الأمة الإسلامية والريادة

لا ريب أن إقامة الأخوة الإسلامية على مستوى الأفراد والشعوب في العالم الإسلامي جديرٌ بأن يُزيل حالة الغثائية التي اعترت الأمة، ويُمهد الطريق لكي تتبوأ مقام الصدارة والقيادة كما كانت في سالف الزمان.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - مجتمع وإصلاح -

إن مما لا ريب فيه أن العالم الإسلامي غنيٌّ بالثروات الكثيرة المتنوعة والخطيرة[1]، لكن تفرق المسلمين وانفراط عقد أخوتهم - مع الأسف - قد حرمهم الإفادة التامة من خيرات بلدانهم، وفوت عليهم التكامل والتكافل الاقتصادي فيما بينهم، وصارت أرضهم من أكثر مواطن الجوع والبؤس في العالم.

 

وإذا كانت الأخوة الإسلامية قائمة ومطبقة بحقوقها وواجباتها التي أمر الشرع بها، من تكافل وتراحم، وتعاطف وتواد، وتضامن وولاء، ووحدة وإيثار، وحب الخير من المسلمين لبعضهم... وغير هذا من الحقوق على مستوى المسلمين أجمعين في أدنى الأرض وأقصاها؛ لعاد هذا بالنفع والخير على كافة المجتمعات الإسلامية، ولأفاد المسلمون من تلك الثروات والخيرات العظيمة التي تحت أيديهم، وكان لهذا أكبر الأثر في تحقُق الرخاء الاقتصادي - وهو من ركائز الحياة الطيبة - ولتلاشت رقعة الفقر التي تكتنف السواد الأعظم من بلدان المسلمين ومجتمعاتهم، وانقشعت عنهم سحب التخلف والانحطاط.

 

تمهيد الطريق لوصول الأمة الإسلامية إلى مقام الريادة:

إن مما اختص الله تعالى به الأمة الإسلامية أنها صاحبة رسالة الإرشاد والهداية للبشرية، تُخرج من شاء الله من عبادة العباد، إلى عبادة الله رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا وظلماتها إلى سعة الإسلام ونوره، فمكانتها بين العالمين هي مكانة الأستاذية والريادة.

 

قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].

وقال عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [سورة البقرة: 143].

وإن المسلمين اليوم - كما لا يخفى - قد انتُزعت منهم القيادة، وتبوأها غيرهم، وصاروا في مؤخرة الركب وذيل القافلة، جزاء تفريطهم، وتنكبهم صراط الله المستقيم، لذا فإن عليهم أن يعملوا لتتبوأ أمتهم مكانتها اللائقة بها، وليصلوا إلى درجة التمكين والسيادة.

 

ولا ريب أن إقامة الأخوة الإسلامية على مستوى الأفراد والشعوب في العالم الإسلامي جديرٌ بأن يُزيل حالة الغثائية التي اعترت الأمة، ويُمهد الطريق لكي تتبوأ مقام الصدارة والقيادة كما كانت في سالف الزمان.

إن تشرذم الأمة الإسلامية وتفرق جموعها تحت رايات عديدة بعيدا عن راية الدين؛ لمن يزيد إلا تكريس تبعيتها وضعفها، في عصر غدا يتسم بأنه عصر التكتلات العالمية، والأحلاف الدولية القوية التي تتسابق تسابقا محموما نحو قيادة العالم، وفرض الهيمنة على الآخرين.

 

ولن ترتفع الأمة من وهدتها، وتستعيد ريادتها، وترقى من جديد إلا بأن يلتئم أفرادها وشعوبها برباط الدين وأخوة الإسلام التي جعلهم الله عز وجل بها أمة واحدة وكيانا واحدا، وجسدا واحدا إذا اشتكى بعضه اشتكى كله، فتكون - بحق - خير أمة أخرجت للناس.

 


[1] تؤكد الدراسات العلمية على أن العالم الإسلامي يمتاز بأهميته الاقتصادية، وذلك لما حباه الله به من ثروات طبيعية وفيرة؛ زراعية ومعدنية وحيوانية، بالإضافة إلى أعظم وأخطر ثروة، وهي الثروة البشرية.

وعلى سبيل المثال: بالنسبة للثروة المعدنية نجد أن العالم الإسلامي غني بمعادنه المستغلة والغير مستغلة، والاحتياطية، ومن أهمها:

البترول والغاز الطبيعي: إذ تحتل دول العالم الإسلامي المركز المتفوق والمرموق في مجال إنتاجه، واحتياطيه الذي يقدر بأكثر من 75% من احتياطي العالم كله.

الفوسفات، ويستعمل لصناعة الأسمدة.

الكوبلت: من معادن السبائك الهامة، ويمنع الصلب من الصدأ، كما يتحمل درجة الحرارة العالية جدا، فتصنع من الآلات في الطائرات النفاثة، والآلات التي تدخل في الأسلحة النووية، وتجيء المغرب رابع دولة في العالم في إنتاجه.

الكروم: وهو معدن يستعمل في صناعة السبائك المعدنية، والعالم الإسلامي ينتج 45% من إنتاج العالم منه.

الحديد.

القصدير: وهو معدن تحتاجه الصناعات المعدنية الهامة، فهو يشترك مع النحاس لتكوين البرونز، ويستعمل في صناعة الصفيح والعلب التي تحفظ المأكولات، وفي عمليات اللحام، والسبائك البرونزنية، ويُنتج العالم الإسلامي أكثر من نصف الإنتاج العالمي منه.

المنغنيز: ويخل في صناعة السبائك والصُّلب، وفي الصناعات الكيميائية - الرصاص.

أملاح الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم والبروم والمغنيزيوم، الأملاح المعدنية، وللأسف فإن العدو الصهيوني يقوم باستغلالها في فلسطين، حيث أشهر أماكن استغلالها البحر الميت.

وهناك الذهب، والنحاس، واليورانيوم، وغيرها.

وهذه الثروات الهامة تتيح للعالم الإسلامي الفرصة في أن يصبح عالما صناعيا، حيث تتوفر فيه مقومات الصناعة، وهي: توفر المواد الخام، ومصادر الطاقة المتنوعة، ورؤوس الأموال، وخاصة في البلدان المنتجة للبترول، وتوفر الأيدي العاملة، ثم توفر الأسواق الاستهلاكية الداخلية لاتساع العالم الإسلامي وكثرة سكانه، والخارجية لسهولة المواصلات التي تصل العالم الإسلامي بغيره. (حاضر العالم الإسلامي، د. جميل عبد الله المصري، ص 31 وما بعدها - باختصار -، وفيه مراجعه).