الاعتقاد فيما يجلب الحظ؟

منذ 2013-03-25
السؤال: كثير من الناس يعتقد في أشياء أنها تجلب له الحظَّ، فهل هذا شرك أكبر أو أصغر؟
الإجابة: الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد:
فقبل الجواب يجب عليكَ أن تعلمَ أن الحظَّ والبَخْتَ والغِنَى وعكسه، وأن الحظ الأشرف العالي النفيس، أو الحظ الخسيس الأدنى المنقطع كلُّ هذا مِن قَدَر الله تعالى وأنه النصيبُ المقدَّر؛ كما قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 35]، وكما قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [يونس: 31]؛ فالله تعالى هو الذي يُدَبِّر الأمرَ، وعَلِم حظَّ كلِّ واحدٍ منا، وكتبه وشاءه وخلَقَه، وتعلَّق به فعل العبد أيضًا مباشرةً واختيارًا.
وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22].
وعن طاوس أنه قال: "أدركتُ ناسًا مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كلُّ شيء بقَدَر"، قال: "وسمعتُ عبدَ الله بنَ عمرَ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل شيء بقدَرٍ، حتى العجز والكيس، أو الكيس والعجز".
وعن طاوس عن ابن عمر: "كلُّ شيء بقدَر، حتى وضْعك يدك على خدِّك".
وقوله صلى الله عليه وسلم: {ولا ينفعُ ذا الجدِّ منك الجد}؛ أي: لا ينفع ذا الحظِّ والمال والعظمة منك مالُه، ولا عظمتُه، بل تقواه وإيمانه.
ولا يعني هذا ترْكَ الأخْذ بالأسباب؛ لأن علمَنا وإيمانَنا أن كلَّ شيء مقدَّر يُوجِب علينا فعلَ السبب الذي به يَصِير الحظُّ أوفرَ، أو عكس ذلك؛ فاللهُ تعالى قد قدَّر الأشياء كلها، وجعل مباشرةَ السببِ لنيل المطلوب المقدَّر؛ فلا يقع بدونه، ومما يوضِّح ذلك أن الله قد علم، وكتب أنه يخلق الخلق ويرزقهم، ويُمِيتهم ويُحييهم، فهل يجوز أن يظن أن تقدم العلم والكتاب مُغنٍ لهذه الكائنات عن خلقه وقدرته ومشيئته؟ فكذلك علم الله بما يكون مِن سعادة هذا بحظٍّ عظيم، وشقاء ذلك، ولا يعني أن هذا يتم بدون أسباب، وهذا مذهبُ سلَفِ الأمة وأئمتها.

والحاصلُ: أنَّ كلَّ شيء مُقَدَّر، ونحن مُطالَبون بالأَخْذ الأسباب المشروعة، وتَرْك الأسباب المُحَرَّمة، وألا نجعل ما لم يجعله الله سببًا سببًا، فالسبيلُ الوحيدُ للحظ الأوفر في أمور الدنيا والآخرة هو العمل بما أباحَهُ الله وشرعه، وليس مِنَ السبب الشرعي لبسُ شيءٍ جالبٍ للحظ؛ كالحجب أو قطع الجلد والأساور وغير ذلك، كما لا يُدفَع الحظُّ السيِّئ بالتمائم والودع وغير ذلك؛ مما لم يجعلْه اللهُ سببًا، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم أخبر بأنَّ مَن تعلَّق شيئًا لجلب الخير أو دَفْع الشرِّ وذلك بلا شكٍّ من جلب الحظ أخبر أنَّ هذا مِنَ الشِّرْكِ، وهي ما يُسَمَّى بالتمائم؛ كما رواه الإمام أحمد عن عقبة بن عامر مرفوعًا: "مَن تعلَّق تميمةً، فقد أشرك"، وفي رواية: "مَن تعلَّق تميمةً، فلا أتم الله له"، "ومَن تعلَّق ودعةً، فلا ودع الله له"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الرُّقَى والتمائمَ والتِّوَلَة شركٌ" [رواه أحمد، وأبو داود]؛ والمراد بـ "الرقى" في هذا الحديث: الرقى المشتملة على الشرك.
فكل هذا مِن علوم الجاهلية، والتعلق به شركٌ، فمن يضع مثلًا قلادةً في عنقه لجلب الحظ، فهذه لم يعلم كونها سببًا؛ لا من جهة الشرع، ولا من جهة الحس؛ إذ لا اتصال بين القلادة وبين جلب الحظ، وهذا من الشرك؛ لكونه اعتداءً على الربوبية، وجعل ما ليس سببًا سببًا، وهو من الشرك الأصغر؛ ما دام يعتقد أن الأمر لله وحده، وأنها مجرد أسباب، ولكنه ليس مؤثرًا، ولكن ذلك الفعل ذريعة للانتقال للشرك الأكبر؛ إذا تعلق القلب بها، ورجا منها جلب النعماء، أو دفع البلاء.
قال الشيخ العثيمين في فتاوى "نور على الدرب": ".. وذلك أن هذا الزوج أو الزوجة اعتقدا في أمر من الأمور أنه سبب بدون دليل شرعي، ولا واقع حسي، و كل مَن أثبت سببًا من الأسباب بدون دليل شرعي، ولا واقع حسي، فقد فعل شركًا أصغر؛ لأنه جعل ما لم يجعله الله سببًا سببًا" اهـ.
والحاصلُ: أنَّ مَن تعلَّق شيئًا جالبًا للحظ كما يُقال فقد يكون فِعْلُه شركًا أصغر، أو يكون شركًا أكبر؛ فإن اعتقد أن الحَظَّاظة تنفع وتضر بنفسها، فشرك أكبر؛ لأن النفع والضر من خصائص الربوبية كما لا يخفى، وإن اعتقد أنها مجرد سبب لجلب الحظ، فشرك أصغر؛ لكونه جعل ما ليس بسبب سببًا.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 15
  • 3
  • 59,254

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً