إصرار أم الزوجة على فرح جاهلي

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الملبس والزينة والترفيه -
السؤال:

إنَّني مطلق، وتقدَّمت للزَّواج من أُخْت زوْج أختي، وهي متديِّنة وملتزِمة، وتواظب على الصَّلاة والصَّوم، ولا تشاهد إلاَّ قنوات إسلاميَّة بالتلفاز: (الرَّحمة، النَّاس، اقرأ)، ووالدتُها قامت بتَرْبِيتها تربيةً ممتازة، إلاَّ أنَّها تُسَيْطر عليْها سيطرة تامة.

اقترب موعد زفافِنا واشترط أهلُ العروس إقامةَ فرح به أغانٍ ورقْص، حيثُ إنَّ الفرحة من وجْهة نظرِهم بالأفراح، وقد اضطررت إلى الموافقة لسببين، أوَّلهما: قبولُهم الزَّواج بي وأنا مطلق، وثانيهما: أملاً في أن أقْنِعهم بالعدول عن فكرة الفرَح، ونكتفي بعقْد الزواج والعودة للمنزل.

السؤال: في حالة تمسُّك الأهل بإقامة فرح، هل أترك الفتاة أم لا؟

علمًا بأنَّني حاولتُ بقدْرِ الإمكان إقْناع الفتاة، وهي تكاد تكون مقْتَنعة إلاَّ أنَّها ترفُض الإدلاء بذلِك مراعاة لعدم إثارةِ والدتِها وغضبِها وثورتِها.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن كان الحالُ كما تقول: أنَّ تلك الفتاة ظاهِرُها التدين والصَّلاح، فنَنصحك بالتمسُّك بها إن لم يكن هناك ما يمنع شرعًا؛ عملاً بوصيَّة النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «فاظفَرْ بذات الدِّين ترِبَتْ يداك»؛ حديثَ، متفق عليه عن أبِي هُرَيْرة رضِي الله عنْه.

وعليكَ بالاستمرار في نصْح والدةِ الفتاة، والصبر عليْها؛ عسى الله أن يشْرَح صدْرَها، ويلْهِمها رشْدَها، ويعيذَها من شرِّ نفسِها، وتعود للحقِّ والرُّشْد، وتوافق على جعْل الفرح بصورة شرعيَّة إسلامية خاليًا مما يغضب الله تعالى.

ولتعلم - رعاك الله، وثبَّت على الحقِّ خطاك - أنَّه لا يجوز لك مطلقًا أن تُقيمَ فرحًا على تِلْك الصُّورة الجاهليَّة المقيتة، المشتمِلة على الأغاني الماجِنة، والرَّقْص الخليع، وغيْر ذلك، كما أنَّه لا يجوز لك مطلقًا أن تسْمَحَ لِمن سترتبِط بها وتكون زوجة لك أن تتعرَّض لمثل هذه الأمور، فضلاً عن أن تَجلس على ما يسمَّى بالكوشة لينظُر إليْها البارُّ والفاجر؛ وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «كلُّكم راعٍ ومسؤول عن رعيَّته، والرَّجل في أهله راعٍ، وهو مسؤول عن رعيَّته»؛ رواه البخاري.

وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إنَّ الله سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استَرْعاه: حفظ أم ضيَّع؟ حتَّى يسأل الرَّجُل عن أهل بيتِه»؛ رواه ابن حبَّان، وقد قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «فإذا نَهيْتُكم عن شيءٍ فاجتنِبوه»؛ متَّفق عليْه.

ولتحْذر - أيُّها الأخ العزيز - من مكر الله تعالى إذا نابذْتَه بالمعاصي ووافقت على فرح كهذا، كما عليْك أن تتجنَّب أن تبدأ حياة جديدة بمعصية كبيرة.

وننصَحُ تلك الأُخْت بأنَّه يجب عليْها اجتِناب تلك المحرَّمات، وألاَّ توافق والدَتَها على ذلك؛ بل عليْها أن تبذل وُسْعَها في نصْحِها وصدِّها عن تلك المنكرات وإن سمَّاها النَّاس أفراحًا، ولتستعن في ذلك بمن له تأثير على أمها.

فإنِ استجابت لك الأم وعادت للحق، فبها ونعمت، وإن لم تستجِبْ - لا قدَّر الله ذلك - فحاول أن تُقْنِع أولياء الفتاة الرِّجال ليزِّوجوك هم بعيدًا عن المعاصي، وراجع استشارة: "أمها ترفض زواجنا رغم موافقة والدها".

فإن أصرُّوا جميعًا على الحفْل المذْكور وأَبَوا عليْك إلاَّ إياه، فاترُكْهم، وسيخلف اللهُ عليْك؛ فإنَّ مَن ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منْه؛ قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2،3].

هذا؛ ولمزيد فائدةٍ راجع على موقعنا تلك الفتاوى: "حكم الزفة في الشرع"، "اختيارُ الزوج أوِ الزوجة مُقدَّر من الله تعالى"، فتوى العلامة ابن جبرين: "حكم زَفِّ العروس".

 هذا؛ واللهَ نسأل أن يقدِّر لكَ الخير حيثُما كان، وأن يُلْهِمك رُشْدَكَ، ويعيذكَ من شرِّ نفسَيْكَ، آمين،،

والله أعلم.