حكم الإكراه على القتل، وحكم الحجر على المفلس

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

ما الحكم الشرعي : 1/ الإكراه على القتل من حيث إقامة الحد على الفاعل . 2/ إذا استغرق الدين مال المحجور عليه. 3/تقسيم المال المثلي والقيمي دون أذن الشريك في الأموال المشتركة.

الإجابة:

 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:

 فقد أجمعت الأمة على أن الإكراه لا يعتبر عذرا في قتل النفس المعصومة، وأن من أكره على قتل أحد فلا يقتله؛ لأن نفس المكره ليست بأولى من نفس امن يكره على قتله.

 جاء في "أحكام القرآن للقاضي ابن العربي المالكي"(3/ 160): "إن القادر الظالم إذا قال لرجل: إن لم تفعل كذا وإلا قتلتك، أو ضربتك، أو أخذت مالك، أو سجنتك، ولم يكن له من يحميه إلا الله، فله أن يقدم على الفعل، ويسقط عنه الإثم في الجملة، إلا في القتل، فلا خلاف بين الأمة أنه إذا أكره عليه بالقتل أنه لا يحل له أن يفدي نفسه بقتل غيره؛ ويلزمه أن يصبر على البلاء الذي ينزل به".

ومن فعل ذلك كان عليه إثم قتل النفس، ويجب القصاص على المكرَه والمكرِه.

 قال الإمام ابن قدامة في "المغني"(8/ 266-267):

"أن يكره رجلا على قتل آخر، فيقتله، فيجب القصاص على المكرَه والمكرِه جميعًا، وبهذا قال مالك. وقال أبو حنيفة، ومحمد: يجب القصاص على المكرِه دون المباشر؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام – "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، ولأن المكرَه آلة للمكره، بدليل وجوب القصاص على المكرِه، ونقل فعله إليه، فلم يجب على المكرَه، كما لو رمى به عليه فقتله.

وقال زفر: يجب على المباشر دون المكرِه؛ لأن المباشرة تقطع حكم السبب، كالحافر مع الدافع، والآمر مع القاتل.

وقال الشافعي: يجب على المكره، وفي المكره قولان.

وقال أبو يوسف: لا يجب على واحد منهما؛ لأن المكرِه لم يباشر القتل، فهو كحافر البئر، والمكرَه ملجأ، فأشبه المرمي به على إنسان.

ولنا، على وجوبه على المكرِه، أنه تسبب إلى قتله بما يفضي إليه غالبًا، فأشبه ما لو ألسعه حية، أو ألقاه على أسد في زبية.

 ولنا، على وجوبه على المكرَه، أنه قتله عمدًا ظلمًا لاستبقاء نفسه، فأشبه ما لو قتله في المخمصة ليأكله.

وقولهم: إن المكرَه ملجأ، غير صحيح، فإنه متمكن من الامتناع، ولذلك أثم بقتله، وحرم عليه، وإنما قتله عند الإكراه ظنًا منه أن في قتله نجاة نفسه، وخلاصه من شر المكرِه، فأشبه القاتل في المخمصة ليأكله ". اهـ.

أما الحجر فمن أسباب الدين، ولا يكون محجورًا عليه إلا بحجر القاضي عليه، ولكن بشرط أن يكون الدين أكثر من ماله الموجود، ويسمى المدين الذي يستغرق الدين ماله ويزيد عليه مفلسًا.

وجميع تصرفات المدين بعد الحجر لا ينفذ شيء منها من بيع أو هبة أو غيره، وكل ما يتجدد له من مال بعد الحجر لا يصح له أن يتصرف فيه أيضًا.

وبعد الحجر يبيع القاضي ماله ويقسمه بين الغرماء بحسب ديونهم على الفور، ولا يحتاج إلى استئذان المفلس في البيع.

ويحرم على المفلس التصرف في ماله بما يضر غريمه، كما في نص عليه شارح المنتهى من الحنابلة.

قال الإمام ابن القيم في "إعلام الموقعين"(4/ 7):

"إن استغرقت الديون ماله لم يصح تبرعه بما يضر بأرباب الديون، سواء حجر عليه الحاكم، أو لم يحجر عليه، هذا مذهب مالك، واختيار شيخنا، وعند الثلاثة يصح تصرفه في ماله قبل الحجر بأنواع التصرف، والصحيح هو القول الأول.

وهو الذي لا يليق بأصول المذهب غيره، بل هو مقتضى أصول الشرع وقواعده؛ لأن حق الغرماء قد تعلق بماله؛ ولهذا يحجر عليه الحاكم، ولولا تعلق حق الغرماء بماله، لم يسع الحاكم الحجر عليه، فصار كالمريض مرض الموت؛ لما تعلق حق الورثة بماله منعه الشارع من التبرع بما زاد على الثلث، فإن في تمكينه من التبرع بماله إبطال حق الورثة منه". اهـ.

هذا؛ والله أعلم.