عقد السلم والسلم الموازي

حسام الدين عفانه

  • التصنيفات: فقه المعاملات -
السؤال:

أرجو توضيح صورة عقد السَّلم الموازي الذي تتعامل به البنوك الإسلامية.

الإجابة:

لا شك أنه مع مرور الأيام تثبت المصارف الإسلامية فاعليتها، وتحقق نسبة نموٍ عالية بالرغم من العقبات الكثيرة في طريقها، ومع مرور الأيام أيضاً تزداد ثقة الناس بالمصارف الإسلامية وبصحة معاملاتها، مع وجود المشككين في المصارف الإسلامية، والطابع العام لأغلب هؤلاء المشككين قلة معرفتهم بنظام المعاملات في الشريعة الإسلامية، وجهلهم بطبيعة المعاملات التي تتم في المصارف الإسلامية، فبعضهم ما زال ينعق بنفي فكرة المصرفية الإسلامية من أساسها!!

وبعضهم يزعم أنه لا فرق بين الصارف الإسلامية والبنوك الربوية، بل يسوي بينهما، وهذا ظلم شنيع بلا ريب! إن المصارف الإسلامية قدمت البديل الشرعي للبنوك الربوية إلى حدٍ كبير، وأحيت فقه المعاملات الإسلامية، ولا أزعم أن المصارف الإسلامية قد حققت أهدافها وما يرتجى منها، ولكنها تسير على الدرب الصحيح متجهة إلى الهدف المنشود، مع وجود أخطاءٍ وخللٍ في المسيرة، ومن المعلوم أن الذي يعمل لا بد أن يخطئ، وأما من يحلم بالعمل فلا يخطئ لأنه نائم!

إذا تقرر هذا فإن من المعاملات التي تنفذها المصارف الإسلامية (السَّلم الموازي)، ولا بد أولاً أن أبين حقيقة عقد السلم في الفقه الإسلامي، فالسلم في الاصطلاح عبارة عن بيع موصوفٍ في الذمة ببدل يُعطى عاجلاً (الموسوعة الفقهية الكويتية25/191)، ومثال ذلك أن يبيع المزارع ألف كيلوغرام من الزيتون بسعر خمسة آلاف شيكل يقبضها عند العقد على أن يسلم كمية الزيتون بعد ثلاثة أشهر مثلاً، وعقد السلم مشروع باتفاق العلماء، وقد دل على مشروعيته الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282]. قال ابن عباس رضي الله عنه: "هذه الآية نزلت في السلَّم خاصة" (تفسير القرطبي3/377).

وقال ابن عباس رضي الله عنه أيضاً: "أشهد أن السلف المضمون إلى أجلٍ مسمىً قد أحلَّه اللهُ في كتابه وأذن فيه"، ثم قرأ هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}. (قال العلامة الألباني: صحيح. أخرجه الشافعي والحاكم والبيهقي وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين (إرواء الغليل5/213)).

ووجه الدلالة في الآية الكريمة: أنها أباحت الدَّين، والسَّلم نوع من الديون، قال ابن العربي المالكي: حقيقة الدَّين هو عبارةٌ عن كل معاملةٍ كان أحدُ العوضين فيها نقداً، والآخر في الذمة نسيئةً، فإن العين عند العرب ما كان حاضراً، والدَّينُ ما كان غائباً (أحكام القرآن 1/496).

وقد صح في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: "من أسلف في تمرٍ فليسلف في كيلٍ معلومٍ ووزنٍ معلومٍ إلى أجلٍ معلومٍ" (رواه البخاري ومسلم).

وعن عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قالا: "كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يأتينا أنباطٌ من أنباط الشام، فنسلفهم في الحنطة والشعير والزيت إلى أجلٍ مسمى، فقلت: أكان لهم زرعٌ أو لم يكن لهم زرع؟ فقال: ما كنا نسألهم عن ذلك" (رواه البخاري).

وقال الشيخ ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز (المغني 4/352).

قال الشيخ سيد سابق: ومشروعية السلم مطابقة لمقتضى الشريعة ومتفقة مع قواعدها وليست فيها مخالفة للقياس، لأنه كما يجوز تأجيل الثمن في البيع يجوز تأجيل المبيع في السلم، من غير تفرقةٍ بينهما والله سبحانه وتعالى يقول: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} والدَّين هو المؤجل من الأموال المضمونة في الذمة، ومتى كان المبيع موصوفاً ومعلوماً ومضموناً في الذمة، وكان المشتري على ثقةٍ من توفية البائع المبيع عند حلول الأجل، كان المبيع ديناً من الديون التي يجوز تأجيلها والتي تشملها الآية كما قال ابن عباس رضي الله عنهما. ولا يدخل هذا في نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع المرء ما ليس عنده، كما جاء في قوله لحكيم بن حزام: "لا تبع ما ليس عندك" (أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان)، فإن المقصود من هذا النهي أن يبيع المرء ما لا قدرة له على تسليمه، لأن ما لا قدرة له على تسليمه ليس عنده حقيقة فيكون بيعه غرراً ومغامرةً. أما بيع الموصوف المضمون في الذمة مع غلبة الظن بإمكان توفيته في وقته، فليس من هذا الباب في شيء (فقه السنة3/123-124).

وعقد السلم من العقود التي تعطي مرونة كبيرة للاقتصاد الإسلامي، وتفتح مجالاً رحباً في الزراعة والصناعة، فالمزارع يبيع إنتاجه الزراعي مقدماً، وكذا صاحب المصنع يبيع إنتاجه ويحصل على ثمنه مقدماً على أن يسلمه في مدةٍ لاحقةٍ متفقٍ عليها، وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي المتعلق بالسلم وتطبيقاته المعاصرة ما يلي: يُعد السلم في عصرنا الحاضر أداة تمويل ذات كفاءة عالية في الاقتصاد الإسلامي وفي نشاطات المصارف الإسلامية من حيث مرونتها واستجابتها لحاجات التمويل المختلفة سواء أكان تمويلاً قصير الأجل أم متوسطه أم طويله واستجابتها لحاجات شرائح مختلفة ومتعددة من العملاء سواء أكانوا من المنتجين الزراعيين أم الصناعيين أم المقاولين أم من التجار واستجابتها لتمويل نفقات التشغيل والنفقات الرأسمالية الأخرى. ولهذا تعددت مجالات تطبيق عقد السلم ومنها ما يلي:

أ. يصلح عقد السلم لتمويل عمليات زراعية مختلفة حيث يتعامل المصرف الإسلامي مع المزارعين الذين يتوقع أن توجد لديهم السلعة في الموسم من محاصيلهم أو محاصيل غيرهم التي يمكن أن يشتروها ويسلموها إذا أخفقوا في التسليم من محاصيلهم فيقدم لهم بهذا التمويل نفعاً بالغاً ويدفع عنهم مشقة العجز المالي عن تحقيق إنتاجهم.

ب. يمكن استخدام عقد السلم في تمويل النشاط الزراعي والصناعي ولا سيما تمويل المراحل السابقة لإنتاج وتصدير السلع والمنتجات الرائجة وذلك بشرائها سلماً وإعادة تسويقها بأسعار مجزية.

ج. يمكن تطبيق عقد السلم في تمويل الحرفيين وصغار المنتجين الزراعيين والصناعيين عن طريق إمدادهم بمستلزمات الإنتاج في صورة معدات وآلات أو مواد أولية كرأس مال سلم مقابل الحصول على بعض منتجاتهم وإعادة تسويقها.

ثم بين المجمع شروط وضوابط عقد السلم:

أولاً:بشأن السلم:

أ- السلع التي يجري فيها عقد السلم تشمل كل ما يجوز بيعه ويمكن ضبط صفاته ويثبت ديناً في الذمة، سواء أكانت من المواد الخام أم المزروعات أم المصنوعات.

ب- يجب أن يحدد لعقد السلم أجل معلوم، إما بتاريخ معين، أو بالربط بأمر مؤكد الوقوع، ولو كان ميعاد وقوعه يختلف اختلافاً يسيراً لا يؤدي للتنازع كموسم الحصاد.

ج- الأصل تعجيل قبض رأس مال السلم في مجلس العقد، ويجوز تأخيره ليومين أو ثلاثة ولو بشرط، على أن لا تكون مدة التأخير مساوية أو زائدة عن الأجل المحدد للسلم.

د- لا مانع شرعاً من أخذ المُسْلِم (المشتري) رهناً أو كفيلاً من المسلّم إليه (البائع).

هـ- يجوز للمسلِم (المشتري) مبادلة المسلَم فيه بشيء آخر-غير النقد- بعد حلول الأجل، سواء كان الاستبدال بجنسه أم بغير جنسه حيث إنه لم يرد في منع ذلك نصٌ ثابتٌ ولا إجماع، وذلك بشرط أن يكون البدل صالحاً لأن يجعل مسلماً فيه برأس مال السلم.

و- إذا عجز المسلم إليه عن تسليم المسلم فيه عند حلول الأجل فإنَّ المسلم (المشتري) يخير بين الانتظار إلى أن يوجد المسلم فيه وفسخ العقد وأخذ رأس ماله، وإذا كان عجزه عن إعسار فنظرة إلى ميسرة.

ز- لا يجوز الشـرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه، لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير.

ح- لا يجوز جعل الدين رأس مال للسلم لأنه من بيع الدين بالدين

(مجلة المجمع عدد 9/1/371)

.

وأما السلم الموازي الذي تطبقه المصارف الإسلامية فهو: أن يبيع المصرف في الذمة سلعاً من جنس ما أسلم فيه دون الربط بين العقدين. أو هو أن يبرم العاقد صفقة شراء بالسلم، ثم يبرم صفقة بيع بالسلم دون ربطٍ بينهما، ويعزم على أن ينفذ الصفقة الثانية مما يتسلمه من الصفقة الأولى. www.islamweb.net

يقول د.علي السالوس: أما السلم الموازي فهو جائز، ففيه عقدان منفصلان، وهو ليس من مبتكرات المعاصرين كما يظن الكثيرون، فإن الإمام الشافعي ذكره حيث قال: "من سلف في طعام ثم باع ذلك الطعام بعينه قبل أن يقبضه لم يجز، وإن باع طعاماً بصفة ونوى أن يقبضه من ذلك الطعام فلا بأس" (كتاب الأم 3/61) مخاطر التمويل الإسلامي ص46.

ومثال ذلك أن يأتي مزارع إلى المصرف الإسلامي ويطلب بيعه محصوله من الزيتون ويحددا تاريخاً لتسلم الزيتون ويدفع المصرف الثمن للمزارع، ويقوم المصرف بالتعاقد مع طرفٍ آخر لبيعه كمية الزيتون بتاريخ آخر متفق عليه، ويتم ذلك من خلال عقدين منفصلين.

وقد ورد في المعيار الشرعي رقم (10) من معايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (6-السلم الموازي:

6/1 يجوز للمسلم إليه أن يعقد سلماً موازياً مستقلاً مع طرف ثالث للحصول على سلعة مواصفاتها مطابقة للسلعة المتعاقد على تسليمها في السلم الأول ليتمكن من الوفاء بالتزامه فيه، وفي هذه الحالة يكون البائع في السلم الأول مشترياً في السلم الثاني.

6/2 يجوز للمسلم أن يعقد سلماً موازياً مستقلاً مع طرف ثالث لبيع سلعة مطابقة في مواصفاتها للسلعة التي اشتراها بعقد السلم الأول. وفي هذه الحالة يكون المشتري في السلم الأول بائعاً في السلم الثاني.

6/3 في كلتا الحالتين المذكورتين في البندين 6/1و 6/2 لا يجوز ربط عقد سلم بعقد سلم آخر، بل يجب أن يكون كل واحد منهما مستقلاً عن الآخر في جميع حقوقه والتزاماته، وعليه فإن أخل أحد الطرفين في عقد السلم الأول بالتزامه لا يحق للطرف الآخر (المتضرر بالإخلال)أن يحيل ذلك الضرر إلى من عقد معه سلماً موازياً، سواء بالفسخ أو تأخير التنفيذ).

والسلم الموازي أجازته الهيئات العلمية الشرعية المعتبرة.

وخلاصة الأمر أن عقد السلم هو بيع موصوفٍ في الذمة ببدل يُعطى عاجلاً، وهو مشروع باتفاق العلماء، وقد دل على مشروعيته الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم كما بينت. وأما السلم الموازي المطبق في المصارف الإسلامية فهو: أن يبيع المصرف في الذمة سلعاً من جنس ما أسلم فيه دون الربط بين العقدين. وله شروط وضوابط قررها الفقهاء. ويعتبر السلم أداة تمويل شرعية ذات كفاءة عالية في الاقتصاد الإسلامي وفي نشاطات المصارف الإسلامية ويستفيد منها المزارعون والصناعييون والمقاولون وغير ذلك من المجالات.

تاريخ الفتوى: 24-02-2012.