كفارة وضع أحمر الشفاه في العمرة

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: شرح الأحاديث وبيان فقهها - فقه الحج والعمرة - فتاوى وأحكام -
السؤال:

السَّلام عليْكم،

جزاكم الله خيرًا، أريد أن أسأل عن كفَّارة وضْع الروج - أحمر الشفاه - في أوَّل عمرة لي، وعندما قال لي زوْجي: إنَّها حرام، مسحتُها.

فهل عليَّ شيء أو كفَّارة؟ وشكرًا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فالظَّاهر من كلام الأخت السائلة أنَّها وضعت أحمر الشفاه وهي محرِمة عن جهل، وليس عن عمدٍ.

فإن كان كذلك، فلا شيءَ عليْها - إن شاء الله تعالى - للأدلَّة العامَّة والخاصَّة؛ قال تعالى: {
وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 5]، وقال: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، وفي صحيح مسلم، قال سبحانه: «قد فعلت».

وفي الصحيحَين عن يعلى بن أميَّة قال: بيْنا النَّبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بالجعرانة وعليْه ثوب قد أظلَّ به معه ناس من أصحابه، إذ جاءه أعرابي عليه جبَّة متضمِّخ بطِيب، فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحْرَم بعمرة في جبَّة بعد ما تضمَّخ بالطِّيب؟ فأشار عمر إلى يعلى بيدِه أن تعالَ، فجاء يعلى فأدخل رأسَه، فإذا النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - محمرُّ الوجْه يغطّ كذلك ساعة، ثم سري عنه فقال: «أين الذي يسألُني عن العمرة آنفًا؟»، فالتمس الرجُل فأتي به، فقال: «أمَّا الطِّيب الذي بك، فاغسلْه ثلاث مرَّات، وأمَّا الجبَّة فانزعْها، ثمَّ اصنع في عمرتِك كما تصنعُ في حجِّك».

قال شيخ الإسلام
في "مجموع الفتاوى": "وأصل هذا أنَّ حكم الخطاب: هل يثبت في حقّ المكلَّف قبل أن يبلغه؟ فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره؛ قيل: يثبت، وقيل: لا يثبت، وقيل: يثبت المبتدَأُ دون النَّاسخ، والأظهر أنَّه لا يجِبُ قضاء شيء من ذلك، ولا يثبُت الخطاب إلاَّ بعد البلاغ؛ لقوله تعالى: {لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: 19]، وقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 19]، ولقوله: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165].

ومثل هذا في القرآن متعدِّد، بيَّن سبحانه أنَّه لا يعاقب أحدًا حتَّى يبلغه ما جاء به الرَّسول، ومَن علِم أنَّ محمَّدًا رسول الله فآمن بذلك، ولم يعلَم كثيرًا ممَّا جاء به - لم يعذِّبْه الله على ما لم يبلغْه، فإنَّه إذا لم يعذِّبْه على ترك الإيمان بعد البلوغ، فإنَّه لا يعذِّبه على بعض شرائطه إلاَّ بعد البلاغ أوْلى وأحْرى.

وهذه سنَّة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - المستفيضة عنْه في أمثال ذلك؛ فإنَّه قد ثبت في الصِّحاح أنَّ طائفةً من أصحابه ظنُّوا أنَّ قوله تعالى: {الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: 187] هو الحبْل الأبيض من الحبل الأسود، فكان أحدُهم يربِط في رجله حبلاً، ثمَّ يأكُل حتَّى يتبين هذا من هذا، فبيَّن النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ المراد بياض النَّهار وسواد اللَّيل، ولم يأمرْهم بالإعادة.

وثبت عنْه في الصحيحين أنَّه سُئِل - وهو بالجعرانة - عن رجُل أحرم بالعمرة وعليْه جبَّة، وهو متضمّخ بالخلوق، فلمَّا نزل عليه الوحي قال له: «انزع عنك جبَّتَك، واغسل عنك أثر الخلوق، واصنع في عمرتِك ما كنت صانعًا في حجِّك»، وهذا قد فعل محظورًا في الحج، وهو لبْس الجبَّة، ولَم يأمرْه النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - على ذلك بدم، ولو فعل ذلك مع العِلْم للَزِمه دم".اهـ.

وعليه، فلا كفارة عليك من وضع أحمر الشفاة،، ما دمت جاهلة، ونزعتيه منذ أن علمت، والله أعلم.