حديث: "الصُّبحة تمنع الرزق"؟

عبد الله بن عبد العزيز العقيل

  • التصنيفات: شرح الأحاديث وبيان فقهها -
السؤال: جماعة يسألون عن حديث: "الصُّبحة تمنع الرزق"، ما معناه، ومن رواه؟
الإجابة: أما معناه؛ فالصُّبحة: بضم الصاد نوم أول النهار، وهي التي تسميها العامة (الصفرة).

وأما من رواه، فقد ذكر في (كشف الخفا) (1) أنه رواه عبد الله بن الإمام أحمد في (زوائده) (2)، والقضاعي (3) عن عثمان بن عفان مرفوعا، وفي سنده ضعف، وأورده ابن عدي (4) من جهة إسحاق بن أبي فروة، وقال: إنه خلط في إسناده، فتارة جعله عن عثمان، وتارة عن أنس، وجعله في (الأذكار) من كلام بعض السلف، وقال الصغاني (5): موضوع. ورواه أبو نعيم (6)عن عثمان رفعه، وفي الباب عن عائشة قالت: وإن كان شيء يرد الرزق، فإن الصُّبحة تمنع الرزق. مضى في الدعاء. فنهي عن هذا النوم؛ لأنه وقت الذكر، ثم وقت طلب الكسب... قال في (المقاصد) (7): ويشهد له حديث جعفر بن برقان عن الأصبغ بن نباتة عن أنس رفعه: "لا تناموا عن طلب أرزاقكم فيما بين صلاة الفجر إلى طلوع الشمس"، فسئل أنس عن ذلك، فقال: تسبح وتهلل وتكبر وتستغفر سبعين مرة، فعند ذلك ينزل الرزق الطيب، أو قال: يقسم. رواه الديلمي (8). وروى البغوي في (شرح السنة) عن علقمة بن قيس أنه قال: بلغنا أن الأرض تعج إلى الله من نومة العالم بعد صلاة الصبح (9).

وعند الديلمي (10) بسند ضعيف عن علي مرفوعاً: "ما عجت الأرض إلى ربها من شيء كعجيجها من دم حرام، أو غسل من زنا، أو نوم عليها قبل طلوع الشمس". وفي رابع عَشَر "المجالسة" للدينوري عن ابن الأعرابي قال: مر العباس بابنه الفضل، وهو نائم نومة الضحى، فركضه برجله، وقال له: قم، إنك لنائم الساعة التي يقسم الله فيها الرزق لعباده، أَوَمَا سمعت ما قالت العرب فيها؟ قال: وما قالت العرب يا أبت؟ قال: زعمت أنها مكسلة، مهرمة، منساة للحاجة، ثم قال: يا بني، نوم النهار على ثلاثة: نومة الحمق؛ وهو نومة الضحى، ونومة الخلق؛ وهي التي تُروى: "قيلوا فإن الشياطين لا تقيل"، ونومة الخرق، وهي نومة بعد العصر، لا ينامها إلا سكران أو مجنون. انتهى من (كشف الخفا) للعجلوني.

وقال ابن القيم في (زاد المعاد) (11) في الكلام على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النوم واليقظة قال: وأردأ النوم نوم أول النهار، وأردأ منه النوم آخره بعد العصر. ورأى عبد الله بن عباس ابناً له نائماً نومة الصبحة. فقال له: قم، أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق؟!

وقيل: نوم النهار ثلاثة: خُلُق وخرق وحمق، فالخلق: نومة الهاجرة، وهي خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخرق: نومة الضحى، تشغل عن أمر الدنيا والآخرة، والحمق: نومة العصر.

وقال الشاعر:
أَلا إنّ نَوْماتِ الضحى تُوِرثُ الفَتَى *** خَبالاً ونوماتُ العُصير جنون

ونوم الصبحة يمنع الرزق؛ لأن ذلك وقت تَطلب فيه الخليقةُ أرزاقها، وهو وقت قسمة الأرزاق فنومه حرمان، إلا لعارض، أو ضرورة. وهو مضر جداً بالبدن؛ لإرخائه البدن، وإفساده للفضلات، التي ينبغي تحليلها بالرياضة، فيحدث تكسرا وعِيًّا وضعفا. وإن كان قبل التبرز والحركة والرياضة وإشغال المعدة بشيء، فذلك الداء العضال، المولد لأنواع من الأدواء. انتهى من (زاد المعاد).

___________________________________________

1 - (2/ 20، 21).
2 - (1/ 73) برقم (530).
3 - (1/ 73) (مسند الشهاب).
4 - (1/ 321).
5 - هو أول حديث في (الدر الملتقط) له.
6 - (9/ 251).
7 - (المقاصد الحسنة) ص (267).
8 - (اللآلئ المصنوعة) (2/ 157).
9 - هو في (الشعب) (4/ 182)، و(مصنف) عبد الرزاق (11/ 47).
10 - (الفردوس) (6652)، و(الفوائد المجموعة) ص (153).
11 - (4/ 241، 242).