هل التوبة بمفردها تسقط حق المظلوم

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

كنت اراسل اشخاصاً كانو ديوثيين وكانو يرسلون الي صور محارمهم وكان البعص يتجسس على محارمه فيرسل الي صورهم عارية وقد كنت اخوض معهم بالحديث والقذف والان احسست بعظيم ذنبي وقررت التوبة الى الله واقلعت عن الذنب ونصحتهم بان يرجعو الى الله وبينت لهم بان الديوث لا يدخل الجنة وقد استجاب البعض منهم والحمدلله / هل يعتبر ذنبي من الكبائر الموبقات وكيف اتحلل من النساء اللذين ظلمتهم بالنظر الى مفاتنهم دون علمهم و ما هي صيغة الاستغفار لمن ظلمته ، كيف استغفر لهم ماذا اقول وكم مرة يتوجب علي الاستغفار لهم وقد تبت

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:

فإنَّ مُشاهدة الصور العارية مُحَرَّمٌ مِنْ كلِّ وجهٍ، وتكمُن خطورتها في فتْحِ باب الشرِّ حتى تطلبَ النفس فعل الفاحشة الكبرى، فكم من أعراض انتُهكت، وحدودٍ تُعُدِّيت، وحياءٍ ذهب، وأخلاقٍ تحطمت بسبب رؤية تلك الصورة.

 ولكن الله تعالى قد فتح أبواب التوبة لعباده، وطمَّع في رحمته ومغفرته أهل المعاصي مهما يكونوا قد أسرفوا في المعصية، ويدعوهم إلى الأوبة إليه غير قانطين ولا يائسين، فليس بين من أسرف في المعصية، ولجَّ في الذنب، وأبق عن الحمى، وشرد عن الطريق إلا التوبة والأوبة، وأن يلج الباب المفتوح الذي ليس عليه بواب يمنع، ولا يحتاج فيه إلى استئذان؛ قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وقد دخل في هذا العموم الشرك والبدعة وإضلال الناس، وغيره من الذنوب، فإن الله تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لعبده التائب، فلا ييأس مذنب من مغفرة الله، ولو كانت ذنوبه ما كانت.

فَمَا على العبد إِلا أن يخلِص في التَّوبَةِ؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار}[التحريم:8]؛ قاله الإمام ابن القيم في كتابه "مدارج السالكين"(1/ 313)، مختصرًا.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (18/ 186) - بعدما ذكر الآيات الدالة على قبول التوبة -:

"هذا القول الجامع بالمغفرة لكل ذنب للتائب منه - كما دل عليه القرآن والحديث - هو الصواب عند جماهير أهل العلم، وإن كان من الناس من يستثني بعض الذنوب، كقول بعضهم: أن توبة الداعية إلى البدع لا تقبل باطنًا؛ للحديث الإسرائيلي الذي فيه: (فكيف من أضللت)، وهذا غلط؛ فإن الله قد بين في كتابه وسنة رسوله أنه يتوب على أئمة الكفر الذين هم أعظم من أئمة البدع؛ وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج: 10]، قال الحسن البصري: "انظروا إلى هذا الكرم! عذبوا أولياءه وفتنوهم، ثم هو يدعوهم إلى التوبة"، وكذلك توبة القاتل ونحوه، وحديث أبي سعيد المتفق عليه في الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا يدل على قبول توبته، وليس في الكتاب والسنة ما ينافي ذلك، ولا نصوص الوعيد - فيه وفي غيره من الكبائر - بمنافية لنصوص قبول التوبة.

فإنه قد علم يقينًا أن كل ذنب فيه وعيد، فإن لحوق الوعيد مشروط بعدم التوبة؛ إذ نصوص التوبة مبيّنة لتلك النصوص.

ثم بين رحمه الله أن التوبة بمفردها لا تسقط حق المظلوم إلا إذا شاء الله أن يعوض المظلوم من عنده، فقال: " فمن تاب من ظلم لم يسقط بتوبته حق المظلوم، لكن من تمام توبته أن يعوضه بمثل مظلمته، وإن لم يعوضه في الدنيا فلا بد له من العوض في الآخرة، فينبغي للظالم التائب أن يستكثر من الحسنات، حتى إذا استوفى المظلومون حقوقهم لم يبق مفلسًا، ومع هذا فإذا شاء الله أن يعوض المظلوم من عنده فلا رادَّ لفضله، كما إذا شاء أن يغفر ما دون الشرك لمن يشاء". اهـ. مختصرًا.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 493)

"أن صحة التوبة فيما بينه وبين الله لا تسقط حقوق العباد من العقوبة المشروعة في الدنيا؛ فإن من تاب من قتل أو قذف أو قطع طريق، أو غير ذلك فيما بينه وبين الله: فإن ذلك لا يسقط حقوق العباد من القَوَد وحد القذف وضمان المال، وهذا السب فيه حق لآدمي، فإن كانت التوبة يغفر له بها ذنبه المتعلق بحق الله وحق عباده، فإن ذلك لا يوجب سقوط حقوق العباد من العقوبة". اهـ

إذا تقرر هذا، فيجب عليك الإكثار من الأعمال الصالحة والدعاء بالخير لهؤلاء النساء، وأحسن الظن بالله تعالى فسبيل التوبة مفتوح دائمًا لكل من قصده، والله تعالى جواد كريم عفو غفور، ورحمته تسبق غضبه، والرحمة أحب إليه من الانتقام، والعقوبة والغضب، والفضل أحب إليه من العدل، والعطاء أحب إليه من المنع.

وأكثر من الاستغفار؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان أعظم الخلق كان أكملهم توبة، وأكثرهم استغفارًا؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة"، وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: "إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة"، وعن ابن عمر قال: "كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم"؛ رواه الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس توبوا إلى الله عز وجل واستغفروه فإني أتوب إلى الله وأستغفره كل يوم مائة مرة"؛ رواه أحمد والأحاديث في هذا المعنى الشريف أشهر من أن تذكر، وإنما نشير إشارة،، والله أعلم.