الحث على الاستفادة من العلم بالعمل

إنَّنا في حاجةٍ إلى العمل والاستمرار عليه، إنَّ العمل هو ثمرة العلم، وإذا لم تظهر الثمرة لم يكن للعلم فائدة، بل يكون حجَّة على مَن علم ولم يعمَل

  • التصنيفات: الإسلام والعلم -

الحمد لله وفَّق مَن شاء من عِباده لطاعته مَنًّا منه وإحسانًا، ووفَّقَه للأعمال الصالحات قولًا وعملًا، فنال رضا مولاه وفاز بجنة عرضُها السماوات والأرض فذاك الرابح، وخاب وخسر مَن أبعَدَه مولاه، وربُّك أعلم حيث يجعل رسالته ومَن يصلح للخير، ولا يظلم ربك أحدًا، أحمده - سبحانه - وأشكُره على نِعَمِه المترادِفة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله الداعي لما فيه خير الأمَّة وصَلاحها، صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحابته، الممتثِلين لأوامره والمجتنبِين لنواهيه قولًا وعملًا، صدقًا وإخلاصًا، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أمَّا بعدُ:

فيا عباد الله، اتَّقوا الله - تعالى - بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، واصدُقوا في أقوالكم وأعمالكم، واعلَمُوا أنَّ المقصود من التوجيه والإرشاد هو الامتثال والصدق في الأعمال والدوام على ذلك، ليس المقصود أنْ تسمع الموعظة تدخُل من أذن فتخرج من الأخرى، فلا تتأثَّر ولا تظهر آثارها في أعمالك، أو تتأثَّر بها في وقتها ثم تنساها أو تتناساها عند مُزاولتك لأعمال دُنياك، فتكون حجَّة عليك، وأنت مأمورٌ بتعلُّم أمور دِينك ومعرفة الحلال من الحرام، فإنَّك لم تُخلَق سُدًى، ولم تُترَك هَملًا.

 

عباد الله:

لقد كثُر العلم والمتعلِّمون، وأصبح في كلِّ بيت متعلِّم ومتعلِّمة، ومَن لم يتعلَّم عَلِمَ ممَّن تعلَّم، فلا عُذرَ لأحد.

 

عباد الله:

إنَّنا في حاجةٍ إلى العمل والاستمرار عليه، إنَّ العمل هو ثمرة العلم، وإذا لم تظهر الثمرة لم يكن للعلم فائدة، بل يكون حجَّة على مَن علم ولم يعمَل، إنَّ العلم حياة الأمَّة، وإنَّ العمل ثمرة العلم، ومَن لم يتعلم يُعتَبر ميتًا، ومَن علم ولم يعمل كان بمثابة مَن يحرق نفسه دون أنْ يستَفِيد شيئًا، إنَّ مَن لم يعرف صنعة يعدُّ أخرق، ومَن يعرف صنعة أو يتعلَّمها يريد أن يستفيد منها، ومَن يمارس أعمال التجارة يريد أن يربح منها، والعلم النافع لا بُدَّ منه لكلِّ أحد، فهو نورٌ يُستضاء به في أمور الدنيا والآخرة وإنِ اختلف الناس في الأخْذ منه، إنَّه لا يمنع من أعمال الدنيا بل يُعِين عليها، وهو بمثابة المصباح أمامَ صاحب العمل، به يعرف الحلال من الحرام والضارَّ من النافع، فيعمل على بصيرة من أمره؛ فتظهر ثمرةُ العلم في العمل الذي يُمارسه بامتثال أوامر الله واجتِناب نواهيه في ذلك العمل، وتظهر ثمرة ذلك العمل فيما يربَحُه فيه من أرباحٍ سَلِمتْ من الحرام والضرر الذي قد يحصل فيها بسبب الجهل، فلا أنفَعَ من العمل المبنيِّ على العلم النافع، ولا أضرَّ من العمل المبنيِّ على الجهل.

 

فيا عباد الله:

إنَّكم في حاجةٍ إلى العلم النافع وإلى أنْ تظهر ثمرة العلم في أعمالكم؛ وذلك بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه والاستمرار على ذلك؛ قال - تعالى -: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9].

وقال: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99].

وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مَن يُرِد الله به خيرًا يُفقِّهه في الدِّين»[1].

 

فلا حياة إلا بالعلم النافع، ولا فائدة إلا بأنْ تظهَر ثمرته بالعمل، ولا سعادة ولا اطمِئنان إلا بالاستمرار على ذلك كلٌّ بقدره حتى الموت، وإذا فقَد العبد ذلك كان بمثابة الحيوانات السارحة، فإذا كان مقصوده إشباع رغبة البطن والفرج فقد شاركَتْه في ذلك الحيواناتُ.

 

فانتَبِهوا يا عباد الله من غَفلاتكم، وهبُّوا من رَقدتكم، وتفقَّدوا أحوالكم ولا تُضيعوا أوقاتكم بالتلاوم والاستسلام للواقع؛ فإنَّكم لن ترضوا بذلك في أمور دُنياكم فما أشجَعَكم وأجلدكم في أمور الدنيا! وما أجبنَكُم وأضعفَكُم في أمور أُخراكم!

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف: 13-14].

بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.

أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفِروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

واعلَمُوا أنَّ العلوم قد كثُرت، والمذاهب قد تعدَّدت، والمناهل قد اختلفت، والمقاصد قد تشعَّبت، وأنَّه لا خير للأمَّة ولا سلامة لها إلا بأنْ تتمسَّك بالعلم النافع، وتسلك طريق نبيِّها والسلف الصالح بالاعتناء بكتاب الله وسنَّة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم -، وأنْ تخلص العمل لله وحدَه، وبذلك تُوفَّق لخيري الدنيا والآخرة؛ ففي كتاب الله وسنَّة نبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - سعادةُ الدنيا والآخِرة وصلاح العاجل والآجل، فالله - سبحانه وتعالى - يقول: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38].

 

ونبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - ما ترَك خيرًا إلا دلَّنا عليه ولا شرًّا إلا حذَّرَنا منه، تركنا على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فلا تغترُّوا يا عباد الله بكثْرة العلوم والآراء والنظريَّات؛ فإنَّ ما خالف كتابَ الله وسنَّة نبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهو شرٌّ ووبال على الأمم، بلبلة أفكار، وضَياع أوقات، وإتعاب أجسام، ونتائجه خرابٌ ودمار، وحصائد المذاهب المتعدِّدة تناحُر وتطاحُن وخراب دِيار، وإهلاكٌ للحرث والنسل.

فما أسعَدَ الأمَّة بالتمسُّك بكتاب ربها، والعضِّ على سنَّة نبيِّها بالنواجذ، والعُكوف عليهما لفهْم ما فيهما من أسرارٍ، فإنها بذلك تسعَد وتنقذ غيرها من نتائج العُلوم الضارَّة التي أصبحَتْ مصدر الشَّقاء والعَناء للبشريَّة.

 


[1] انظر تخريجه ص (114).

_________________________________________________

الكاتب:الشيخ عبدالعزيز بن محمد العقيل