فضائل المسجد الأقصى المبارك

إن مما لا ريب فيه أن للمسجد الأقصى مكانةً عاليةً، ومنزلةً رفيعةً في شرعنا الحنيف، وفي قلوب المسلمين عمومًا؛ حيث إن المسجد الأقصى المبارك ليس كغيره من المساجد، لكونه يمتاز بفضائلَ وخصائصَ لم تكن لغيره من المساجد

  • التصنيفات: - آفاق الشريعة -

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فإن مما لا ريب فيه أن للمسجد الأقصى مكانةً عاليةً، ومنزلةً رفيعةً في شرعنا الحنيف، وفي قلوب المسلمين عمومًا؛ حيث إن المسجد الأقصى المبارك ليس كغيره من المساجد، لكونه يمتاز بفضائلَ وخصائصَ لم تكن لغيره من المساجد، وكل هذه الخصائص والفضائل مبثوثة في النصوص الشرعية من كتاب ربنا جل وعلا، وسُنَّةِ نبينا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم.

 

وتشمل أحكام المسجد الأقصى كامل الساحة الشريفة التي تحويها أسواره، وليس فقط بما يسمى اليوم المسجد القبلي أو مسجد الصخرة، فجميع ما في داخل السور هو من المسجد الأقصى.

 

يقول الإمام مجير الدين الحنبلي: "إن المتعارف عند الناس أن الأقصى من جهة القبلة، الجامع المبني في صدر المسجد الذي فيه المنبر والمحراب الكبير، وحقيقة الحال أن الأقصى اسم لجميع المسجد مما دار عليه السور، فإن هذا البناء الموجود في صدر المسجد وغيره من قبة الصخرة والأروقة وغيرها محدَثة، والمراد بالمسجد الأقصى جميع ما دار عليه السور"؛ [الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل، (2/24)].

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإن المسجد الأقصى اسم لجميع المسجد الذي بناه سليمان عليه السلام، وقد صار بعض الناس يسمي الأقصى المصلَّى الذي بناه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مَقْدِمِه، والصلاة في هذا المصلى الذي بناه عمر للمسلمين أفضل من الصلاة في سائر المسجد"؛ (مجموع الفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، (27/11).

 

وتبلغ مساحة المسجد الأقصى المبارك (144 ألف متر مربع)؛ أي: ما يعادل نحو سدس البلدة القديمة، وتبلغ أطوال سوره: (491م) من الغرب، و(462م) من الشرق، و(310م) من الشمال، و(281م) من الجنوب، وإن هذه الفضائل تدل على رفيع مكانته وعظيم قدره؛ ومنها:

أولًا: المسجد الأقصى هو أحد المساجد الثلاثة المفضَّلة التي لا يجوز شدُّ الرحال بنية التعبد إلا إليها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى»؛ (أخرجه البخاري، (1189).

 

ثانيًا: المسجد الأقصى المبارك هو ثاني مسجد وُضِع في الأرض؛ فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: ((قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام»، قال: قلت: ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى»، قلت: كم كان بينهما؟ قال: «أربعون سنةً، ثم أينما أدركتك الصلاة بعدُ فصلِّه، فإن الفضل فيه»؛ (أخرجه مسلم، (520).

 

ثالثًا: المسجد الأقصى المبارك هو قبلة المسلمين الأولى قبل نسخ القبلة، وتحويلها إلى الكعبة المشرفة؛ فعن البراء رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يُوجَّه إلى الكعبة، فأنزل الله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}  [البقرة: 144]، فتوجَّه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس، وهم اليهود: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}  [البقرة: 142]، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ، ثم خرج بعدما صلى، فمرَّ على قوم من الأنصار في صلاة العصر، نحو بيت المقدس، فقال: هو يشهد: أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه توجَّه نحو الكعبة، فتحرَّف القوم، حتى توجهوا نحو الكعبة))؛ (أخرجه البخاري، (399).

 

رابعًا: ومن فضائله أنه مسجد في أرض مباركة؛ قال الله تبارك وتعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}  [الإسراء: 1].

 

وقيل: لو لم تكن له فضيلة إلا هذه الآية، لكانت كافية، وبجميع البركات وافية؛ لأنه إذا بُورِكَ حوله، فالبركة فيه مضاعفة.

 

خامسًا: إن أرض بيت المقدس هي أرض المحشر والْمَنْشَر؛ ففي الحديث عن أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه، ((أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في بيت المقدس أفضل أو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولَنِعْمَ المصلى، هو أرض المحشر والمنشر، وليأتينَّ على الناس زمان ولَقِيدُ سوط - أو قال: قوس الرجل - حيث يرى منه بيت المقدس خيرٌ له، أو أحبُّ إليه من الدنيا جميعًا»؛ (صحيح الترغيب، الألباني، (1179).

 

سادسًا: إن بيت المقدس هو مسرى رسول صلى الله تعالى عليه وسلم ومنه معراجه؛ ففي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( «(أُتيتُ بالبُراق؛ وهو دابة أبيض طويل، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فركِبتُه حتى أتيت بيت المقدس، قال: فربطته بالحلقة التي يربِط به الأنبياء، قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترتُ اللبن، فقال جبريل صلى الله عليه وسلم: اخترتَ الفطرة، ثم عُرج بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعِث إليه؟ قال: قد بُعِث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بآدمَ، فرحَّب بي ودعا لي بخير، ثم عُرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل عليه السلام، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بُعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما، فرحَّبا ودعوا لي بخير، ثم عُرج بي إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بُعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بيوسفَ صلى الله عليه وسلم، إذا هو قد أُعطِيَ شَطْرَ الحُسن، فرحب ودعا لي بخير، ثم عُرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل عليه السلام، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قال: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بُعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بإدريسَ، فرحب ودعا لي بخير؛ قال الله عز وجل: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}  [مريم: 57]، ثم عُرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: وقد بُعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بهارونَ صلى الله عليه وسلم، فرحب ودعا لي بخير، ثم عُرج إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل عليه السلام، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بُعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم، فرحب ودعا لي بخير، ثم عرج إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بُعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بإبراهيمَ صلى الله عليه وسلم، مُسندًا ظهرَه إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف مَلَكٍ لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى، وإنَّ ورقها كآذان الفِيَلَةِ، وإذا ثمرُها كالقِلال، قال: فلما غَشِيَها من أمر الله ما غَشِيَ تغيَّرت، فما أحدٌ من خَلْقِ الله يستطيع أن يَنْعَتَها من حُسْنِها، فأوحى الله إليَّ ما أوحى، ففرض عليَّ خمسين صلاةً في كل يوم وليلة، فنزلتُ إلى موسى صلى الله عليه وسلم، فقال: ما فرَضَ ربُّك على أمَّتِك؟ قلت: خمسين صلاةً، قال: ارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف؛ فإن أمتك لا يطيقون ذلك؛ فإني قد بَلَوتُ بني إسرائيل وخَبَرْتُهم، قال: فرجعت إلى ربي فقلت: يا رب، خفِّف على أُمَّتي، فحطَّ عني خمسًا، فرجعت إلى موسى فقلت: حطَّ عني خمسًا، قال: إن أمَّتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، قال: فلم أزَلْ أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال: يا محمد، إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة، لكل صلاة عشر، فذلك خمسون صلاةً، ومن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبتُ له حسنةً، فإن عمِلها كتبتُ له عشرًا، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها لم تُكتب شيئًا، فإن عمِلها كُتبت سيئةً واحدةً، قال: فنزلت حتى انتهيت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه»؛ (أخرجه مسلم، (162).

 

سابعًا: ومن فضائله أن الصلاة في المسجد الأقصى المبارك تضاعف إلى (250) صلاة على الصحيح من أقوال أهل العلم المحققين؛ ففي الحديث عن أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه: ((أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في بيت المقدس أفضل أو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولَنِعْمَ المصلى، هو أرض المحشر والمنشر، وليأتينَّ على الناس زمان ولَقِيدُ سوط - أو قال: قوس الرجل - حيث يرى منه بيت المقدس خيرٌ له، أو أحبُّ إليه من الدنيا جميعًا»؛ (صحيح الترغيب، الألباني، (1179).

 

ثامنًا: ومن فضائله أن الصلاة في المسجد الأقصى المبارك سببٌ لمغفرة الذنوب بإذن الله تبارك وتعالى؛ لِما ورد في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس، سأل الله ثلاثًا: حُكْمًا يصادف حكمه، ومُلكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وألَّا يأتي هذا المسجد أحدٌ لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمَّا اثنتان فقد أُعطيهما، وأرجو أن يكون قد أُعطِيَ الثالثة»؛ (أخرجه أحمد في مسنده، (6644)، وأخرجه النسائي في السنن، (693)، والألباني في صحيح ابن ماجه، (1164).

 

تاسعًا: لقد كان من تعظيم سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام للأرض المقدسة وبيت المقدس، أن سأل الله تبارك وتعالى عند الموت أن يُدنيه منها؛ ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «أُرسِل مَلَكُ الموت إلى موسى عليهما السلام، فلما جاءه صكَّه، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبدٍ لا يريد الموت، قال: ارجع إليه، فقل له: يضع يده على متن ثور، فله بما غطَّت يده بكل شعرة سَنَةٌ، قال: أي رب، ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن، قال: فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رميةً بحجر»، قال أبو هريرة: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كنتُ ثَمَّ لأريتُكم قبره، إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر»؛ (أخرجه البخاري، (3407).

 

عاشرًا: البشرى بفتح المسجد الأقصى المبارك؛ قال الله تبارك وتعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}  [الإسراء: 7]؛ قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: "أي: بيت المقدس".

 

وتلك من أعلام النبوة أن بشَّر صلى الله عليه وسلم بفتحه قبل أن يُفتح، عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قُبَّةٍ من أَدَمٍ، فقال: «اعدُد ستًّا بين يدَيِ الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم مُوتانٌ يأخذ فيكم كقُعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يُعطَى الرجل مائة دينار فيظل ساخطًا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غايةً، تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا»؛ (أخرجه البخاري، (3167).

 

الحادي عشر: إن المسجد الأقصى المبارك أحب إلى المسلم من الدنيا وما فيها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «... وليأتين على الناس زمان ولَقِيدُ سَوْطٍ - أو قال: قوس الرجل - حيث يرى منه بيت المقدس خيرٌ له أو أحب إليه من الدنيا جميعًا»؛ (أخرجه الطبراني في الأوسط، (8230)، وقال الهيثمي في الزوائد (4/77): رجاله رجال الصحيح، صحيح الترغيب (1179) صحيح).

 

الثاني عشر: لقد حرَص الأنبياء والمرسلون عليهم الصلام والسلام والصالحون كذلك على زيارة المسجد الأقصى، والصلاة فيه، والسكن في بيت المقدس ومجاورة الأقصى؛ فقد زار بيتَ المقدس عمرُ بن الخطاب، وأبو عبيدة، وسعيد بن زيد، وأم المؤمنين صفية، وأبو الدرداء، وسلمان الفارسي، وعمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهم جميعًا، بل إن سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام لما نزلت به الوفاة سأل الله تبارك وتعالى أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر؛ قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر»؛ (أخرجه البخاري، (3407)، ومسلم (23722).

 

الثالث عشر: إن أهل بيت المقدس طائفة على الحق ظاهرة إلى قيام الساعة؛ لِما روى أبو أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أُمَّتي على الدين ظاهرين، لعدوِّهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، قالوا: فأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس»؛ (أخرجه أحمد في مسنده، (22320).

 

الرابع عشر: ومن فضائل المسجد الأقصى المبارك أن من لم يستطع زيارته، فليرسل زيتًا يُضاء به، وليدعم صموده، وصمود أهله؛ ليبقى عزيزًا شامخًا ضد مخططات اليهود؛ ففي الحديث عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ((قلت يا رسول الله: أفْتِنا في بيت المقدس، قال: «أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه؛ فإن صلاةً فيه كألف صلاة في غيره»، قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمَّل إليه؟ قال: «فتُهدي له زيتًا يُسرج فيه، فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه»؛ (فضائل الشام لابن رجب (3/283)، وابن ماجه (1407)، قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/14): وإسناد طريق ابن ماجة صحيح رجاله ثقات، وهو أصح من طريق أبي داود).

 

الخامس عشر: يُعَدُّ بيت المقدس خصوصًا، والشام عمومًا من الأرض المطهرة؛ قال الله تبارك وتعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}  [المائدة: 21]؛ أي: يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة - أي المطهرة، وهي بيت المقدس وما حولها - التي وعد الله تبارك وتعالى أن تدخلوها وتقاتلوا مَن فيها مِن الكفار، ولا ترجعوا عن قتال الجبارين، فتخسروا خير الدنيا وخير الآخرة.

 

السادس عشر: أن المسجد الأقصى المبارك مُهاجَرُ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومَقرُّهم؛ قال الله تبارك وتعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}  [الأنبياء: 71]؛ قال الحافظ ابن كثير في تفسيره عن أُبَيِّ بن كعب في قوله تعالى: {إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}  [الأنبياء: 71]، قال: "الشام، وما من ماء عذب إلا يخرج من تحت الصخرة".

 

وقال الله تبارك وتعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}  [الأنبياء: 81]؛ يعني: الشام؛ وذلك أنها كانت تجري لسليمان عليه السلام وأصحابه حيث شاء سليمان عليه السلام، ثم تعود إلى منزله بالشام.

 

وقال الله تبارك وتعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}  [الأعراف: 137].

 

وقال الله تبارك وتعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ}  [سبأ: 18].

 

وقال الله تبارك وتعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ}  [المؤمنون: 50]؛ قال عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هي بيت المقدس، وهو قول قتادة وكعب، وقال كعب: هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلًا، وقال السدي: أرض فلسطين؛ ذكره البغوي في تفسيره.

 

السابع عشر: لقد أقسم الله تبارك وتعالى بها كأحد الأماكن المقدسة؛ قال الله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}  [التين: 1]؛ قال عكرمة: هما جبلان، وقال قتادة: التين: الجبل الذي عليه دمشق، والزيتون: الجبل الذي عليه بيت المقدس؛ لأنهما يُنْبِتان التين والزيتون.

 

وقال الضحاك: هما مسجدان بالشام، وقال ابن زيد: التين: مسجد دمشق، والزيتون: مسجد بيت المقدس.

والله تعالى أعلى وأعلم.

 

هذا ما تم إيراده، نسأل الله العلي الأعلى أن يحفظ القدس والمسجد الأقصى المبارك وأهله من اليهود الغاصبين المعتدين، وأن يعجِّل بتحريره، وأن يرزقنا الصلاة فيه.

 

والحمد لله رب العالمين.

________________________________________________________
الكاتب: د. كامل صبحي صلاح