إجراء عملية جراحية أو طلب الطلاق

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

أنا متزوجة، وزوجي إنسانٌ طيبٌ، لكنه عنيدٌ في أمورٍ لا تحتمل العناد؛ كان متزوجًا قبل ذلك، وطلَّق زوجته، ولديه طفلة.

تَبَيَّنَ أنَّ لديَّ انسدادًا في الأنابيب، مما ترتَّب عليه تأخُّر الحمل لعامَيْنِ، وعندما طلبتُ منه الذَّهاب لعمل عملية لفتْح الأنابيب؛ حتى يحدثَ الحمل -بإذن الله- رفَض! وأخبرني بأنه لا يريدني أن أعالجَ، ولا يريد الإنجابَ!

فهل إذا ذهبتُ إلى المستشفى دون علمِه أكون مُخطئةً؟ أو أطلب الطلاق؟

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فقد ذكرتِ -أيتها الأخت الكريمة- أنَّ زوجك يتمتع بصفةٍ جامعةٍ شاملةٍ لصفات كثيرة جيدةٍ، وهو كونه طيبًا، فحاولي أن تستثمري تلك الطيبة بفَتْح حوار أسريٍّ هادئٍ في وقت مناسبٍ، لتُبَيِّني له عدة أمور قد تغيب عنه بدافع العناد.

أولها: أن الإنجابَ حق للزوجة كالرجل، ولا فرْقَ؛ قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، فللزوجةِ على زوجها مِن الحقوق والواجبات مثل الذي عليها لزوجِها، ومرجع الحقوق بين الزوجين هو العادة الجارية، والآيةُ دليلٌ على وجوب النفَقة والمعاشَرة، والوطء بالمعروف، ومِن ذلك أيضًا حق الولد، فهذا موجب عقد الزواج.

وقال سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19] مِن الصُّحبة الجميلة، وكفِّ الأذى، وبذْل الإحسان، وحُسن المعامَلة، ويدخُل في ذلك حقُّ الإنجاب، فيجب على الزوجِ لزوجته المعروف مِن مثله لمثلها؛ فلا يجوز له أن يَتَسَلَّطَ ويحرمَها منه، كما لا يجوز للزوجة رفْضُه مع القدرة، فهو حقٌّ مشتركٌ كحُسن العشرة؛ ولذلك أجْمَعَ علماء المسلمين على أن الزوجَ لا يمنع حمله، ولا يعزل عن زوجته إلا بإذنها، فإذا فعل ذلك بدون إذنها، فهو آثمٌ شرعًا، وأتى بما يُنافي المقاصِدَ الشرعية.

ثانيًا: ذكِّريه بالقاعدة الشرعيةِ المُعْتَبَرَة أن الضررَ مَرْفوعٌ، وقاعدة: لا ضرر ولا ضرار، وحرمانُ الزوجة مِن الإنجاب، أو عدم السعي في علاجها لتتمكَّنَ منه مِن أعظم الضرر، ومِن المعلوم عند الفقهاء أنه يحْرُم إلحاقُ الضرَر بالزوجة وبغيرها.

ثالثًا: أجاز جمهورُ العلماء عزْلَ الزوج عن زوجته، واشترطوا إذن الزوجة فيه، ونصُّوا على أنه يحْرُم بدون إذنها، ولا يخفى أن عدم السعي في علاج الزوجة لتصح للإنجاب يُقاس على ذلك، كما قاس العلماءُ وسائل منع الحمل، فكل هذا يحْرُم دون إذن الزوجة.

قال الإمام ابن قُدامة في المغني (7/ 298): "ولا يعزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها، قال القاضي: ظاهرُ كلام أحمد وجوب استئذان الزوجة في العزْل، ويحتمل أن يكونَ مُستحبًّا؛ لأن حقَّها في الوطء دون الإنزال، بدليل أنه يخرج به مِن الفيئة والعنَّة.

وللشافعية في ذلك وجهان، والأولُ أولى؛ لما رُوِيَ عن عُمَرَ -رضي الله عنه- قال: «نهى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن يعزلَ عن الحُرَّة إلا بإذنها»؛ رواه الإمام أحمد في "المسند" وابن ماجه؛ ولأنَّ لها في الولد حقًّا، وعليها في العزْل ضررٌ، فلم يجُزْ إلا بإذنها.

قال أبو عمر ابن عبد البر في "الاستذكار" (6/ 228): "قال مالكٌ: لا يعزل الرجلُ المرأةَ الحرةَ إلا بإذنها، ولا بأس أن يعزلَ عن أَمته بغير إذنها، ومن كانتْ تحته أَمَةُ قوم فلا يعزل إلا بإذنهم.

قال أبو عمر: لا أعلم خلافًا أنَّ الحرة لا يعزل عنها زوجُها إلا بإذنها.

رابعًا: لا يخفى عليك أن استقرار الحياة الزوجية واستمرارها غاية مِن الغايات التي حرَص الإسلامُ وحثَّ عليها، ومِن ثَمَّ شرع الله الحياة الزوجية وأقامها على أساسٍ مِن المودَّة والرحمة، ليتحققَ مِن وراء ذلك أغراضٌ كثيرةٌ، والتي مِن أكبرها تحصيل الولد؛ كما قال تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة: 187]، قال ابنُ عباس -رضي الله عنهما-: هو الولد، وكذا قال أبو هريرة وعِكْرِمة، ومجاهد والحسَن البصري، والضَّحَّاك والسُّدِّي وغيرهم، فتحصيلُ الولد حقٌّ لكلا الزوجين.

وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]، فالزواجُ مِن الآيات الدالة على رحمة الله تعالى وعنايته بعباده، وحكمته العظيمة، وعلمه المحيط؛ فهو سبحانه رتَّب على الزواج من الأسباب الجالبة للمودَّة والرحمة؛ كالاستمتاع واللذة والمنفعة بوجود الأولاد وتربيتهم، فلا تجد في الغالب مودة ورحمة كالتي بين الزوجين، فاصبري على زوجك في النُّصح، وكرِّري المحاوَلة والمناصَحة، ولا تَمَلِّي من التَّكرار؛ فبعضُ الأزواج لا يستجيب إلا بكثرة الإلحاح.

أخيرًا، إن أَصَرَّ زوجُك بعد هذا الحوار على موقفِه، فلا سبيل أمامك إلا توسُّط بعض العُقلاء، مِن الأقارب أو المعارف للتأثير عليه، وإقناعه بضرورة علاجك، أو على الأقل يُمَكِّنك مِن العلاج إن كنتِ قادرةً.