صُكوك المضاربة إحدى البدائل الشرعية للسندات الربوية

حسام الدين عفانه

  • التصنيفات: فقه المعاملات -
السؤال:

ما هي البدائل الشرعية للسندات الربوية، حيث إن إحدى الشركات قد أصدرت سندات ذات أجلٍ لخمس سنوات وتبلغ الفائدة عليها 5% وتهدف إلى تمويل استثمارات طويلة الأجل، فما الحكم الشرعي في ذلك؟

الإجابة:

لا بد أن يُعلم أن النظام الاقتصادي الإسلامي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وقدم الاقتصاد الإسلامي بدائل شرعية كثيرة للمعاملات الربوية المختلفة، ومن ذلك، البدائل الشرعية للسندات الربوية، والمعروف أن السندات هي نوعٌ من الأوراق المالية التي يجري التعامل بها في الأسواق المالية المعاصرة،وتسمى أحياناً شهادات الاستثمار، وهي عبارةٌ عن قرضٍ طويل الأجل تتعهد الشركة المقترضة بموجبه أن تسدد قيمته في تواريخ محددة. المعاملات المالية المعاصرة ص 176. أو هو صكٌ قابلٌ للتداول يمثل قرضاً يعقد عادة بواسطة الاكتتاب العام، وتصدره الشركات أو الحكومات، ويعتبر حامل سند الشركة دائناً للشركة، ويُعطى حاملُ السند فائدةً ثابتةً سنوياً، وله الحق في استيفاء قيمته عند حلول أجل معين. مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 6 جزء 2 ص 1283.

ويلاحظ في تعريف السندات أن السند عبارة عن دين ثابت على الشركة ويستوفي حاملُ السند فائدةً ثابتةً سواء ربحت الشركة أو خسرت، فالسند عبارةٌ عن قرضٍ ربويٍ مهما اختلفت أسماؤُه وتعددت أوصافه. وبناءاً على أن السند قرضٌ ربويٌ فيحرم التعامل بالسندات ما دامت تصدر بفائدة ثابتة معينة.

لذا لا يجوز إصدار السندات ولا تداولها، والقول بتحريم السندات واعتبارها من الربا المحرم، هو مذهب أكثر العلماء والفقهاء المعاصرين، لأن السند قرضٌ على الشركة أو الجهة التي أصدرته لأجل معين وبفائدة معينة ثابتة ومشروطة، وهذا هو ربا النسيئة بعينه الذي حرمته الشريعة الإسلامية، بالنصوص الصريحة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

والقول بتحريم السندات هو القول الفصل في المسألة وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي، فقد جاء في قراره ما يلي: "إن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط، محرمةٌ شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول؛ لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة، ولا أثرَ لتسميتها شهاداتٍ أو صكوكاً استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو ريعاً أو عمولة أو عائداً" مجلة المجمع الفقهي مجلة المجمع 6/2/1273.

إذا تقرر تحريم التعامل بالسندات الربوية فإن البدائل الشرعية لها كثيرة، ومنها الصكوك الإسلامية وهي أنواع كثيرة وأهمها ما يأتي: صكوك الإجارة بنوعيها (التشغيلي والتمويلي) صكوك المشاركة بأنواعها: صكوك شركة الملك،صكوك شركة الأموال، صكوك شركة المضاربة، صكوك شركة المساقاة، صكوك شركة المزارعة، صكوك شركة المغارسة،صكوك الاستصناع وغيرها.

وأكتفي بذكر ما يتعلق بصكوك المضاربة، وهي عبارةٌ عن صكٍ يمثل حصةً شائعةً من مالٍ جمع بقصد استثماره للحصول على ربح، يصدره الشخص المستثمر، بصفته مضارباً؛ أو يصدره شخص آخر لحساب المستثمر، يقبل التداول والتحويل إلى نقود.

وينبغي أن نعرف الفروق الجوهرية بين السندات الربوية والصكوك الاستثمارية:
1ـ السندات بجميع أنواعها تمثل ديناً في ذمة المدين مصدر الصك لصالح دائنه (حامل الصك)، فالعلاقة بينهما علاقة المداينة. وأما الصكوك الاستثمارية فهي تمثل حصةً شائعةً من جميع موجودات المشروع، وبالتالي فالعلاقة بين صاحب الصك، والمصدر هي علاقة المشاركة وليست علاقة المداينة.
2ـ السندات تحدد لها فائدةٌ ثابتةٌ، أو متغيرةٌ من زمنٍ إلى آخر، ولذلك صدرت قرارات المجامع الفقهية بحرمة السندات، لأن تلك الفائدة هي الربا المحرم. وأما صكوك الاستثمار فليست لها فائدةً ثابتةً أو متغيرةً، وإنما الأمر فيها إذا تحقق لها الربح فهي تأخذ نصيبها منه، وإذا خسرت الشركة فإن الموجودات التي يمثلها الصك الاستثماري قد قلًّت، أي أن الصك الاستثماري خاسرٌ بنسبة نصيبه من الخسارة. والخلاصة أن الصك الاستثماري يتأثر بموجودات المشروع سلباً وإيجاباً، ربحاً وخسارةً، في حين أن السند لا يتأثر بأي شيء، وإنما يأخذ صاحبه أصل الدين مع الفائدة المقررة المتفق عليها.
3ـ عند تصفية المشروع يكون لصاحب السند الأولوية في الحصول على قيمة السند وفوائده المتفق عليها، أما الصك الاستثماري فليس له الأولوية، وإنما تصرف له نسبته مما يتبقى من موجودات المشروع بعد سداد الديون، أي أن موجودات المشروع ملكٌ لأصحاب الصكوك وتعود إليهم" صكوك الاستثمار د. علي القرة داغي ص3.

وقد قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي في موضوع سندات المقارضة -المضاربة-وسندات الاستثمار، ما يلي:
أولاً:من حيث الصيغة المقبولة شرعاً لصكوك المقارضة:
1- سندات المقارضة هي أداةٌ استثماريةٌ تقوم على تجزئة رأس مال القراض (المضاربة) بإصدار صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة، ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصاً شائعة في رأس مال المضاربة وما يتحول إليه، بنسبة ملكية كلٍ منهم فيه. ويفضل تسمية هذه الأداة الاستثمارية (صكوك المقارضة).


2- الصورة المقبولة شرعاً لسندات المقارضة بوجه عام، لا بد أن تتوافر فيها العناصر التالية: العنصر الأول: أن يمثل الصك ملكيةَ حصةٍ شائعةٍ في المشروع الذي أصدرت الصكوك لإِنشائه أو تمويله، وتستمر هذه الملكية طيلة المشروع من بدايته إلى نهايته. ويترتب عليها جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعاً للمالك في ملكه، من بيعٍ وهبةٍ ورهنٍ وإرثٍ وغيرها،مع ملاحظة أن الصكوك تمثل رأس مال المضاربة. العنصر الثاني: يقوم العقد في صكوك المقارضة على أساس أن شروط التعاقد تحددها (نشرة الإِصدار) وأن (الإِيجاب) يعبر عنه (الاكتتاب) في هذه الصكوك، وأن (القبول) تعبر عنه موافقة الجهة المصدرة.
ولا بد أن تشمل نشرةُ الإِصدار على جميع البيانات المطلوبة شرعاً في عقد القراض (المضاربة) من حيث بيان معلومية رأس المال وتوزيع الربح مع بيان الشروط الخاصة بذلك الإِصدار على أن تتفق جميع الشروط مع الأحكام الشرعية.

العنصر الثالث: أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب باعتبار ذلك مأذوناً فيه من المضارب عند نشوء السندات مع مراعاة الضوابط التالية:
أ- إذا كان مال القراض المتجمع بعد الاكتتاب وقبل المباشرة في العمل بالمال ما يزال نقوداً، فإن تداول صكوك المقارنة يعتبر مبادلة نقدٍ بنقدٍ، وتطبق عليه أحكام الصرف.
ب- إذا أصبح مال القراض ديوناً، تطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام تداول التعامل بالديون.
ج- إذا صار مال القراض موجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع، فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقاً للسعر المتراضى عليه، على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعياناً ومنافع. أما إذا كان الغالب نقوداً أو ديوناً، فتراعى في التداول الأحكام الشرعية التي ستبينها لائحة تفسيرية توضع وتعرض على المجمع في الدورة القادمة. وفي جميع الأحوال يتعين تسجيل التداول أصولياً في سجلات الجهة المصدرة.

العنصر الرابع: أن من يتلقى حصيلة الاكتتاب في الصكوك لاستثمارها وإقامة المشروع بها هو المضارب، أي عامل المضاربة ولا يملك من المشروع إلا بمقدار ما قد يسهم به بشراء بعض الصكوك فهو ربُّ مالٍ بما أسهم به بالإِضافة إلى أن المضارب شريكٌ في الربح بعد تحققه بنسبة الحصة المحددة له في نشرة الإِصدار، وتكون ملكيته في المشروع على هذا الأساس. وأن يدَ المضارب على حصيلة الاكتتاب في الصكوك وعلى موجودات المشروع هي يدُ أمانةٍ لا يضمن إلا بسبب من أسباب الضمان الشرعية.

3- مع مراعاة الضوابط السابقة في التداول: يجوز تداول المقارضة في أسواق الأوراق المالية إن وجدت بالضوابط الشرعية وذلك وفقاً لظروف العرض والطلب ويخضع لإِرادة العاقدين. كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في فترات دورية معينة بإعلان أو إيجاب يوجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة بشراء هذه الصكوك من ربح مال المضاربة بسعر معين ويحسن أن تستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة وفقاً لظروف السوق والمركز المالي للمشروع. كما يجوز الإِعلان عن الالتزام بالشراء من غير الجهة المصدرة من مالها الخاص، على النحو المشار إليه.


4- لا يجوز أن تشتمل نشرةُ الإِصدار أو صكوك المقارضة على نصٍ بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربحٍ مقطوعٍ أو منسوبٍ إلى رأس المال، فإن وقع النصُ على ذلك صراحةً أو ضمناً بَطَلَ شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل.


5- لا يجوز أن تشتمل نشرةُ الإِصدار ولا صك المقارضة الصادر بناءاً عليها على نص يلزم بالبيع ولو كان معلقاً أو مضافاً للمستقبل. وإنما يجوز أن يتضمن صك المقارضة وعداً بالبيع. وفي هذه الحالة لا يتم البيع إلا بعقد بالقيمة المقدرة من الخبراء وبرضا الطرفين.

6- لا يجوز أن تتضمن نشرة الإِصدار ولا الصكوك المصدرة على أساسها نصاً يؤدي إلى احتمال قطع الشركة في الربح، فإن وقع كان العقد باطلاً.
أ- عدم جواز اشتراط مبلغ محدد لحملة الصكوك أو صاحب المشروع في نشرة الإِصدار وصكوك المقارضة الصادرة بناءاً عليها.
ب- أن محل القسمة هو الربح بمعناه الشرعي، وهو الزائد عن رأس المال وليس الإِيراد أو الغلة. ويعرف مقدار الربح، إما بالتنضيض -التصفية- أو بالتقويم للمشروع بالنقد، وما زاد عن رأس المال عند التنضيض -التصفية- أو التقويم فهو الربح الذي يوزع بين حملة الصكوك وعامل المضاربة، وفقاً لشروط العقد.
ج- أن يُعد حسابُ أرباحٍ وخسائر للمشروع وأن يكون معلناً وتحت تصرف حملة الصكوك.

7- يستحق الربح بالظهور، ويملك بالتنضيض أو التقويم ولا يلزم إلا بالقسمة. وبالنسبة للمشروع الذي يدر إيراداً أو غلة فإنه لا يجوز أن توزع غلته. وما يوزع على طرفي العقد قبل التنضيض(التصفية)يعتبر مبالغ مدفوعة تحت الحساب.


8- ليس هناك ما يمنع شرعاً من النص في نشرة الإِصدار على اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل دورة، إما من حصة الصكوك في الأرباح في حالة وجود تنضيض دوري، وإما من حصصهم في الإِيراد أو الغلة الموزعة تحت الحساب ووضعها في احتياطي خاص لمواجهة مخاطر خسارة رأس المال.


9- ليس هناك ما يمنع شرعاً من النص في نشرة الإِصدار أو صكوك المقارضة على وعدِ طرفٍ ثالثٍ منفصلٍ في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين،على أن يكون التزاماً مستقلاً عن عقد المضاربة بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطاً في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه، ومن ثمَّ فليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد." مجلة المجمع الفقهي مجلة المجمع 4/3 /1809.

وخلاصة الأمر أن السندات ذات العائد الثابت محرمة شرعاً، والبدائل الشرعية لها كثيرة كصكوك الإجارة وصكوك المشاركة بأنواعها: صكوك شركة المِلك،صكوك شركة الأموال، صكوك شركة المضاربة،صكوك شركة المساقاة، صكوك شركة المزارعة، صكوك شركة المغارسة، صكوك الاستصناع وغيرها. وأن صكوك المضاربة من أفضل البدائل للسندات الربوية، و صكوك المضاربة هي عبارةٌ عن صكٍ يمثل حصةً شائعةً من مالٍ جمع بقصد استثماره للحصول على ربح، يصدره الشخص المستثمر، بصفته مضارباً؛ أو يصدره شخص آخر لحساب المستثمر، يقبل التداول والتحويل إلى نقود.

الجمعة, 24 يونيو 2011.