هل هذا الفعل رياء ؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن الحال كما ذكرت فما تفعله هو بلا شك من الرياء،؛وذلك لأن من شروط قبول العمل الصالح أن تقصد به وجه الله، فالله تعالى هو الغني؛ ولا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً صواباً، والخالص هو: ما ابتُغِيَ به وجه الله، والصواب هو: ما كان موافقاً لهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]، وقال: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
أمَّا الرياء فمشتقٌّ من الرُّؤية، وهو أن يعمل العمل ليراه النَّاس، والسمعة مشتقَّة من السَّمع، وهو: أن يعمل العمل ليسمعَه، وكلاهما من الشِّرك الخفيِّ؛ وقد روى الإمام أحمد، عن محمود بن لَبِيد، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر). قالوا: يا رسول الله، وما الشرك الأصغر؟ قال: (الرِّياء).
إذا عرف هذا، فإن العمل إذا لم يكن خالصاً لوجه الله - تعالى - رُدَّ على صاحبه؛ ففي الصحيح عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه).
هذا؛ وإفساد الرِّياء للعمل وإحباطه للأجر، فيه تفصيلٌ؛ فالرِّياء لا يخلو من حالات ثلاث:
- إما أن يكون ورد بعد الفراغ من العمل أو قبله، فإن ورد عليه بعد الفراغ سرورٌ بالظهور من غير إظهار منه؛ فهذا لا يُحبِطُ العملَ، لأنه قد تمَّ على وصف الإخلاص.
- وإما أن يكون ورد قبل الفراغ من العبادة، كالصلاة التي عقدها على إخلاص؛ فإن كان مجرد سرور، لم يؤثر في العمل، وإن كان رياءً باعثاً على العمل، مثل أن يطيل الصلاة ليُرى مكانه؛ فهذا يُحبِطُ الأجر.
- وإما أن يكون مقارناً للعبادة، مثل أن يبتدئ الصلاة على قصد الرِّياء، فإن دفعه لم يضره، وإن أتمَّها على الرِّياء لم يُعتدّ بها.
قال الإمام ابن رجب الحنبلي: "واعلم: أن العمل لغير الله أقسام؛ فتارةً يكون الرِّياء محضاً؛ بحيث لا يُراد به سوى مراءاة المخلوقين لغرض دنيوي، كحال المنافقين في صلاتهم، كما قال الله - عزَّ وجلَّ -: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلاً} [النساء: 142].
وهذا الرِّياء المحض لا يكاد يَصْدُرُ من مؤمنٍ في فرض الصلاة والصيام، وقد يَصْدُرُ في الصَّدقة الواجبة أو الحج، وغيرهما من الأعمال الظاهرة، أو التي يَتعدَّى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيزٌ، وهذا العمل لا يشكُّ مسلمٌ أنه حَابِطٌ، وأن صاحبه يستحقُّ المقت من الله والعقوبة.
وتارةً يكون العمل لله، ويشاركه الرِّياء، فإن شاركه في أصله؛ فالنصوص الصحيحة تدلُّ على بطلانه وحبوطه أيضاً، كالحديث السابق: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك).
وأخرج الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه، من حديث أبي سعيد بن أبي فضالة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا جمع الله الأوَّلين والآخرين ليومٍ لا ريب فيه، نادى منادٍ: مَنْ كان أشرك في عملٍ عمله لله - عزَّ وجلَّ، فليطلب ثوابه من عند غير الله - عزَّ وجلَّ؛ فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك).
وخرَّج النَّسائي بإسناد جيد، عن أبي أُمامة الباهلي – رضي الله عنه - أن رجلاً جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أرأيتَ رجلاً غزا يلتمس الأجرَ والذِّكْرَ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا شيء له). فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا شيء له)، ثم قال: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً، وابتُغِيَ به وجهه).
ولا نعرف عن السلف في هذا خلافاً، وإن كان فيه خلافٌ عن بعض المتأخِّرين". اهـ.
وعليه؛ فجاهد نفسك على الإخلاص، لأن الحرص على المكانة عند الناس محبطة للعمل، وحرصك على رضا الله سيرضي عنك الناس،، والله أعلم.
- المصدر: