تحرير القول في شفعة الجار

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته السادة الكرام عندنا بقري صعيد مصر مشاكل جمة و جرائم ترتكب و حقوق تضيع بحجة الجار أولي بالشفعة فمثلاً عندما يريد أحد بيع عقار أو قطعة أرض سواء مباني أو زراعية لايستطيع بأي حال من الأحوال يبع إلا للجار و بالسعر الذي يحدده المشتري ( الجار ) و غالباً ما يكون بالبخس و حتي لو وصل الأمر للشرطة فالشرطة تحول الموضوع للجنة و اللجنة دائماً ما تقف مع القوي بحجة الجار أولي بالشفعة فما هي الشفعة آصلا في الشرع و ما هي شروطها ؟ ولكم جزيل الشكر والتقدير والاحترام

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن من تمام حكمة الشارع أن خص الشفعة لمن كان شريكًا في حقوق الملك، وأسقطها بوقوع الحدود وتصريف الطرق؛ لئلا يضر الناس بعضهم بعضًا؛ ومن تأمل نصوص الشارع الحكيم علم هذا؛ ففي الصحيحين قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل مال لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة"، وفي رواية لمسلم عن جابر، قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم، ربعة أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به من كان له شريك فى حائط فلا يبعه حتى يعرضه عليه"، وعنده أيضًا: "الشفعة في كل شرك، في أرض، أو رَبْعٍ، أو حائط، لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه، فيأخذ أو يدع، فإن أبى، فشريكه أحق به حتى يؤذنه"

وقد اتفق الفقهاء على ثبوت الشفعة للشريك الذي له حصة شائعة في نفس العقار المبيع ما لم يقسم، غير أنهم اختلفوا في ثبوتها للجار الملاصق والشريك في حق من حقوق المبيع، على أقوال كما في مجموع الفتاوى (30/ 383-384) لشيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال:

"وقد تنازع الناس في شفعة الجار على ثلاثة أقوال، أعدلها هذا القول: إنه إن كان شريكًا في حقوق الملك ثبتت له الشفعة وإلا فلا، وأيضًا فمن المعلوم أنه إذا أثبت النبي صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما يقبل القسمة، فما لا يقبل القسمة أولى بثبوت الشفعة فيه؛ فإن الضرر فيما يقبل القسمة يمكن رفعه بالمقاسمة، وما لا يمكن فيه القسمة يكون ضرر المشاركة فيه أشد.

وظن من ظن أنها تثبت لرفع المقاسمة؛ لا لضرر المشاركة كلام ظاهر البطلان؛ فإنه قد ثبت بالنص والإجماع أنه إذا طلب أحد الشريكين القسمة فيما يقبلها وجبت إجابته إلى المقاسمة، ولو كان ضرر المشاركة أقوى لم يرفع أدنى الضررين بالتزام أعلاهما، ولم يوجب الله ورسوله الدخول في الشيء الكثير لرفع الشيء القليل؛ فإن شريعة الله منزهة عن مثل هذا". اهـ.

وقال الإمام ابن القيم في كتابه "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (2/ 100):

"والصواب القول الوسط الجامع بين الأدلة الذي لا يحتمل سواه، وهو قول البصريين وغيرهم من فقهاء الحديث، أنه إن كان بين الجارين حق مشترك من حقوق الأملاك من طريق أو ماء أو نحو ذلك ثبتت الشفعة، وإن لم يكن بينهما حق مشترك ألبتة - بل كان كل واحد منهم متميزا ملكه وحقوق ملكه - فلا شفعة، وهذا الذي نص عليه أحمد في رواية أبي طالب، فإنه سأله عن الشفعة: لمن هي؟ فقال: إذا كان طريقهما واحدا، فإذا صرفت الطرق وعرفت الحدود فلا شفعة، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وقول القاضيين سوار بن عبيد الله، وعبيد الله بن الحسن العنبري، وقال أحمد في رواية ابن مشيش: "أهل البصرة يقولون: إذا كان الطريق واحدا كان بينهم الشفعة مثل دارنا هذه، على معنى حديث جابر الذي يحدثه عبد الملك".

فأهل الكوفة يثبتون شفعة الجوار مع تميز الطرق والحقوق، وأهل المدينة يسقطونها مع الاشتراك في الطريق والحقوق، وأهل البصرة يوافقون أهل المدينة إذا صرفت الطرق ولم يكن هناك اشتراك في حق من حقوق الأملاك، ويوافقون أهل الكوفة إذا اشترك الجاران في حق من حقوق الأملاك كالطريق وغيرها، وهذا هو الصواب، وهو أعدل الأقوال". اهـ.

إذا عرف هذا؛ ظهر أن ما يحصل في كثير من القرى من الحكم بالشفعة بدون تفصيل خطأ محض، فإذا انضم إلى هذا غبن صاحب الأرض أو العقار في الثمن، وقع أكل أموال الناس بالباطل، والشريعة تتنزه عن هذا، فالله تعالى إنما شرع الشفعة لرفع الضرر، وهذا من كمال محاسن الشريعة، وما فيها من مصالح العباد في المعاش والمعاد. والحمد لله وحده،، والله أعلم.