باب ما تلبس المرأة من الثياب في الإحرام

محمد بن إدريس الشافعي

  • التصنيفات: فقه الحج والعمرة -
السؤال: باب ما تلبس المرأة من الثياب في الإحرام
الإجابة: أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه سمعه يقول: "لا تلبس المرأة ثياب الطيب، وتلبس الثياب المعصفرة"، ولا أرى المعصفر طيباً، أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه كان يفتي النساء إذا أحرمن أن يقطعن الخفين حتى أخبرته صفية عن عائشة أنها كانت تفتي النساء أن لا يقطعن، فانتهى عنه.

[قال الشافعي]: لا تقطع المرأة الخفين، والمرأة تلبس السراويل والخفين والخمار والدرع من غير ضرورة كضرورة الرجل، وليست في هذا كالرجل، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء قال: في كتاب علي رضي الله عنه: "من لم يجد نعلين ووجد خفين فليلبسهما"، قلت: أتتيقن بأنه كتاب علي؟ قال: ما أشك أنه كتابه؟ قال: وليس فيه فليقطعهما، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: "من لم يكن له إزار وله تبان أو سراويل فليلبسهما"، قال سعيد بن سالم: لا يقطع الخفان.

[قال الشافعي]: أرى أن يُقطعا، لأن ذلك في حديث ابن عمر، وإن لم يكن في حديث ابن عباس، وكلاهما صادق حافظ، وليس زيادة أحدهما على الآخر شيئاً لم يؤده الآخر، إما عزب عنه وإما شك فيه فلم يؤده، وإما سكت عنه وإما أداه فلم يؤد عنه لبعض هذه المعاني اختلافاً، وبهذا كله نقول إلا ما بينا أنا ندعه، والسنة، ثم أقاويل أكثر من حفظت عنه من أهل العلم تدل على أن الرجل والمرأة المحرمين يجتمعان في اللبس ويفترقان.

فأما ما يجتمعان فيه: فلا يلبس واحد منهما ثوباً مصبوغاً بزعفران ولا ورس، وإذا لم يلبس ثوباً مصبوغاً بزعفران ولا ورس لأنهما طيب، فصبغ الثوب بماء الورد أو المسك أو العنبر أو غير ذلك من الطيب الذي هو أطيب من الورس أو مثله، أو ما يعد طيباً كان أولى أن لا يلبسانه، كان ذلك مما له لون في الثوب أو لم يكن له، إذا كانت له رائحة طيبة توجد والثوب جاف أو رطب، ولو أخذ ماء ورد فصبغ به ثوباً فكان رائحته توجد منه والثوب جاف أو مبلول لأنه أثر طيب في الثوب لم يلبسه المحرمان، وكذلك لو صعد له زعفران حتى يبيض لم يلبسه المحرمان، وكذلك لو غمس في نضوح أو ضياع أو غير ذلك، وكذلك لو عصر له الريحان العربي أو الفارسي أو شيئاً من الرياحين التي كره للمحرم شمها فغمس في مائه لم يلبسه المحرمان، وجماع هذا أن ينظر إلى كل ما كان طيباً لا يشمه المحرم، فإذا استخرج ماؤه بأي وجه استخرج نيئاً كان أو مطبوخاً ثم غمس فيه الثوب فلا يجوز للمحرم ولا للمحرمة لبسه، وما كان مما يجوز للمحرم والمحرمة شمه من نبات الأرض الذي لا يعد طيباً ولا ريحاناً مثل الإذخر والضرو والشيح والقيصوم والبشام وما أشبهه، أو ما كان من النبات المأكول الطيب الريح مثل الأترج والسفرجل والتفاح فعصر ماؤه خالصاً فغمس فيه الثوب فلو توقاه المحرمان كان أحب إليّ، وإن لبساه فلا فدية عليهما، ويجتمعان في أن لا يتبرقعان ولا يلبسان القفازين، ويلبسان معاً الثوب المصبوغ بالعصفر مشبعاً كان أو غير مشبع، وفي هذا دلالة على أن لم يمنع لبس المصبوغ بالورس والزعفران للونه، وأن اللون إذا لم يكن طيباً لم يصنع شيئاً، ولكن إنما نهى عما كان طيباً والعصفر ليس بطيب، والذي أحب لهما معا أن يلبسا البياض، وأكره لهما كل شهرة من عصفر وسواد وغيره، ولا فدية عليهما إن لبسا غير المطيب ويلبسان الممشق وكل صباغ بغير طيب ولو تركا ذلك ولبسا البياض كان أحب إليّ الذي يقتدى به ولا يقتدى به، أما الذي يقتدى به فلما قال عمر بن الخطاب: "يراه الجاهل فيذهب إلى أن الصبغ واحد فيلبس المصبوغ بالطيب"، وأما الذي لا يقتدى به فأخاف أن يساء الظن به حين يترك مستحقاً بإحرامه، وهذا وإن كان كما وصفت فالمقتدى به وغير المقتدى به يجتمعان، فيترك العالم عند من جهل العلم مستحقاً بإحرامه، وإذا رأى الجاهل فلم ينكر عليه العالم رأى من يجهل أنه لم يقر الجاهل إلا وهذا جائز عند العالم، فيقول الجاهل: قد رأيت فلاناً العالم رأى من لبس ثوباً مصبوغاً وصحبه فلم ينكر عليه ذلك.

ثم تفارق المرأة الرجل فيكون لها لبس الخفين ولا تقطعهما، وتلبسهما وهي تجد نعلين، من قبل أن لها لبس الدرع والخمار والسراويل، وليس الخفان بأكثر من واحد من هذا ولا أحب لها أن تلبس نعلين، وتفارق المرأة الرجل فيكون إحرامها في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه، فيكون للرجل تغطية وجهه كله من غير ضرورة، ولا يكون ذلك للمرأة، ويكون للمرأة إذا كانت بارزة تريد الستر من الناس أن ترخي جلبابها أو بعض خمارها أو غير ذلك من ثيابها من فوق رأسها وتجافيه عن وجهها حتى تغطي وجهها متجافياً كالستر على وجهها، ولا يكون لها أن تنتقب، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: "تدلي عليها من جلبابها ولا تضرب به"، قلت: وما لا تضرب به؟ فأشار إليّ كما تجلبب المرأة، ثم أشار إلى ما على خدها من الجلباب، فقال: "لا تغطيه، فتضرب به على وجهها" فذلك الذي يبقى عليها ولكن تسدله على وجهها كما هو مسدولاً، ولا تقلبه ولا تضرب به ولا تعطفه، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال: "لتدل المرأة المحرمة ثوبها على وجهها ولا تنتقب".

[قال الشافعي]: ولا ترفع الثوب من أسفل إلى فوق، ولا تغطي جبهتها ولا شيئاً من وجهها إلا ما لا يستمسك الخمار إلا عليه مما يلي قصاص شعرها من وجهها مما يثبت الخمار، ويستر الشعر لأن الخمار لو وضع على قصاص الشعر فقط انكشف الشعر، ويكون لها الاختمار.

ولا يكون للرجل التعمم ولا يكون له لبس الخفين إلا أن لا يجد نعلين فيلبسهما ويقطعهما أسفل من الكعبين، ولا يكون له لبس السراويل إلا أن لا يجد إزاراً فيلبسه ولا يقطع منه شيئاً، ويكون ذلك لها، ويلبسان رقيق الوشي والعصب ودقيق القطن وغليظه والمصبوغ كله بالمدر، لأن المدر ليس بطيب، والمصبوغ بالسدر وكل صبغ عدا الطيب.

وإذا أصاب الثوب طيب فبقي ريحه فيه لم يلبساه وكان كالصبغ، ولو صبغ ثوب بزعفران أو ورس فذهب ريح الزعفران أو الورس من الثوب لطول لبس أو غيره وكان إذا أصاب واحداً منهما الماء حرك ريحه شيئاً وإن قل لم يلبسه المحرم، وإن كان الماء إذا أصابهما لم يحرك واحداً منهما، فلو غسلا كان أحب إليّ وأحسن وأحرى أن لا يبقى في النفس منهما شيء، وإن لم يُغسلا رجوت أن يسع لبسهما إذا كانا هكذا لأن الصباغ ليس بنجس، وإنما أردنا بالغسل ذهاب الريح، فإن ذهب الريح بغير غسل رجوت أن يجزئ، ولو كان أمره أن لا يلبس من الثياب شيئاً مسه الزعفران أو الورس بحال كان إن مسه ثم ذهب لم يجز لبسه بعد غسلات ولكنه إنما أمر أن لا يلبسه إذا كان الزعفران والورس موجودا في ذلك الحين فيه والله أعلم، وما قلت موجود من ذلك في الخبر، والله أعلم.

[قال]: وكذلك لو صبغ ثوب بعد الزعفران والورس بسدر أو سواد فكانا إذا مسهما الماء لم يظهر للزعفران والورس ريح كان له لبسهما، ولو كان الزعفران والورس إذا مسهما الماء يظهر لهما شيء من ريح الزعفران أو الورس لم يلبسهما، ولو مس زعفران أو ورس بعض الثوب لم يكن للمحرم لبسه حتى يغسل ويعقد المحرم عليه إزاره لأنه من صلاح الإزار، والإزار ما كان معقوداً، ولا يأتزر ذيلين ثم يعقد الذيلين من ورائه ولا يعقد رداءه عليه ولكن يغرز طرفي ردائه إن شاء في إزاره أو في سراويله إذا كان الرداء منشوراً، فإن لبس شيئاً مما قلت ليس له لبسه ذاكراً عالماً أنه لا يجوز له لبسه، افتدى وقليل لبسه له وكثيره سواء. فإن قنع المحرم رأسه طرفة عين ذاكراً عالماً أو انتقبت المرأة أو لبست ما ليس لها أن تلبسه فعليهما الفدية، ولا يعصب المحرم رأسه من علة ولا غيرها فإن فعل افتدى وإن لم يكن ذلك لباساً. أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه قال في المحرم: "يلوي الثوب على بطنه من ضرورة أو من برد"، قال: "إذا لواه من ضرورة فلا فدية"، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن هشام بن حجير عن طاوس قال: رأيت ابن عمر يسعى بالبيت وقد حزم على بطنه بثوب، أخبرنا سعيد بن سالم عن إسماعيل بن أمية أن نافعاً أخبره أن عبد الله بن عمر لم يكن عقد الثوب عليه إنما غرز طرفيه على إزاره، أخبرنا سعيد بن سالم عن مسلم بن جندب قال: جاء رجل يسأل ابن عمر وأنا معه، قال: "أخالف بين طرفي ثوبي من ورائي ثم أعقده وأنا محرم"، فقال عبد الله: "لا تعقد شيئاً"، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كره للمحرم أن يتوشح بالثوب ثم يعقد طرفيه من ورائه إلا من ضرورة، فإن فعل من ضرورة لم يفتد، أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن (رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً محتزماً بحبل أبرق فقال: "انزع الحبل" مرتين)، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء في المحرم: يجعل المكتل على رأسه؟ فقال: "نعم، لا بأس بذلك"، وسألته عن العصابة يعصب بها المحرم رأسه؟ فقال: "لا، العصابة تكفت شعراً كثيراً".

[قال الشافعي]: لا بأس أن يرتدي المحرم ويطرح عليه القميص والسراويل والفرو وغير ذلك ما لم يلبسه لباساً وهو كالرداء، ولا بأس أن يغسل المحرم ثيابه وثياب غيره ويلبس غير ما أحرم فيه من الثياب ما لم يكن من الثياب المنهي عن لبسها، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء قال: "وليلبس المحرم من الثياب ما لم يهل فيه"، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بالممشق للمحرم بأساً أن يلبسه، وقال: إنما هو مدرة، أخبرنا سعيد بن سالم قال الربيع: أظنه عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بأساً أن يلبس المحرم ساجاً ما لم يزره عليه فإن زره عليه عمداً افتدى كما يفتدي إذا تقمص عمداً.

[قال الشافعي]: وبهذا نأخذ.

[قال الشافعي]: أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء أنه كان لا يرى بلبس العصفر والزعفران للمحرم بأساً ما لم يجد ريحه.

[قال الشافعي]: أما العصفر فلا بأس به، وأما الزعفران فإذا كان إذا مسه الماء ظهرت رائحته فلا يلبسه المحرم، وإن لبسه افتدى، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج قال أخبرني الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة أنها قالت: كنا عند عائشة، إذ جاءتها امرأة من نساء بني عبد الدار، يقال لها: "تملك"، فقالت: يا أم المؤمنين، إن ابنتي فلانة حلفت أنها لا تلبس حليها في الموسم، فقالت عائشة: "قولي لها إن أم المؤمنين تقسم عليك إلا لبست حليك كله"، أخبرنا سعيد عن موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة وعبد الله بن دينار قالا: من السنة أن تمسح المرأة يديها عند الإحرام بشيء من الحناء ولا تحرم وهي عفا.

[قال الشافعي]: وكذلك أحب لها.

[قال]: إن اختضبت المحرمة ولفت على يديها رأيت أن تفتدي وأما لو مسحت يديها بالحناء فإني لا أرى عليها فدية وأكرهه، لأنه ابتداء زينة، أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أن ناساً سألوه عن الكحل الإثمد للمرأة المحرمة الذي ليس فيه طيب قال أكرهه لأنه زينة وإنما هي أيام تخشع وعبادة.

[قال الشافعي]: والكحل في المرأة أشد منه في الرجل، فإن فعلا فلا أعلم على واحد منهما فدية، ولكن إن كان فيه طيب فأيهما اكتحل به افتدى، أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن أيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر أنه إذا رمد وهو محرم أقطر في عينيه الصبر إقطاراً، وأنه قال: يكتحل المحرم بأي كحل إذا رمد، ما لم يكتحل بطيب، ومن غير رمد، ابن عمر القائل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأم - كتاب الحج.