قواعد الخلق الحسن

الخلق الحسن من الغايات الأساسية للإسلام، ومن الثمرات المرتجاة للإيمان، ولما امتدح ربُّنا جلَّ وعلا نبيَّه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}

  • التصنيفات: محاسن الأخلاق -

معاشر المؤمنين؛ الخلق الحسن من الغايات الأساسية للإسلام، ومن الثمرات المرتجاة للإيمان، ولما امتدح ربُّنا جلَّ وعلا نبيَّه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].

 

وحسن الخلق هو من أوسع أبواب دخول الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: «ما من شيءٍ أثقلُ في ميزانِ المؤمنِ يومَ القيامةِ من خُلُقٍ حسنٍ، وإنَّ اللهَ يُبغضُ الفاحشَ البذيءَ»، وقال صلى الله عليه وسلم: «أكمَلُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا»، ووعد بأعلى الدرجاتِ في الجنة لمن اتَّصَف بحُسْن الخُلُق، قال صلى الله عليه وسلم:  «أنا زعيمٌ ببيتٍ في أعلَى الجنةِ لمن حَسُن خُلُقُه»؛ (رواه أبو داود) .

 

معاشر المؤمنين، ربما تساءل البعض وقال: إننا نسمع كثيرًا عن فضلِ الخلق الحسن، ونعلم عن فضائله، ولكن السؤال الأهم: كيف نحققه في أنفسنا وأهلينا؟ وما هو المنهج العملي للإصلاح الأخلاقي والسلوكي؟

 

نقول -وبالله التوفيق-: إن تحقُّقَ ذلك البناء الأخلاقي المنشود هو بتطبيق قواعد أخلاقية معينة، هي أساسُ ذلك البناء، وهي بمثابةِ الأركان والقواعد التي يُبنى عليها البناء، عليها يُشيَّد، ومنها يعلو ويتنامى، فما هي تلك القواعد عباد الله؟

 

إنها أربعة أحاديث، عليها مدار الأخلاق الحسنة، وهي بمثابة المنهج العملي لبناء الأخلاق وإصلاحها.

 

استمعوا لها عباد الله واحفظوها وحفِّظُوها لأبنائكم وبناتكم، وأوَّل تلك الأحاديث هي قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت»؛ الحديث (رواه البخاري ومسلم).

 

نعم عباد الله من ملك عليه لسانَه ملك أخلاقه، فإنَّما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، والجوارح تبَعٌ لهما، وجاء في الحديث «إذا أصبح ابنُ آدمَ، فإنَّ الأعضاءَ كلَّها تكفِّر اللسانَ، فتقول: اتقِ اللهَ فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمتَ استقَمْنا، وإنِ اعوجَجْتَ اعْوَجَجْنا»؛ (الترمذي- حسن)، والحديث الآخر «ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ»؛ (مسلم).

 

أما الحديث الثاني فهو قوله صلى الله عليه وسلم «من حُسْنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ»، فالفضول آفةٌ خُلُقية واجتماعية، وهذا الحديث يُربِّي المسلمَ على ترك التتبُّع عمَّا لا يَخُصُّه ولا يُهِمُّه ولا يُفيدُهُ مِن الأقْوالِ والأفْعالِ، ويحثه على عَدَمِ تدخُّلِه في شُؤونِ غَيرِهِ، وعدَمِ تَطفُّلِهِ على غَيرِهِ فيما لا يَنفَعُهُ، ذلك الفضول الذي لا يعود عليه غالبًا إلا بالشَّرِّ، ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى هذه القاعدة الخُلُقية مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.

 

أما الحديث الثالث، عباد الله، فهو "أنَّ رجلًا قال: يا رسولَ اللهِ، قُلْ لي قولًا وأَقْلِلْ لعلِّي أعِيه، قال: «لا تغضبْ»، فأعاد عليه مرارًا، كلُّ ذلك يقولُ: «لا تغضَبْ».

 

ونِعْمَ الوصية هذه، فإن الشيطانَ، عباد الله، له بوابتان على ابن آدم: بوابةُ الشهوة، وبوابةُ الغضب، فإن الغضبَ إذا تمكَّن من المرء طاش عقلُه، وساء خلقه، وتمكَّن منه شيطانه؛ ولذلك أوصى صلى الله عليه وسلم من أخذه الغضب بالاستعاذة من الشيطان الرجيم، فقد استَبَّ رجُلانِ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأحدُهما يسُبُّ صاحبَه مغضَبًا قد احمَرَّ وجهُه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنِّي لَأعلَمُ كلمةً لو قالها لذهَب عنه ما يجِدُ: أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ».

 

 

معاشر المؤمنين، أما الحديث الرابع لهذه القواعد الأخلاقية فهو قوله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، وهذا الحديث العظيم هو الترجمةُ العمليةُ للأخوَّةِ الإيمانية بين المسلمين، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10].

 

وإذا حقق المسلمون هذا الحديث في علاقاتهم الاجتماعية، فلن يقع ظُلْمٌ ولا بَغْيٌ ولا عدوان، ولن تتفشَّى الغيبةُ والنميمةُ والسخريةُ وسوءُ الظن بينهم؛ لأن المرءَ لا يرضى تلك الآفات على نفسه، فلن يرضاها لغيره؛ ولذلك جاء التوجيه النبوي لهذا الأمر بقوله صلى الله عليه وسلم: «فمَنْ أحَبَّ أن يُزحزَح عن النار ويدخلَ الجنة، فلتأتِه منيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يُؤتى إليه»؛ (مسلم).

 

تلكم عباد الله قواعد البناء الأخلاقي القويم ومنهج الإصلاح السلوكي، حرِيٌّ بنا أن نعمل بها، ونُربِّي عليها أبناءنا لنحيا معهم الحياة الطيبة، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].

________________________________________________
الكاتب: يحيى سليمان العقيلي