قتل الزوجة الزانية

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الجنايات والحدود - فتاوى وأحكام -
السؤال:

لديَّ سؤال: هناك قضيَّة باتت تشْغل الرَّأي العامَّ هنا، وهي: إذا فوجئ الزَّوج برجُلٍ غريب في فِراش الزوجيَّة، فهل من حقِّه قتْل الاثنَين، خاصَّةً بعد الاستِناد إلى حديث سعد بن عبادة في صحيح مسلم؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّه يَجوز للزَّوج أن يقتُل مَن وجدَه يَزني بزوْجته وأن يقتُلها معه ديانةً - أي: فيما بينَه وبين الله - وأمَّا قضاء - أي: فيما بينه وبين أوْلياء الدَّم، وعند القاضي - فإنْ لَم يأتِ بأربعة شهداء أو بيِّنة، فإنَّه يُقام عليه الحدُّ إن رُفِع للقضاء، ودمُهما هدر إن ثبتتْ جريمة الزِّنا عند القاضي، بالشّهادة، أو البيّنة، أو اعتِراف ولي الدَّم.

ففي الصَّحيحين: عن المغيرة أنَّ سعد بن عبادة قال: لو رأيتُ رجُلاً مع امرأتِي لضربتُه بالسَّيف غير مصْفح، فبلغ ذلك النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: «أتعْجبون من غيرة سعد؟! لأَنا أغْير منْه، واللهُ أغْير منِّي».

وروى سعيد بن منصور فى "
سُننه" عن عُمر بن الخطَّاب - رضِي الله عنْه – بإسناد رجاله ثقات لكنه منقطع: أنَّه كان يومًا يتغدَّى إذ جاء رجُل يعْدو وفى يده سيف ملطَّخ بالدَّم، ووراءه قوم يعْدون خلفه، فجاء حتَّى جلس مع عمر، فجاء الآخَرون فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنَّ هذا قتل صاحبَنا، فقال له عمر: ما تقول؟ فقال: يا أميرَ المؤمنين، إني ضربتُ فخِذَي امرأتي، فإن كان بيْنهما أحدٌ فقد قتلتُه، فقال عمر: ما تقولون؟ قالوا: يا أميرَ المؤمنين، إنَّه ضرب بالسَّيف فوقع في وسط الرَّجُل وفخذي المرْأة، فأخذ عمر سيْفَه فهزَّه ثمَّ دفعه إليْه، وقال: "إن عاد فعد".

وأخرج ابن أبى شيبة في "
المصنف" من طريق سعيد بن المسيَّب: أنَّ رجُلاً من أهل الشَّام يُقال له: (خيبرى)، وجَدَ مع امرأتِه رجُلاً فقتلها - أو قتلهما - فرُفع إلى معاوية، فأشْكَل عليه القضاءُ في ذلك، فكتب إلى أبي موسى: أن سَلْ عليًّا عن ذلك، فسأل أبو موسى عليًّا، فقال: إنَّ هذا الشَّيء ما هو بأرضِنا، عزمْتُ عليْك لتخبرنِّي, فأخبره، فقال عليٌّ: "أنا أبو حسَن، إن لَم يجِئْ بأربعة شهداء، فليدْفعوه برمَّته"؛ قال الألباني في "الإرواء": رجاله ثقات؛ لكن سعيد بن المسيب مختلَف في سماعه من علي.

قال ابن قدامة في "
المغني": "وإذا قتل رجُلاً وادَّعى أنَّه وجده مع امرأتِه، أو أنَّه قتله دفعًا عن نفسِه، أو أنَّه دخل منزله يكابرُه على ماله، فلم يقدِر على دفعِه إلاَّ بقتْلِه - لم يُقبل قولُه إلاَّ ببيِّنة، ولزِمَه القصاص، ورُوي نحو ذلك عن عليٍّ - رضِي الله عنْه - وبه قال الشَّافعيُّ وأبو ثور وابنُ المنذر، ولا أعلم فيه مخالفًا، وسواء وجد في دار القاتِل أو في غيرها، أو وُجِد معه سلاح أو لَم يوجد؛ لما رُوي عن عليٍّ - رضِي الله عنْه - أنَّه سئل عن مَن وجَدَ معَ امرأتِه رجُلاً فقتلَه، فقال: "إن لَم يأْتِ بأرْبعة شُهداءَ فليُعْطَ برمَّته"، ولأنَّ الأصل عدم ما يدَّعيه، فلا يثبت بمجرَّد الدَّعوى، وإن اعترف الوليُّ بذلك، فلا قصاصَ عليه ولا دِية؛ لِما رُوي عن عُمر - رضي الله عنه". اهـ.

وقال ابن القيِّم تعليقًا على حديث الملاعن
"زاد المعاد" (5 /362): "وقوله في الحديث: "لو أنَّ رجُلاً وجد مع امرأتِه رجُلاً يقتله فتقتلونه به" - دليلٌ على أنَّ مَن قتل رجُلاً في دارِه وادَّعى أنَّه وجَدَه مع امرأتِه أو حريمِه، قُتِل فيه، ولا يُقْبَل قوله؛ إذْ لو قُبِل قوله لأُهدرت الدِّماء، وكان كلُّ مَن أراد قتْلَ رجُل أدخلَه دارَه وادَّعى أنَّه وجدَه مع امرأتِه، ولكِن هاهُنا مسألتانِ يَجب التَّفريق بينهما:

إحداهما: هل يسعُه فيما بيْنه وبين الله - تعالى - أن يقتله أم لا؟

والثاني: هل يقبل قوله في ظاهِر الحكم أم لا؟

وبهذا التَّفريق يزول الإشْكال فيما نُقِل عن الصَّحابة - رضِي الله عنْهم - في ذلك، حتَّى جعلَها بعض العلماء مسألةَ نِزاع بين الصَّحابة، وقال: مذهب عمر - رضِي الله عنْه -: أنَّه لا يقتل به، ومذهب علي: أنَّه يقتل به.

قال: وأنت إذا تأمَّلت حكمَيْهما لم تجد بينهما اختِلافًا؛ فإنَّ عُمر إنَّما أسقط عنه القولَ لمَّا اعترف الولي بأنَّه كان مع امرأتِه، وقد قال أصحابُنا - واللَّفظ لصاحب "
المغني" -: فإنِ اعترف الوليُّ بذلك، فلا قصاص ولا دية؛ لِما رُوي عن عمر، ثمَّ ساق القصَّة، وكلامه يعطي أنَّه لا فرق بين أن يكون محصنًا وغير محصَن، وكذلك حكم عمر في هذا القتيل، وقوله أيضًا: "فإنْ عادوا فعد"، ولَم يفرِّق بين المحصن وغيره، وهذا هو الصَّواب، وإن كان صاحب "المستوعب" قد قال: وإن وجد مع امرأته رجُلاً ينال منها ما يُوجب الرَّجْم، فقتلَه وادَّعى أنَّه قتله لأجْل ذلك - فعليْه القِصاص في ظاهر الحكم؛ إلاَّ أن يأتي ببيِّنة بدعْواه فلا يلزمه القِصاص.

قال: وفي عدد البينة روايتان، إحداهما: شاهِدان، اختارها أبو بكر؛ لأنَّ البيِّنة على الوجود لا على الزنا، والأُخرى: لا تقبل أقلُّ من أربعة، والصَّحيح أنَّ البيِّنة متى قامت بذلك أو أقرَّ به الولي، سقَطَ القِصاص، محصَنًا كان أو غيرَه، وعليه يدلُّ كلام عليٍّ؛ فإنَّه قال فيمَن وجَدَ مع امرأتِه رجُلاً فقتله: "إن لَم يأْتِ بأربعة شهداء، فليعط برمته"؛ وهذا لأنَّ هذا القتل ليس بحدٍّ للزِّنا، ولو كان حدًّا لَما كان بالسَّيف، ولاعْتُبِر له شروط إقامة الحدّ وكيفيَّته، وإنَّما هو عقوبة لِمَن تعدَّى عليه، وهَتَكَ حريمه، وأفسد أهلَه. وكذلك فعل الزُّبَير - رضِي الله عنْه - لمَّا تخلَّف عن الجيش ومعه جارية له، فأتاه رجُلان فقالا: أعْطِنا شيئًا، فأعطاهُما طعامًا كان معه، فقالا: خلِّ عن الجارية، فضربَهما بسيفِه، فقطعهما بضرْبةٍ واحدة؛ وعلى هذا فيجوز له فيما بيْنه وبين الله - تعالى - قتْل مَن اعتدى على حريمِه، سواءٌ كان محصَنًا أو غير محصَن، معروفًا بذلك أو غير معروف، كما دلَّ عليْه كلام الأصْحاب وفتاوى الصَّحابة، وقد قال الشَّافعي وأبو ثور: يسَعُه قتْله فيما بينه وبين الله - تعالى - إذا كان الزَّاني محصَنًا، جعلاه من باب الحدود، وقال أحمد وإسحاق: يهدر دمه إذا جاء بشاهدَين، ولم يفصلا بين المحصَن وغيره، واختلف قول مالك في هذه المسألة؛ فقال ابن حبيب: إنْ كان المقتول محصَنًا وأقام الزَّوج البيِّنة، فلا شيء عليْه، وإلاَّ قتل به، وقال ابن القاسم: إذا قامت البيِّنة فالمُحصَن وغير المحصَن سواء، ويهْدر دمه، واستحبَّ ابن القاسم الدِّية في غير المحصَن.

فإن قيل: فما تقولون في الحديث المتَّفق على صحَّته عن أبي هريرة - رضِي الله عنْه - أنَّ سعد بن عبادة - رضي الله عنْه - قال: يا رسول الله، أرأيتَ الرَّجُل يجِد مع امرأته رجُلاً، أيقتُله؟ فقال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «لا»، فقال سعد: بلى والَّذي بعثك بالحقِّ، فقال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «اسمعوا إلى ما يقول سيِّدكم».

وفي اللفظ الآخر: إن وجدتُ مع امرأتي رجُلاً أمهله حتَّى آتي بأربعة شهداء؟ قال: «نعم»، قال: والَّذي بعثك بالحقِّ، إن كنت لأعاجله بالسَّيف قبل ذلك، قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «اسمعوا إلى ما يقول سيِّدُكم، إنَّه لغيور وأنا أغْير منْه، والله أغْير مني» .

قُلنا: نتلقَّاه بالقبول والتَّسليم والقوْل بموجبه، وآخر الحديث دليلٌ على أنَّه لو قتله لم يُقَدْ به؛ لأنَّه قال: بَلى والَّذي أكْرمك بالحق، ولو وجبَ عليْه القِصاص بقتْلِه لَما أقرَّه على هذا الحلِف، ولَما أثنى على غَيْرته، ولقال: لو قتلتَه قُتِلْتَ به، وحديث أبي هُريرة صريحٌ في هذا؛ فإنَّ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: «أتعْجبون من غيرة سعد؟ فوالله لأنا أغيَر منْه والله أغير منِّي»، ولم ينكِر عليْه ولا نهاه عن قتلِه؛ لأنَّ قولَه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - حكم ملزم، وكذلك فتواه حكْم عام للأمَّة، فلو أذِن له في قتله، لكان ذلك حكمًا منْه بأنَّ دمَه هدر في ظاهر الشَّرع وباطنه، ووقعت المفسدة التي درَأَها الله بالقصاص، وتَهالك النَّاس في قَتْل مَن يريدون قتله في دُورهم، ويدَّعون أنَّهم كانوا يروْنَهم على حريمِهم، فسدَّ الذَّريعة وحَمَى المفسدة وصان الدِّماء، وفي ذلك دليلٌ على أنَّه لا يُقْبَل قول القاتل، ويُقاد به في ظاهِر الشَّرع، فلمَّا حلف سعد أنَّه يقتله ولا ينتظِر به الشُّهود، عجِب النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - من غيرتِه، وأخبر أنَّه غَيور، وأنَّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أغير منْه، والله أشدُّ غيرةً، وهذا يحتمل معنيين:

أحدهما: إقْراره وسكوته على ما حلف عليْه سعد، أنَّه جائز له فيما بينه وبين الله، ونَهيه عن قتلِه في ظاهر الشَّرع، ولا يناقض أوَّل الحديث آخره.

والثاني: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال ذلك كالمنكِر على سعد، فقال: «ألا تسمعونَ إلى ما يقولُ سيِّدكم!» يعني: أنا أنْهاه عن قتله وهو يقول: بلى والَّذي أكرمك بالحق، ثمَّ أخبر عن الحامل له على هذه المخالفة وأنَّه شدَّة غيرته، ثمَّ قال: «أنا أغْير منْه والله أغير مني»، وقد شرع إقامة الشُّهَداء الأربعة مع شدَّة غيرته - سبحانه - فهي مقرونة بِحكمة ومصلحة ورحمة وإحسان، فالله - سبحانه - مع شدَّة غيرته أعْلم بمصالح عباده وما شرعه لهم من إقامة الشهود الأربعة دون المبادرة إلى القتْل، وأنا أغْير من سعد وقد نهيتُه عن قتله، وقد يريد رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - كلا الأمْرَين، وهو الأليق بكلامه وسياق القصَّة".

هذا؛ والله أعلم.