الصراع على النفوذ البحري بين مصر وإسرائيل

...لماذا تمثل العلاقة العسكرية مع تركيا تلك الأهمية الكبرى حتى أنها تعد جزءا لا يتجزأ من الأصول العسكرية للكيان الصهيوني؟؟

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


كثيرا ما نسمع عن العلاقات العسكرية الوطيدة بين تركيا وإسرائيل، والمناورة السنوية الكبيرة التي تجري بين الجانبين، ف
أريدك أن تنظر معي للخريطة بالأعلى، وتقوم برسم خط يمتد من تركيا شمالا إلى مصر جنوبا قاطعا للبحر المتوسط وأخبرني ماذا تلاحظ؟
بالتأكيد ستلاحظ خطا وهميا يفصل الجزء الشرقي من البحر المتوسط، ويفرض حصارا كاملا على الكيان الصهيوني بحيث يمكن خنقه فلا تدخله أو تخرج منه سفينة واحدة (بإذن الله قطعا).

فكيف تعامل الكيان الصهيوني مع تلك المعضلة المحتملة؟
قام الكيان الصهيوني بإنشاء علاقات عسكرية متينة مع الجيش التركي العلماني جدا، وحرص على إقامة مناورة عسكرية سنوية توطيدا لتلك العلاقة وتأصيلا لها، وتحقيقا للغزو الفكري المتزايد لدى العسكر التركي. وهم بذلك قد كسبوا الجيش التركي في صفهم، وقطعوا الطريق على تعاون عسكري تركي مصري يمكن أن يهدد بالسيطرة على منفذهم البحري الأهم.

ولكن هل سارت الأمور مع تركيا كما كانوا يشتهون؟
لما أفاقت تلك الأمة قليلا من سباتها، هيأ الله سبحانه وتعالى لها من الأسباب ما يعينها، فعندما وقعت معركة غزة في بداية عام 2009 استغل رجب طيب أردوغان تلك الحرب وبشاعتها في إلغاء المناورة العسكرية في ذلك العام بين تركيا وإسرائيل، واستبدلها بمناورات أخرى بين تركيا وسورية. ثم تطور الأمر بعد الإهانات التي وقعت لسفير تركيا في "الكيان الصهيوني"، حتى أن أردوغان هدد بسحب السفير في حالة عدم الاعتذار، فاضطر الكيان إلى الاعتذار.
بعدها قام باراك وزير الدفاع لدى الكيان الصهيوني إلى زيارة تركيا للتأكيد على عمق العلاقة العسكرية مع تركيا، وهناك تم الترحيب به عسكريا، رغم نبذه على مستوى القيادات السياسية.

وهنا فرصة لاحت لنا في الأفق ينبغي ألا نضيعها. إننا لا يجب أبدا أن نسمح للعلاقات العسكرية بين تركيا و الكيان الصهيوني أن تعود إلى ما كانت عليه من تعاون مشترك ومناورات سنوية، وأن نستغل الفرصة التي هيأها الله لنا لإقامة علاقات قوية مع تركيا، وكسب حليف قوي إلى جانبنا بدلا من بقاءه في صف الكيان الصهيوني، هذا بالإضافة إلى كونها خطوة جيدة جدا لبناء سيطرة على الجانب الشرقي للبحر المتوسط كما أوضحنا سابقا.

ولكن كيف ذلك؟
إذا نجحنا في إستبدال المناورات بين تركيا والكيان الصهيوني، بأخرى بين مصر وتركيا تعيننا عليه الحالة السياسية والاحتقان الشعبي في تركيا ضد الكيان الصهيوني، بالإضافة إلى شعبية أردوغان الكبيرة، لكان ذلك خطوة كبيرة جدا في طريق استعادة بعض الأوراق المفقودة.

ولكن ما هي فوائد تطوير العلاقة بين مصر و تركيا:
• الفائدة الاستراتيجية الكبيرة للسيطرة البحرية على جزء هام من البحر المتوسط وتأمين حدود مصر الشمالية.
• استعادة مصر لبعض الأوراق في تعاملها مع ملف الكيان الصهيوني بعد أن فقدت كل الأوراق (أو أوشكت). وإلا فكيف تتعامل مصر مع ملفات مثل سعي الكيان الصهيوني للسيطرة على منابع النيل، بالإضافة إلى سعيهم لتطويق قناة السويس عن طريق تكوين تحالف مع دولة منشقة عن الصومال "أرض الصومال" في محاولة للسيطرة على مضيق باب المندب. إنهم ببساطة يحاولون الالتفاف حولك، فقم أنت أيضا بالالتفاف حولهم.
• إذا لم تقم مصر بتلك الخطوة، فهناك احتمال كبير أن يسيطر الكيان الصهيوني بشكل أو بآخر على البحر المتوسط، وذلك يعني استراتيجيا وقوع الجانب المصري أسيرا بشكل أكبر للمشروع الصهيوني. إنها ورقة ضغط كبيرة جدا يمكن أن يمتلكها الكيان الصهيوني، يمكنك أن تحرمه منها إذا أحسنت التصرف.
• كسب حليف قوي إلى جوارك بعد أن كان إلى جوار عدوك.
• يمكن لمصر الاستفادة من تبادل تجاري كبير مع تركيا يحقق لها قفزة اقتصادية خاصة وأنهم مرتبطون بخط بحري مباشر كما يتضح بالخريطة.
• هذا بالإضافة إلى تعاون على كافة الأصعدة يفيد مصر في استخلاص الفوائد من التجربة التركية.
• يمكن لمصر الاستفادة من الخبرات العسكرية التركية في تطوير جيشها.

فما هي الفوائد التي تعود على تركيا:
• أولا تمكين أردوغان من حفظ جيشه من عملية الغزو الفكري، مما ييسر له استقرار الدولة واستمرار مسيرة النهضة. وحقيقة إن اختلفنا في بعض النقاط مع أردوغان كإسلاميين، إلا أننا يجب أن ندعمه في مواجهته مع العلمانيين (تماما كما يجب علينا أن نبين الحدود الشرعية حتى لا يختلط الحق بالباطل).
• تتمكن تركيا من توطيد سيطرتها على البحر المتوسط.
• تتمكن تركيا من اكتساب رضا في الأوساط الشعبية الإسلامية، مما يخلق لها سوقا تجاريا كبيرا.

ولا ننسى أن نذكر الفوائد على أهلنا في فلسطين:
• امتلاك مصر لأوراق أكثر في محادثاتها مع الكيان الصهيوني، سيجعل سقف التنازلات المطلوبة من أهل فلسطين أقل، مما سيعطيهم مساحة حرية أكبر. طبعا نحن نطالبهم بالثبات وعدم تقديم أي تنازلات شرعية، وبكل تأكيد تخفيف الضغط سييسر لهم ذلك بإذن الله تعالى.
• وضع اليهود في فلسطين تحت ضغط نفسي وخوف من الحصار، مما يجعلهم يتذكرون عقدة المتسادا التاريخية (سنفرد لعقدة المتسادا مقالا مستقلا بإذن الله تعالى). هذا الخوف والرعب سيقلل من الهجرة إلى الكيان الصهيوني، بل وقد يشجع الهجرة العكسية إلى خارج الكيان، وهذا بلا شك يصب في مصلحة فلسطين.

إنها بكل بساطة صفقة رابحة لكل الأطراف الإسلامية، ويسمح سقف إمكانياتها بتنفيذها، فهل من مجيب؟

اللهم كن عونا لإخواننا في فلسطين. اللهم فك أسر المسجد الأقصى الأسير، وارزقنا صلاة فيه يا أكرم الأكرمين.

والله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

محمد نصر