حكم دعاء الجن

عبد العزيز بن باز

  • التصنيفات: الشرك وأنواعه -
السؤال:

يوجد عندنا في شمال اليمن بعض الناس، وهم ليسوا بقلّة، يدعون الجن حينما يكون هناك أمطار أو رعد أو برق، أو في وقت غير مناسب، مثل أن يكون أحدهم متخاصماً مع شخص آخر، ويعتقد البعض أن هذا الدعاء ينفع أو يضر، لذا نرجو من فضيلتكم إفادتنا حسب ما جاء في القرآن، وما جاءت به الشريعة الإسلامية؟ وما صحة هذه الأقوال التي تعودها وجرى عليها بعض الناس عن جهل أو قلة معرفة من الدين؟

الإجابة:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد... فالدعاء والاستعانة والتعوذ يكون بالله وحده سبحانه وتعالى، لا بالناس ولا بالجن ولا بالملائكة ولا بالأنبياء، كما قال سبحانه: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]، قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1]، وقال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1]، والاستعانة بالله، قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، فلا يجوز لأحد أن يستعين بالجن، ولا أن يدعوهم ولا أن يستغيث بهم، كأن يقول: يا كذا، أو يا كذا، أغثني أو انصرني، من الجن، أو من الأموات، أو من الأنبياء، أو من الملائكة، كل هذا لا يجوز، والله ذم من فعل ذلك فقال: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6]، أي زادوهم طغياناً وضلالاً، أو زادوهم شرًّا إلى شرهم بسبب دعائهم إياهم، فالمقصود أن الدعاء والاستعاذة والاستغاثة والاستعانة كلها بالله وحده، فلا يجوز أن يستعان بالجن ولا يستعاذ بهم ولا يُدعوا مع الله، كأن يقول: "يا جن خذوه"، أو: "يا شيطان فلان –يسميه- افعل كذا أو افعل كذا"، أو "انصرني على كذا"، أو "أعذني من كذا"، أو "عاونّي على كذا"، كل هذا لا يجوز بل هذا من الشرك الأكبر، وكذلك ما يفعله بعض الجهلة عند الأموات، يقول: "يا سيدي البدوي افعل كذا"، "يا سيدي البدوي أو يا سيدي الحسين أنا في جوارك"، "أنا في حسبك"، "انصرني أو ارحمني أو اشف مريضي"، كل هذا من الشرك الأكبر، وهكذا لو قال هذا مع غير هؤلاء، كأن يقول: "يا رسول الله انصرني"، أو "يا رسول الله اشف مريضي"، أو "يا رسول الله أغثني"، كل هذا من الشرك الأكبر؛ لأن الميت إذا مات انقطع عمله، فليس له تصرف، لا الأنبياء ولا غيرهم، فلا يجوز دعاء الأنبياء، ولا الاستغاثة بهم، ولا النذر لهم ولا الذبح لهم، بل هذا من أعمال الجاهلية، ومن الشرك بالله سبحانه وتعالى، فالواجب على جميع المسلمين وعلى من يرغب في الإسلام أن يحذر هذه الأمور وأن يبتعد عنها، وأن يخلص لله العبادة.

وهذا هو معنى: لا إله إلا الله، فإن معناها: لا معبود حقٌ إلا الله، فالله الذي يُدعى ويُرجى ويُستعان به ويستغاث، ويُتقرَّب إليه بالنذور والذبائح لا غيره، فالذين يتقربون بالذبائح أو بالنذور للأموات أو للجن أو للملائكة، أو يستعينون بهم، أو يسألونهم قضاء الحاجات أو تفريج الكروب أو النصر على الأعداء أو شفاء المرضى، كله شرك بالله، سواء مع الجن أو مع الأموات كالبدوي وغيره، أو مع الملائكة أو مع الرسل، وأفضل الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، كل هذا لا يجوز، بل يدعو ربه وحده، يا رب هب لي كذا، يا رب انصرني، يا رب اشف مريضي، يا رب أغثني، يا رب عافني، يسأل ربه جل وعلا، كما قال تعالى: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]، وقال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، فلا يُدعى إلا الله، ولا يستغاث إلا به سبحانه وتعالى، وهذه أمور نشأ عليها بعض الناس واعتادوها تبعاً لأسلافهم، وقد غلطوا في ذلك، والله سبحانه بعث نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم يبين للناس أن العبادة حق الله، وأنه لا يدعى مع الله أحد سبحانه وتعالى. فالواجب على العاقل أن ينتبه لهذا الأمر، وأن ينصح من ابتلي بهذا الشيء، وأن يّذكرهم أن هذا منكر وشرك من أعمال الجاهلية، والله المستعان.