قصة حياتك في سورة الإنسان

سورة الإنسان تُبيِّن لك أصلك ونشأتك، ورحلة حياتك في الدنيا، ثم مصيرك في الحالتين؛ لتكون على بينة من أمرك، وتختار الطريق المستقيم الموصِّل لذلك النعيم.

  • التصنيفات: القرآن وعلومه - التفسير -

تفتح مصحفك، وتتجول بقلبك بين سور المفصَّل، فإذا بعين قلبك تقع على تلك السورة الجليلة، سورة تلخِّص قصة حياتك في بضع آيات، تصحِّح لك تصوراتك وأفكارك، تنقُلك إلى عوالمَ وأزمنة ماضية، لم تكن تعلم بها، وعوالم أخرى حاضرة تعيشها الآن، ثم حياة مستقبلة خالدة، كأنك تدخل بقلبك إلى آلة الزمن، مرة لماضٍ غابر، ومرة لحاضر واقع، ومرة لمستقبل لم يأتِ بعدُ.

 

سورة تعرِّفك على ماضيك وحقيقتك، ترسم لك خاطرة طريق لحياتك منذ بداياتها إلى منتهاها، تصحِّح بوصلة قلبك، وتُعدِّل مساره.

 

تبدأ بسؤال يضَعك أمام نفسك، هل كنت من قبل شيئًا؟ لا، بل كنت غير مذكور، لم يكن أحد يعلم أن هناك خلقًا سيُخلق اسمه الإنسان.

 

ألَا تعلم أن بدايتك من ماء مهين مُسْتَقْذَر، من ماء أبيك وأمِّك، ثم تستقر في رحِمِ أمك، وليس لك في نفسك شيء، ولكن عناية الله ترعاك وتحفظك في هذه الظلمات، ثم بعد بضعة أشهر تخرج للدنيا سميعًا بصيرًا مكتملَ الأعضاء، فلماذا تتكبر وترى لنفسك فضلًا في شيء؟ ما الذي يغرك بربك لتعصيه وقد خلقك من ماء مهين؟

 

ثم تلخص السورة الهدف من حياتك في كلمة {نَبْتَلِيهِ} [الإنسان: 2]، خُلِقت على هذه البسيطة لتُبْتَلَى، لتُفتَن، لتُخْتبر، فحياتك ليست دار مقامة ولا استقرار، ولكنها مرحلة في رحلتك اللامنتهية.

 

فإذا بك أمام طريقين لا ثالث لهما؛ إما أن تكون شاكرًا، وإما أن تكون كَفورًا، وعليك الاختيار.

 

ولكن هل ستتركك السورة دون أن توضِّح لك مصيرَ كلِّ طريق من الطريقين؟

 

كلا، بل وضحت ذلك غاية الإيضاح، فالكافرون لهم السلاسل والأغلال والسعير، فهل ستختار ذلك الطريق الصعبة نهايته، أم ستختار الآخر؛ حيث النعيمُ والدَّعَة والرفاهية، حيث الراحة البدنية والنفسية، حيث النضرة والسرور، والجمال والحُبُور؟

 

هناك في الجنة حيث الشراب الطَّهور من العيون الجارية التي تفجِّرها بنفسك، بعضها مِزاجه الكافور، والآخر مزاجه الزنجبيل، هناك حيث الظلال الوارفة، والقطوف الدانية، والأرائك المزيَّنة بالستور، حيث الأواني والكؤوس الفَضية الناعمة التي تشبه القوارير، حيث الوِلْدَان الْمُخَلَّدون الذين يقومون بخدمتك، كأنهم لؤلؤٌ منثورٌ في حُسْنِهم وجمالهم، هناك وما أدراك ما هناك؟! حيث تلبَس الحرير من السُّنْدس والإستبرق، حيث تلبَس الأساور من الفضة اللامعة.

 

ثم بعد هذا التفصيل من النعيم تتركك السورة تدور بمخيلتك في باقي التفاصيل التي لم تُذكَر بعدُ: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان: 20].

 

ثم تبين لك السورةُ السُّبُلَ الموصِّلة لذلك النعيم المقيم في الجنة؛ السعي والتمسك بالقرآن، والصبر على حكم الله القدري؛ أي الصبر على أقدار الله، والصبر لحكم الله الديني؛ أي الصبر على الطاعات، والصبر عن المعاصي، وعدم طاعة أصحاب الكفر والإثم من الفُجَّار والفُسَّاق، والمحافظة على الذكر صباحًا ومساءً، وكذلك الصلوات المكتوبات، والسجود، والتسبيح، وإطعام الطعام لوجه الله، دون انتظار جزاءٍ من الخَلْق.

 

ثم تنتقل السورة لتصحيح مفهومك عن هذه الحياة القصيرة، فتقول لك: إنها عاجلة، لا تستمر كثيرًا، ووراءها يوم ثقيل، عبوس قمطرير، يومٌ شرُّه مُسْتَطِير.

 

فهذا اليوم أحقُّ أن تعمل له، فلا تغرنَّك الحياة الدنيا، وتنسِك يومك الطويل.

 

فما تلبث أن تنتهي قصتك في هذه الحياة سريعًا، وتنتقل إلى الحياة الدائمة الخالدة؛ حيث يُذبَح الموت، فإما إلى جنة، وإما إلى نار.

 

فانظر أيهما تفضِّل؟

 

فما هذه السورة العظيمة إلا تذكرة لك لتختار طريقك على بينة، فيحيا من حيَّ عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.

 

ولكن تذكر أنك لا تدخل الجنة بعملك، ولكن بفضل الله ومشيئته ورحمته سبحانه، فتضرَّع إليه وخُذْ بأسباب النجاة، يكتبها الله لك برحمته.

 

وهكذا كانت سورة الإنسان تُبيِّن لك أصلك ونشأتك، ورحلة حياتك في الدنيا، ثم مصيرك في الحالتين؛ لتكون على بينة من أمرك، وتختار الطريق المستقيم الموصِّل لذلك النعيم.