ما يوجب الوضوء وما لا يوجبه

محمد بن إدريس الشافعي

  • التصنيفات: فقه الطهارة -
السؤال: ما يوجب الوضوء وما لا يوجبه (ما هي موجبات الوضوء)؟
الإجابة: [قال الشافعي‏] رحمه الله تعالى: قال الله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم} الآية.

[قال الشافعي]: فكان ظاهر الآية أن من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ، وكانت محتملة أن تكون نزلت في خاص فسمعت من أرضى علمه بالقرآن يزعم أنها نزلت في القائمين من النوم.

قال: وأحسب ما قال كما قال؛ لأن في السنة دليلاً على أن يتوضأ من قام من نومه، أخبرنا سفيان عن الزهري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده"، أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإنه لا يدري أين باتت يده"، أخبرنا سفيان، قال: أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده".

[قال الشافعي‏] رحمه الله تعالى: فمن نام مضطجعاً وجب عليه الوضوء؛ لأنه قائم من مضطجع.

[قال]: والنوم غلبة على العقل، فمن غلب على عقله بجنون أو مرض مضطجعاً كان أو غير مضطجع وجب عليه الوضوء؛ لأنه في أكثر من حال النائم، والنائم يتحرك الشيء فينتبه، وينتبه من غير تحرك الشيء، والمغلوب على عقله بجنون أو غيره يحرك فلا يتحرك.

قال: وإذا نام الرجل قاعداً فأحب إليّ له أن يتوضأ.

قال: ولا يبين لي أن أوجب عليه الوضوء، أخبرنا الثقة عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء فينامون -أحسبه قال: قعوداً- حتى تخفق رءوسهم!! ثم يصلون ولا يتوضئون، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان ينام قاعداً ثم يصلي ولا يتوضأ.

[قال الشافعي]: وإن نام قاعداً مستوياً لم يجب عليه عندي الوضوء؛ لما ذكرت من الآثار، وإن معلوماً إن كانت الآية نزلت في النائمين أن النائم مضطجع، وأن معلوماً أن من قيل له: "فلان نائم" فلا يتوهم إلا مضطجعاً، ولا يقع عليه اسم النوم مطلقاً إلا أن يكون مضطجعاً، ونائم قاعداً بمعنى أن يوصل فيقال: "نام قاعداً" كما يقال نام عن الشيء كان ينبغي أن ينتبه له من الرأي لا نوم الرقاد، وإن النائم مضطجعاً في غير حال النائم قاعداً؛ لأنه يستثقل فيغلب على عقله أكثر من الغلبة على عقل النائم جالساً وأن سبيل الحدث منه في سهولة ما يخرج منه وخفائه عليه غير سبيله من النائم قاعداً.

قال: وإن زال عن حد الاستواء في القعود نائماً وجب عليه الوضوء؛ لأن النائم جالساً يكل نفسه إلى الأرض ولا يكاد يخرج منه شيء إلا ينتبه وإذا زال كان في حد المضطجع بالموضع الذي يكون منه الحدث.

[قال]: وإذا نام راكعاً أو ساجداً وجب عليه الوضوء؛ لأنه أحرى أن يخرج منه الحدث فلا يعلم به من المضطجع.

[قال]: ومن نام قائماً وجب عليه الوضوء؛ لأنه لا يكل نفسه إلى الأرض وأن يقاس على المضطجع بأن كلا مغلوب على عقله بالنوم - أولى به من أن يقاس على القاعد الذي إنما سلم فيه للآثار وكانت فيه العلة التي وصفت من أنه لا يكل نفسه إلى الأرض.

[قال]: والنوم الذي يوجب الوضوء على من وجب عليه الوضوء بالنوم الغلبة على العقل كائناً ذلك ما كان، قليلاً أو كثيراً، فأما من لم يغلب على عقله من مضطجع وغير ما طرق بنعاس أو حديث نفس فلا يجب عليه الوضوء حتى يستيقن أنه أحدث.

قال: وسواء الراكب السفينة والبعير والدابة والمستوي بالأرض متى زال عن حد الاستواء قاعداً أو نام قائماً أو راكعاً أو ساجداً أو مضطجعاً وجب عليه الوضوء، وإذا شك الرجل في نوم وخطر بباله شيء لم يدر أرؤيا أم حديث نفس فهو غير نائم حتى يستيقن النوم، فإن استيقن الرؤيا ولم يستيقن النوم فهو نائم وعليه الوضوء، والاحتياط في المسألة الأولى كلها أن يتوضأ، وعليه في الرؤيا ويقين النوم وإن قلّ الوضوء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأم - كتاب الطهارة.