توجيهات إسلامية لزوار المدينة النبوية

الإسلام سؤال وجواب

  • التصنيفات: فقه الحج والعمرة -
السؤال:

أعرف مجموعة من الإخوة سيقومون بزيارة المسجد النبوي بعد حجهم هذا العام، ويريدون منكم النصيحة والتوجيه.

الإجابة:

الحمد لله
أيها الوافدون على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدِمتم خير مقدَم، وغنمتم خيرَ مغنم، وطاب في طيبة بقاؤكم، وتقبّل الله صالح أعمالكم، وبلّغكم خير آمالكم، حُيِّيتم في دار الهجرة والنصرة بلد المصطفى المختار، ومهاجَر الصحابة الأخيار، وديار الأنصار.

وهذه توجيهات يسيرة لمن أراد زيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
1- أيها الوافدون لطابة، إنكم في بلد هي بعد مكة خير البقاع، وأشرف الأماكن والأصقاع، فاعرفوا حقَّها، واقدروا قدرها، وراعوا حرمتَها وقداستها، وتأدبوا فيها بأحسن الآداب، واعلموا أن الله توعد من أحدث فيها بأشدِّ العذاب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي أنه قال: "المدينة حرم، فمن أحدث فيها حدثًا أو آوى محدِثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلاً" (رواه البخاري (1867) ومسلم (1370) واللفظ له).

فمن أتى فيها إثمًا أو آوى من أتاه وضمّه إليه وحماه فقد عرّض نفسه للعذاب المهين وغضب إله العالمين.

وإن من أعظم الإحداث تكدير صفوها بإظهار البدع والمحدثات، وتعكيرها بالخرافات والخزعبلات، وتدنيس أرضها الطاهرة بنشر المقالات البدعية، والكتب الشركية، وما يخالف الشريعة الإسلامية من ألوان المنكرات والمحرمات، والمحِدث والمؤوي له في الإثم سواء.

2- زيارة المسجد النبوي سنة من المسنونات، وليست واجبًا من الواجبات، ليس لها علاقة بالحج ولا هي له من المتمِّمات، وكل ما يُروى من أحاديث في إثبات علاقتها أو علاقة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم بالحج فهو من الموضوعات والمكذوبات، ومن قصد بشدِّ رحله إلى المدينة زيارة المسجد والصلاة فيه فقصده مبرور، وسعيه مشكور، ومن لم يقصد بشدّ رحله إلا زيارة القبور والاستعانة بالمقبور فقصده محظور، وفعله منكور، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُشَدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" رواه البخاري (1189) ومسلم (1397).

وعن جابر رضي الله عنهما، عن رسول الله أنه قال: "إن خير ما رُكبت إليه الرواحل مسجدي هذا والبيت العتيق" أخرجه أحمد (3/350) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1648).

3- الصلاة في مسجد المدينة مضاعفة الجزاء، فرضًا ونفلاً في أصحّ قولي العلماء، يقول عليه الصلاة والسلام: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواها إلا المسجد الحرام" رواه البخاري (1190) ومسلم (1394).

إلا أن صلاة النافلة في البيت أفضل من صلاتها في المسجد حتى ولو كانت مضاعفة، لقوله عليه الصلاة والسلام: "فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" رواه البخاري (731) ومسلم (781).

4- أيها الزائر المكرَّم لهذا المسجد المعظم، اعلم أنه لا يجوز التبرك بشيء من أجزاء المسجد النبوي، كالأعمدة أو الجدران أو الأبواب أو المحاريب أو المنبر، بالتمسح بها أو تقبيلها، كما لا يجوز التبرك بالحجرة النبوية باستلامها أو تقبيلها أو مسح الثياب بها، ولا يجوز الطواف بها، ومن فعل شيئًا من ذلك وجب عليه التوبة وعدم العودة.

5- ويُشرع لمن زار المسجد النبوي أن يُصلي في الروضة الشريفة ركعتين أو ما شاء من النفل لما ثبت فيها من الفضل، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي" رواه البخاري (1196) ومسلم (1391).

وعن يزيد بن أبي عبيد قال: كنت آتي مع سلمة بن الأكوع فيصلِّي عند الأسطوانة التي عند المصحف، أي في الروضة الشريفة، فقلت: يا أبا مسلم، أراك تتحرّى الصلاة عند هذه الأسطوانة! فقال: فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى الصلاة عندها. رواه البخاري (502) ومسلم (509).

والحرص على الصلاة في الروضة لا يسوِّغ الاعتداء على الناس، أو مدافعة الضعاف، أو تخطّي الرقاب.

6- ويُشرع لزائر المدينة والساكن بها إتيان مسجد قباء للصلاة فيه، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم وتحصيلاً لأجر عمرة، فعن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله: "من خرج حتى يأتي هذا المسجد ـ يعني: مسجد قباء ـ فيصلي فيه كان كعدل عمرة" أخرجه أحمد (3/487)، والنسائي (699) وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1180، 1181).

وعند ابن ماجه: "من تطهّر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له أجر عمرة" رواه ابن ماجه (1412).

وفي الصحيحين أن رسول الله كان يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيًا وراكبًا فيصلي فيه ركعتين رواه البخاري (1191) ومسلم (1399).

7- أيها الزائر المكرَّم، لا يُشرع زيارة شيء من المساجد في المدينة النبوية سوى هذين المسجدين: مسجد رسول الله ومسجد قباء، ولا يشرع للزائر ولا لغيره قصد بقاع بعينها، يرجو الخير بقصدها أو التعبد عندها لم يرد في زيارتها دليل من كتاب أو سنة أو فعل الصحابة رضي الله عنهم.

وليس من المشروع تتبع مواطن أو مساجد صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الصحابة الكرام لقصد الصلاة فيها أو التعبد بالدعاء ونحوه عندها، وهو لم يأمر بقصدها، ولم يحث على زيارتها، فعن المعرور بن سويد رحمه الله تعالى قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب، فعرض لنا في بعض الطريق مسجد، فابتدره الناس يصلون فيه، فقال عمر: (ما شأنهم؟!) فقالوا: هذا مسجد صلى فيه رسول الله، فقال عمر: (أيها الناس، إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا، حتى أحدثوها بيعًا، فمن عرضت له فيه صلاة فليصل، ومن لم تعرض له فيه صلاة فليمض) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7550).

ولما بلغ عمر بن الخطاب أن ناسًا يأتون الشجرة التي بُويع تحتها النبي أمر بها فقطعت. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7545).

8- شرع لزوار المسجد النبوي من الرجال زيارةُ قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، للسلام عليهم والدعاء لهم، أما النساء فلا يجوز لهن زيارة القبور في أصح قولي العلماء لما رواه أبو داود (3236) والترمذي (320) وابن ماجه (1575) عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي لعن زائرات القبور" (صححه الألباني في إصلاح المساجد).

ولما رواه الترمذي (1056) عن أبي هريرة أن رسول الله لعن زوارات القبور وقال: "حسن صحيح "، وأخرجه أيضاً أحمد (2/337)، وابن ماجه (1574) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (843) ومشكاة المصابيح (1770).

وصفة الزيارة أن يأتي الزائر القبر الشريف فيستقبله بوجهه ويقول: "السلام عليك يا رسول الله" ثم يتقدم إلى يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر ويقول: "السلام عليك يا أبا بكر" ثم يتقدم قليلاً إلى يمينه قدر ذراع للسلام على عمر بن الخطاب فيقول: "السلام عليك يا عمر".

9- ويُشرع لزوار المدينة من الرجال زيارة أهل بقيع الغرقد وشهداء أحد، للسلام عليهم والدعاء لهم، فعن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا المقابر يقول: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية" أخرجه مسلم في صحيحه (974،975).

10- زيارة القبور إنما شرعت لمقصدين عظيمين:
أولهما: للزائر لغرض الاعتبار والادكار.
وثانيهما: للمزور بالدعاء له والترحم عليه والاستغفار.

ويُشترط لجواز زيارة القبور عدم قول الهُجر وأعظمه الشرك أو الكفر، فعن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر، ولا تقولوا هُـجْرًا" أخرجه النسائي (2033) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (886).
وقد أخرجه مسلم برقم (977) دون قوله: (ولا تقولوا هجراً).

فلا يجوز الطواف بهذه القبور ولا غيرها، ولا الصلاة إليها ولا بينها، ولا التعبد عندها بقراءة القرآن أو الدعاء أو غيرهما، لأن ذلك من وسائل الإشراك برب الأملاك والأفلاك، ومن اتخاذها مساجد حتى ولو لم يُبن عليها مسجد، فعن عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم الموت، طفق يطرح خميصةً على وجهه، فإذا اغتمّ بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: "لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما صنعوا. أخرجه البخاري (436) ومسلم (529).

وقال عليه الصلاة والسلام: "إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد" أخرجه أحمد (1/405). وأصله في البخاري معلقاً: كتاب الفتن، باب ظهور الفتن (7067)، ومسلم: كتاب الفتن، باب قرب الساعة (2949) دون ذكر اتخاذ القبور مساجد.

وعن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" أخرجه مسلم (972). وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" أخرجه أحمد (3/83)، والترمذي (317) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1/320).

وفي حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُصلَّى بين القبور. أخرجه ابن حبان (1698) قال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد (2/27) "رجاله رجال الصحيح".

ولا يجوز السجود على المقابر، بل ذلك وثنية جاهلية، وشذوذ فكري، وتخلف عقلي، ولا يجوز لزائر تلك القبور ولا غيرها التبرك بها بمسحها أو تقبيلها أو إلصاق شيء من أجزاء البدن بها أو الاستشفاء بتربتها بالتمرغ عليها، أو أخذ شيء منها للاغتسال بها، ولا يجوز لزائرها أو غيرها دفن شيء من شعره أو بدنه أو مناديله أو وضع صورته أو غير ذلك مما معه في تربتها لقصد البركة، ولا يجوز رمي النقود أو شيء من الطعام كالحبوب ونحوها عليها، ومن فعل شيئًا من ذلك وجب عليه التوبة وعدم العودة، ولا يجوز تطييبها، ولا القسم على الله بأصحابها، ولا يجوز سؤال الله بهم أو بجاههم وحقهم، بل ذلك توسل محرم من وسائل الشرك، ولا يجوز رفع القبور ولا البناء عليه، لأن ذلك وسيلة إلى تعظيمها والافتتان بها، ولا يجوز بيع طعام أو طيب أو غير ذلك لمن عُلم استخدامه لها في تلك المخالفات العظيمة.

والاستغاثة بالأموات أو الاستعانة بهم أو طلب المدد منهم أو نداؤهم وسؤالهم سدَّ الفاقات وإغاثة اللهفات وجلب الفوائد ودفع الشدائد شركٌ أكبر يخرج صاحبه عن ملة الإسلام، ويجعله من عُبَّاد الأوثان، إذ لا يفرِّج الهموم ولا يكشف الغموم إلا الله وحده لا شريك له جل في علاه: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ. إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 13، 14].

ويقول جل في علاه: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً. أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَـافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 56، 57].