيها الاستغفار والدعاء, والتبتل إلى الله عز وجل, والخشوع, وأشباه ذلك من الذكر.

 

قال العلامة العثيمين رحمه الله:

& الألعاب التي تُلهي كثيراً, فيذهب الوقت وأنت لا تُحسُّ به فتقتله, وفائدتها قليلة, فهذه حرام, لأنها تُذهب أعزَّ ما على الإنسان, فإن أعزَّ مال الإنسان عُمُره, أن العمر هو أرخص ما يهتم به الإنسان.

& مشاهدة المباريات فيها....إضاعة للوقت...والوقت ثمين, وأثمن من المال ومن كل شيءٍ, فكلُّ وقت يمضي عليك في غير طاعة الله فهو خسارة.

& ننصح إخواننا الذين تروق لهم هذه المصارعة, ويضيعون عليها أوقاتاً طويلة في مشاهدتها...نقول لهم: إن الوقت أغلى من أن يفني في هذا العبث الذي لا خير فيه

& لعب الورق: بعض العلماء يقول بتحريمه, لأنها تضيع الوقت وصاحبه لا يدري, والوقت ثمين أثمن من الدراهم, فلا تلعبها.قال شيخنا عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله عن لعب الورق أنه حرام, والعلة فيه أنه يصُدُّ عن ذكر الله وعن الصلاة, لأن الذي ينغمس فيها قد يمُرُّ عليه الوقت بالساعات ولا يشعر به.

& قراءة الشِّعر وكتابته والاستماع حسب ما فيه، فإن كان فيه خير، فهو خير، وإن كان فيه شر فهو شر، وإن لم يكن فيه لا هذا، ولا هذا، فإنه من اللغو الذي ينبغي أن يُنزه الإنسان نفسه عنه، وكان عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً إذا مروا باللغو مرُّوا كراماً، فأرى ألا يُستمعُ إليه، ولا يهتم به ما دام ليس فيه نفع له، لأنه من لغو القول، وإضاعة الوقت بلا فائدة.

& احرص أن تكون مكتبتك خالية من الكتب التي ليس فيها خير، أو التي فيها شر، فهناك كُتبُ يقالُ لها كتب أدبٍ, لكنها تقطع الوقت وتقتله في غير فائدة.

 

قال العلامة العثيمين رحمه الله: أما الوقت فأحسن ما يكون في أول النهار إذا صليت الفجر أن تقرأ القرآن لتحفظه.

  • عدم ترتيب الوقت مضيعة له:

قال العلامة العثيمين رحمه الله: عدم ترتيب الإنسان لوقته مضيعة, ولهذا أنا أدعو الجميع أن يجعلوا أوقاتهم مرتبة, ومعنى مرتبة يعني مثلاً أن تقول: اليوم عملي كذا, وفي الصباح عملي كذا, وفي المساء عملي كذا, حتى لا تضيع عليك الأوقات...وأنا جربت هذا وهذا, جربت على أني كلما طرأ عليَّ شيء فعلته, أو أني أرتب وقتي, فوجدت أن الأخير أحسن وأنفع ويستفيد الإنسان من الوقت.

  • صور من حرص السلف على الاستفادة من أوقاتهم:

** قال الإمام أبو الوفاء بن عقيل رحمه الله: إني لا يحلُّ لي أن أُضيِّع ساعةً من عمري، حتى إذا تعطَّل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مُطالعة، أُعْمِل فِكْري في حال راحتي وأنا مستطرح، فلا أنهضُ إلا وقد خطر لي ما أسطِّره.

** كان سليم بن أيوب بن سليم رحمه الله، لا يدع وقتًا يمضي بغير فائدة؛ إما ينسخ، أو يدرس، أو يقرأ.

** الفقيه محمد بن المبارك بن الحسين بن إسماعيل رحمه الله، لا يقطع زمنه إلا بطاعة.

** قال الضياء تلميذ الحافظ عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي رحمهما الله: كان شيخنا الحافظ رحمه الله لا يكاد يُضيِّع شيئًا من زمانه بلا فائدة، وقال أخوه الشيخ العماد: ما رأيتُ أحَدًا أشدَّ محافظةً على وقته من أخي.

** الإمام ابن الجوزي رحمه الله كان لا يُضيِّع من زمانه شيئًا.

 

** الموفق عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رحمه الله، أوقاته مستغرقةٌ في العلم والعمل، وربما قُرِئ عليه بعد المغرب وهو يتعشَّى.

** الشيخ عبدالوهاب بن الأمين علي بن عبدالله بن عبيدالله بن سكينة رحمه الله، كانت أوقاته محفوظةً، فلا يمضي له ساعة إلا في قراءة أو ذِكْرٍ أو تهجُّدٍ أو تَسْمِيعٍ.

** الإمام أبو البقاء العكبري رحمه الله، كان محبًّا للاشتغال ليلًا ونهارًا، ما تمضي عليه ساعة بغير اشتغال، أو إشغال، حتى إن زوجته تقرأ له بالليل كُتُبَ الأدب وغيرها.

** الإمام النووي رحمه الله، كان لا يُضيِّع له وقتًا في ليل ولا في نهار إلا في وظيفة من الاشتغال بالعلم حتى في ذَهابه في الطريق ومجيئه يشتغل في تكرير محفوظه أو مطالعة .قد صرف أوقاته كُلَّها في أنواع العلم والعمل، فبعضُها للتصنيف، وبعضُها للتعليم وبعضُها للصلاة، وبعضُها للتلاوة، وبعضُها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

** الإمام عبدالوهاب بن علي الملجمي رحمه الله، كانت أوقاتُه محفوظةً، فلا تمضي له ساعة إلا في قراءة، أو ذِكْر، أو تهجُّد، أو تسميع.

** الإمام يوسف بن حسن بن أحمد بن عبدالهادي الشهير بابن المبرد رحمه الله، أفنى عمره بين علم، وعبادة، وتصنيف، وإفادة.

** الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي رحمه الله، قطع زمانه بالإفتاء، والتدريس، والتحقيق والتصنيف.

** العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله، كان وقت سماحتِه لا يضيعُ منه شيءٌ يُذْكَر؛ بل هو كلُّه في الخير من عِلْم وتعليم وقضاء وإفتاء، وعبادة وقيامٍ بمصالح المسلمين، والاهتمام بأمورهم وأخبارهم.

 

** الشيخ صالح بن علي الغصون رحمه الله يقرأ القرآن في أي وقت تَسنح فيه القراءةُ، ولو كان قصيرًا كما بين نزوله من السيارة إلى المنزل، وكان يُردِّد رحمه الله: إنني أريدُ أن يكون القرآن أنيسًا لي في القبر.

** الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله, خصَّص الوقت من البيت إلى المسجد لمراجعة حِفْظَه من القرآن الكريم.

** الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن غديان رحمه الله, سافر من مدينة الرياض إلى الطائف بالسيارة، فلما خرج من البنيان بدأ بقراءة الفاتحة، وعند دخول الطائف كان في آخر الخَتْمَة قرابة سبع أو ثماني ساعات وهو يقرأ.

                    كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ