اختلفت مع صديقي في العمل بسبب الأجر

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: محاسن الأخلاق -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شابٌّ أعمل في صيدلية، دعوتُ صديقًا لي للعمل معي في الصيدلية، وكنتُ أعلِّمه المهنة، وكان صديقي هذا يتعلم ويُساعدني في نفس الوقت في البيع واستقبال المرضى.

لم أكن صاحب الصيدلية، بل أنا عامل فيها، وكان صديقي يريد أجرًا على مساعدته لي، وبعد فترة تضايق صديقي وترك الصيدلية بسبب أهله الذين كانوا يوبخونه على أنه يعمل بدون أجر، واتهمني بأنني السبب؛ لأنني لم أطلب من صاحب العمل أن يعطيه أجرًا!

ومنذ ذلك الوقت وصديقي يؤذيني بكلامه، ويتربص بي، ويقول في حقي كلامًا غير صحيح، ومِن ناحيتي لم أكنْ أُريد إيذاءه، بل كنتُ أريد أن أعلِّمه.

فهل له حقٌّ في مقاطعتي؟ ومَن الذي أخطأ في الفَهم أنا أو هو؟

أنا في حيرةٍ مِن أمري، أرجو أن تُفيدوني، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فشكر الله لك - أيها الابن الكريم - حرصك على صديقك، والسعي في مَصلحته، والعمل على عودة الصداقة والحبِّ بينكما، ومِن الظاهر أن الشيطان أوْقَع بينكما؛ فهو أشدُّ ما يكون بين الأخوَيْنِ المتصافيَيْنِ بالتحريش والإيقاع بينهما، وقد نبَّهنا لهذا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول: «إنَّ الشيطان قد أيسَ أن يعبده المصلُّون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم»؛ رواه مسلمٌ عن جابرٍ؛ أي: يسعى في التحريش بين المسلمين بالخُصُومات، والشحناء، والفِتَن، وغيرها، وأمضى سلاحٍ له هو سوء الظن، وتحميل الكلام والمواقف ما لا تحتملُه.

والعلاجُ الناجِعُ لتلك الجَفْوة - سواءٌ كنت أنت المخطئ أو هو، بعد الرغبة الصادقة - هو أن تجلِسَا مع أحد الأشخاص الكِبار ممن يتميَّز بالدينِ والعقل؛ ليفصلَ بينكما، ومهما كان المخطئ فليعتذر لأخيه، ويُبَيِّن له حُسن قصده، وأنه لم يتعمَّد الإضرار به - كما هو ظاهرٌ مِن كلامك - وقد أرشدنا الله تعالى لهذا الحل العظيم في قرآنه الكريم؛ حيث يقول - جلا وعلا -: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114].

قال العلامة السعدي في "تيسير الكريم الرحمن" (ص: 202): "والإصلاحُ لا يكون إلا بين مُتنازعَيْنِ مُتخاصِمَيْنِ، والنِّزاعُ والخِصامُ والتغاضُبُ يُوجب مِنَ الشرِّ والفرقةِ ما لا يُمكن حصرُه؛ فلذلك حثَّ الشارعُ على الإصلاح بين الناس في الدماء والأموال والأعراض، بل وفي الأديان كما قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9].

وقال تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128]، والساعي في الإصلاح بين الناس أفضلُ مِن القانت بالصلاة، والصيام، والصدقة، والمصلح لا بد أن يصلح الله سعيه وعمله.

كما أن الساعي في الإفساد لا يُصلح الله عمله، ولا يتم له مقصوده؛ كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 81]، فهذه الأشياءُ حيثما فُعِلَتْ فهي خيرٌ؛ كما دلَّ على ذلك الاستثناءُ.

جَعَلَنا الله جميعًا مِن المتحابِّينَ فيه.