العمل في المحاكم الَّتي تَحْكم بالقوانين الوضْعيَّة

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: العقيدة الإسلامية - فقه المعاملات - الواقع المعاصر -
السؤال:

أنا موظَّف بسيط أعمل في مَحْكمة قضائيَّة جزائريَّة، ما حُكْم العمل في المحاكم القضائيَّة الَّتي تَحْكم بالقوانين الوضْعيَّة؟ علمًا أنَّ كلَّ الشَّعب الجزائري يَحتكِم لهذه المحاكم؟ وهل يَجب طاعة وليّ الأمر؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فالأصْل أنَّه لا يَجوز للمسلِم العملُ في ظلِّ القوانين الوضعيَّة، التي تؤدي إلى تعْطيل الأحْكام الشَّرعيَّة؛ لِما في ذلك من التَّعاوُن على الإثْم والعدوان، الَّذي نهانا الله عنْه بقوله: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].

أمَّا إذا كان العمل فيها بقصْد تحصيل بعْض المصالح، أو تقْليل المفاسد، بالدَّفع عن أصْحاب الحقّ والمظلومين، وإقامة الحجَّة على المتحاكِمِين إلى الطَّاغوت، وبيان بطْلان قوانينِهم وضعْفها، عند مقارنتِها بالأحكام الشَّرعيَّة، أو سدّ مكانٍ يُمكن أن يشغلَه شخصٌ ظالمٌ فاسد، أو ما أشبه ذلك من المقاصد الشَّرعيَّة - فإنَّه يجوز له العمل في تلك الأحْوال؛ لأنَّ الشَّريعة الإسلاميَّة مبناها على تَحصيل المصالح وتكميلها، وتعْطيل المفاسد أو تقْليلها، وترجيح خير الخيرين بتفويت أدْناهما، ودفْع شرِّ الشَّرَّين باحتمال أدناهما.

وعليه؛ فإذا كان العمل الذي تقوم به فيه أي تعاوُن على الإثم، فلا يجوز العملُ فيه، ويجب ترْك ذلك العمل، والبحث عن عمَلٍ آخَر ليس فيه محاذير شرعيَّة.

وننبِّه السَّائل الكريم إلى أنَّ منِ اتَّقى الله تعالى فلن يضيِّعه، وسيجْعل له من كلِّ ضيقٍ فرجًا؛ كما قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3].

وأنَّ ما كتبه الله تعالى للإنسان من رزقٍ سيصل إليْه لا محالة، وما عند الله تعالى لا ينال إلاَّ بطاعته قال تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها}.

أما طاعة ولي الأمر فواجبة في المعروف، فإن أمر بمعصية، فلا سمعَ ولا طاعة؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ وقد سبق بيان ذلك مفصلاً في فتوى: "الحرب على دولة مسلمة"،، والله أعلم.