حكم ربط الشعر الطويل بالنسبة للرجل
ماهو حكم ربط الرجل شعر رأسه؟ وهل يجوز أن يصلي وشعره مربوط!!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن ربط الشعر للرجال مباح، ومنهي عنه في الصلاة نهي تنزيه؛ ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة، وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين، وأطراف القدمين ولا نَكفِت الثياب والشعر"، والكفت هو الضم الجمع، فيدخل في ذلك ربط الشعر ومنعه من السجود مع صاحبه، وهو بمعنى الكف كما في الرواية الأخرى للحديث.
وفي الصحيح عن ابن عباس أيضًا أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص إلى ورائه، فجعل يحله وأقر له الآخر، ثم أقبل على ابن عباس فقال ما لك ورأسي؟ قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنما مثل هذا كمثل الذي يصلي وهو مكتوف"، وروى أحمد ومعناه لأبي داود والترمذي.
وعن أبي رافع قال: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي الرجل ورأسه معقوص"، والعقص جمع الشعر وسط الرأس، أو لف ذوائبه حول رأسه كفعل النساء.
قال النووي في شرحه على مسلم (4/ 209): "اتفق العلماء على النهي عن الصلاة وثوبه مشمر أو كمه أو نحوه، أو رأسه معقوص أو مردود شعره تحت عمامته أو نحو ذلك، فكل هذا منهي عنه باتفاق العلماء، وهو كراهة تنزيه، فلو صلى كذلك فقد أساء وصحت صلاته؛ واحتج في ذلك أبو جعفر محمد بن جرير الطبري بإجماع العلماء، وحكى ابن المنذر الإعادة فيه عن الحسن البصري، ثم مذهب الجمهور أن النهي مطلقًا لمن صلى كذلك، سواء تعمده للصلاة أم كان قبلها كذلك لا لها، بل لمعنى آخر وقال الداودي يختص النهي بمن فعل ذلك للصلاة، والمختار الصحيح هو الأول، وهو ظاهر المنقول عن الصحابة وغيرهم؛ ويدل عليه فعل بن عباس المذكور هنا.
قال العلماء والحكمة في النهي عنه أن الشعر يسجد معه، ولهذا مثَّله بالذي يصلي وهو مكتوف". اهـ.
هذا؛ والثابتُ من فِعل النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ كان يُطِيلُ شَعره حتَّى يبلُغَ شَحْمَةَ أُذُنِه على العادات التي كانت معروفةً عند العرب؛ فعن البَرَاء بْنِ عازبٍ - رضي الله عنهما - قال: ((كانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلَّم - مربوعًا بَعيدَ ما بَيْنَ المَنكِبَيْنِ، له شَعرٌ يبلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِه، رأيْتُه في حُلَّةٍ حمراءَ لم أَرَ شيئًا قَطُّ أحسنَ مِنْه))؛ متفق عليه واللفظ للبخاري.
وكان يصِلُ شعرُهُ أحيانًا إلى مَنْكِبِه أو عاتِقِه؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه – قال: ((كان شَعرُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم – رَجِلاً، ليس بالسَّبْطِ ولا الجعد، بين أذنيه وعاتقه)) وفي رواية: ((كان يَضرب شعرُه مَنْكِبَيْهِ))؛ متفق عليهما.
قال ابْنُ القَيِّم في "زاد المعاد": "وكان شعرُه فَوْقَ الجُمَّةِ وَدُونَ الوَفْرَةِ، وكانَتْ جُمَّتُه تَضْرِبُ شَحْمَة أُذُنَيْهِ، وإذا طالَ جَعَلَهُ غدائرَ أَرْبَعًا؛ قالتْ أُمّ هانئٍ: "قدم علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - مَكَّة قَدمةً وله أَرْبَعُ غدائرَ" انتهى.
والغدائر: الضَّفائِرُ، والوَفْرَةُ: ما جاوَزَ شحمَةَ الأُذُنِ، والجُمَّةُ: هي ما سَقَطَ من شعر الرأس ووصل إلى المَنْكِبَيْنِ.
فلا حَرَجَ من إطالة الشعر أَوْ تَرْكِه، وقد نصّ العلماء أنه من جملة المباحات، وهو مذهبُ الجُمْهور، أن المسلمُ مُخَيَّر بين حَلْقِ شَعره أو تركه أو تقصيره.
وقال ابنُ قُدامةَ في "المغني": "ويُستَحَبُّ أن يَكونَ شَعْرُ الإِنسانِ على صِفةِ شَعْرِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ إذا طال فإلى مَنْكِبَيْهِ، وإن قَصُرَ فإلى شحمة أُذُنَيْهِ، وإنْ طوَّلَهُ فلا بأس، نصَّ عليه أحمدُ، وقال أبو عبيدة: كانتْ له عَقِيصتانِ، وعثمانُ كانَتْ له عَقِيصتان". اهـ.
أمَّا إن كان قصد المسلم إطالة شعره تشبُّهًا بالنساءِ أوْ بِبَعْضِ الكافِرِينَ أو الفاجرين، أو لِشُهرته ولتحسين صورته لجلب أعيُن النساء، واستمالة قلوبِهِنَّ: فيحَرَّمٌ له إطالة شعره؛ لأن للوسائل أحكامَ المقاصد.
ولكن يجب مراعاة العُرْفِ السائد في البلاد والعادة المضطردة في مثل ذلك، حتّى لا يُعَرّضَ
المسلمُ نَفْسَهُ للتهمة أو السخرية، أو اغْتِيابِ النَّاس له.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في "فتاوى نور على الدرب": "إطالةُ شعر الرأس لا بأس به؛ فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - له شعر يَقْرُبُ أحيانًا إلى مَنْكِبَيْهِ، فهو على الأصل لا بأس به، ولكنْ مَعَ ذلك هو خاضع للعادات والعرف، فإذا جرى العرفُ واستقرَّتِ العادةُ بأنَّه لا يَستعمِلُ هذا الشيءَ إلا طائفةٌ معيَّنة نازلة في عادات الناس وأعرافهم؛ فلا ينبغي لذَوِي المُرُوءة أن يستعملوا إطالَةَ الشعر؛ حيث إنه لدى الناس وعاداتِهم وأعرافِهم لا يكون إلا من ذوي المنزلة السافلة.
فالمسألة إذًا بالنسبة لتطويل الرَّجُلِ لرأسه من باب الأشياء المباحةِ التي تخضع لأعراف الناس وعاداتهم، فإذا جرى بها العرف وصارت للناس كلِّهم شريفِهم ووضيعِهم؛ فلا بأسَ به، أمَّا إذا كانت لا تستعمل إلا عند أهل الضَّعَة؛ فلا يَنبغِي لِذَوِي الشرف والجاه أن يستعمِلُوها، ولا يرِد على هذا أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلم - وهو أشرف الناس وأعظمُهم جاهًا كان يتَّخذُ الشعر؛ لأنَّنا نرى في هذه المسألةِ أنَّ اتِّخاذَ الشعر ليس من باب السُّنَّة والتعبُّد، وإنما هو من باب اتّباع العرف والعادة". اهـ.
إذا تقرر هذا فيجوز للرجل إطالة شعرة وربطه خارج الصلاة، وعدم ربطه في الصلاة، إن كان العرف السائدة في بلده يسمح بهذا، ولا يجوز فعل هذا إن كان العرف السائد هو إلتنقص ممن يطيل الشعر،، والله أعلم.
- المصدر: