ماواجبنا نحو نصرة دين الله؟

عبد المحسن بن عبد الله الزامل

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -
السؤال:

ما واجبنا نحو نصرة دين الله في ظل السلبية من الجميع الكبير والصغير لنصرة الدين؟

 

الإجابة:

كل مسلم عليه واجب تجاه الدين، كما قال سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108]. أتباع النبي عليه الصلاة والسلام هم الدعاة، وأتباعه هم أهل البصيرة، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يزل قائمًا في الدعوة منذ أن بعثه الله سبحانه وتعالى، إلى أن توفي صلوات الله وسلامه عليه، وهو في حال موته ووفاته مد بصره إلى عبد الرحمن بن عوف يريد السواك، فأخذ السواك «واستن أحسن استنان»(1). كما في حديث عائشة، عليه الصلاة والسلام، فأخذ من هذا سنية الاستواك على كل حال، وسنية الاستواك لمن كان في مثل هذه الحال، وربما قريب من الاحتضار، حتى يكون على حالٍ طيبة، فالاستواك سنن عظيمة، وهدي عظيم، أخذ منه عليه الصلاة والسلام في حال مرض وفاته، وهو في هذا الحال انثنى وانخنث نفسه عليه الصلاة والسلام، كما قالت: «فانخنثت نفسه» (2) أي مال رأسه عليه الصلاة والسلام، وكان بين حاقنة عائشة، وذاقنتها رضي الله عنها، فهذا هو المشروع، وهذا هو السنة، وكلٌ على ثغر من ثغور الإسلام.

قال عليه الصلاة والسلام: «بلغوا عني ولو آية». رواه البخاري عن ابن عمر(3)، وقال عليه الصلاة والسلام «يبلغ الشاهد الغائب». وقال: «اللهم اشهد» (4). وهذا ثبت في الصحيحين، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود، وحديث زيد بن ثابت، وحديث جبير بن مطعم، ومن حديث أنس، وحديث ابن مسعود، وزيد بن ثابت عند أحمد والترمذي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «نضر الله امرأً سمع مقالتي، ووعاها، فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع» (5) وفي لفظٍ صحيح «رب حامل فقهٍ ليس بفقيه» (6) بل وقال عليه الصلاة والسلام: «من سن سنًة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها ليوم القيامة» (7) رواه مسلم عن جرير، وجاء معناه من حديث أبي هريرة، وحديث أبي مسعود عند مسلم «من دل على خيرٍ، فله مثل أجر فاعله» (8)، فعلى كل مسلم ألا ينظر إلى تقصير غيره، هذا ليس حجة، غيرك إذا قصر، فهذا يدعوك إلى العمل، وبهذا يحصل استدراك الخطأ، فإذا رأى غيره قصر في الدعوة إلى الله، وفي نصرة الدين، فإذا جعلت تشكو غيرك ولا تعمل، هذا ربما يكون أعذر لغيرك ممن لا يعمل ولا يشكو، لأنه ينظر إلى حاله أنه مقصر، كثيرٌ من الناس ينوح على غيره من الناس، وهو في الحقيقة همه الذم، وهمه انتقاص تصرفات الناس، وأنهم لم يفعلوه، وإن كان كلامه حق، لكن لم تقول، ولم تتكلم، ولا تفعل أنت {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3].

وقال شعيب عليه الصلاة والسلام  لقومه: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88]. أي أنه أول المبادرين لما يدعو إليه، وهكذا كل مسلم، وإن حصل تقصير فيدعو، ولا تحقر شيئا من الخير ولو كان شيئا يسيرًا، مما يراد به وجهه سبحانه وتعالى، ولو ظلف شاة، قال عليه الصلاة والسلام: «لا تحقرن جارةٌ لجارتها، ولو فرسن شاة» (9) متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام: «الكلمة الطيبة صدقة» (10) متفق عليه عن عدي بن حاتم، وقال عليه الصلاة والسلام: «وتبسمك في وجه أخيك صدقة» (11). وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» رواه مسلم عن أبي ذر(12)، هذه أعمال عظيمة، وهي يسيرة، لكنها من طرق الخير، والأحاديث في هذا كثير، وفي حديث آخر «وتلقى أخاك منبسطٌ إليه وجهك»(13). كلها من أعمال الخير.

وما كان أعظم من نصرة الدين والدعوة إلى الله، وإعانة المظلومين والمحتاجين من أعزم أبواب الخير والدعوة إليه سبحانه وتعالى. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أخرج البخاري (4449) من حديث عائشة رضي الله عنها في مرض موته صلى الله عليه وسلم وفيه: عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه فقصمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن به وهو مستند إلى صدري.

(2) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «يقُولُونَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ لَقَدْ دَعَا بِالطَّسْتِ لِيَبُولَ فِيهَا فَانْخَنَثَتْ نَفْسُهُ وَمَا أَشْعُرُ فَإِلَى مَنْ أَوْصَى» أخرجه البخاري في الوصايا (2590) ومسلم في الوصية (1636).

(3) عن عبد الله بن عمرو «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» أخرجه البخاري رقم (3274).

(4) أخرجه البخاري  رقم (1741) ومسلم (1679)عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، قال: أتدرون أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا بلى، قال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس ذو الحجة؟ قلنا: بلى، قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليست بالبلدة الحرام؟ قلنا: بلى، قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.

(5) هذا الحديث من الأحاديث المتواترة وقد رواه جَمْعٌ من أصحاب النبي  صلى الله عليه وآله وسلم عنهم: وقد صحَّ من رواية ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نضَّرَ الله عبدًا سَمِع مقالتي به»؛ أخرجَها أحمد (4157)، والترمذي (2657)، وقال: حَسَن صحيح، وابن ماجه (232)، وابن حِبَّان (69)، وأبو يعلى (5126، 5296)،

(6) أخرجه أبو داود (3229) والترمذي (2703) وقال: حديث حسن، وأخرجه أحمد في المسند (21133) وفي الزهد (184).

(7) أخرجه مسلم في ( كتاب الزكاة ) حديث (1017)

(8) أخرجه مسلم حديث (3620).

(9) أخرجه البخاري في كتاب الأدب (5671) ومسلم (1030).

(10) أخرجه البخاري كتاب الصلح، (2707)، ومسلم  كتاب: الزكاة (1009).

(11) هذا الحديث أخرجه الترمذي  رقم: (1956) وقال:حسن غريب، وهو في صحيح ابن حبان  رقم (529) وذكره الألباني في صحيح الترمذي رقم(1956) وفي  صحيح الجامع رقم (1908). من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

(12) عن أبي ذر رضي الله عنه «لا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا؛ وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» مسلم (2626).

(13) رواه أبو يعلى والبزار من طرق أحدها حسن جيد. انظرصحيح الترغيب (2661).