اتهام موسى بجريمة القتل وظل موسى طوال الليل بعيداً عن أعين الناس حتى أشرق النهار ﴿ فَأَصْبَحَ فِي ...

اتهام موسى بجريمة القتل
وظل موسى طوال الليل بعيداً عن أعين الناس حتى أشرق النهار ﴿ فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ﴾ القصص:18، فخرج يسير في طرقات المدينة يتحسس أخبار الفعلة التي فعلها، ويتسمع حديث الناس عنها وعمن فعلها، وذلك ليستوثق أنه غير مطالب بما حدث؛ وتلك غريزة بشرية تدفع بمرتكب الجريمة أن يحوم حولها، وإلا فماذا كان يحمل موسى على البقاء في المدينة؟
وفي أثناء سيره وجد ﴿ الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ﴾ القصص:18، طالباً منه العون والنجدة، فهو في مشاجرة جديدة مع مصري آخر؛ فنظر إليه موسى نظرة غيظ وغضب، وصرخ فيه بحدةٍ قائلاً: ﴿ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ﴾ القصص:18.
فكثيراً ما أكد عليهم موسى في جلساته السرية التي عقدها معهم أن المعارك الجانبية ضد من يظلمونهم، ستثير الثائرة على بني إسرائيل وهم عن الثورة الكاملة في هذا التوقيت عاجزون، وعن حركة التغيير المثمرة ضعفاء؛ وما عليهم في هذا التوقيت إلا أن يعمقوا إيمانهم، ويوحدوا صفهم ويجمعوا قوتهم لساعة الصفر التى سيعلو فيها نجم الإيمان ويرفع للعدل علماً يخفق في البلاد.
لذا تردد موسى في أن يفض هذا النزاع ويتركه ويمضي إلى سبيله، فهو يخشى من وقوع قتيل جديد بسبب يديه القويتين(1).
فما لبث إلا أن اندفع نحوهما متحفزاً رافعاً قبضة يده ﴿ فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما ﴾ القصص:19، ترك الإسرائيلي المصري خوفاً من موسى وانزوى بعيداً يخبئ وجهه بين ذراعيه ظاناً أن موسى قادم لضربه، ثم قال: ﴿ أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ ﴾ ؟! القصص:19.
فتوقف موسى مكانه، وأحنى هامته، وشحب لونه، ودارت الدنيا به ..
فقد أفشى هذا الغبي ما كان من أمره بالأمس أمام هذا الجمع من الناس!
الأمر الذي لم يتوقف عند هذا الحد المتأزم، فقد رماه الإسرائيلي الثرثار بالتي هي أشد فقال: ﴿ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ القصص:19، فأفشى السر الثاني وهو الأخطر؛ سر جلساته التي كان يعقدها مع بعض أقرانه من بني إسرائيل يعظهم فيها ويقول: إنه يريد إصلاح أوضاعهم، وأنه واحد منهم !!
اكتشاف حقيقة موسى
سمع المتجمهرون في منطقة الإشتباك هذه الأخبار الخطيرة، فتناقلوا الخبر وأحاط بموسى الخطر، وتعالت همهماتهم وهم يحملقون في موسى مندهشين ! أأنت من قتل المصرى بالأمس نصرة ومحاباة لبني إسرائيل ؟!
تركهم موسى وانزوى بعيداً عن أعينهم المصوبة نحوه ..
أما الرجل المصري فقد أسرع الخطى بهذه الأسرار الخطيرة نحو قصر فرعون الذي ما زال في حالة انعقاد دائم منذ أمس بسبب غياب موسى بن الفرعون، ولمقتل "أحد رجال القصر" في ظروف غامضة!
ولما وصل إلى قصر فرعون وأدلى بما سمعه من كلام الإسرائيلي عن موسى؛ تشاور الملأ من رجال القصر في هذه المصيبة التي نزلت عليهم، فالطفل الذي قتلوا في طلبه الآلاف هو موسى الذي تربى بينهم، والمصيبة الأكبر أنه كان يتردد على بني إسرائيل سراً في بيوتهم يعظهم ويحدثهم في الإصلاح والتغيير ليقودهم لثورة ضد الفرعون ونظامه ؟!!.
نصيحة من فاعل خير
وفي أثناء هذا الاجتماع الذي سيسفر لا محالة عن تدبير مذبحة جديدة لبني إسرائيل عامة ولموسى خاصة؛ علم أحد جنود فرعون بما يدبر لموسى عليه السلام فخرج بهذه الأخبار يمشى مسرعاً ﴿ وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى ﴾ القصص:20، دون أن يلفت الأنظار، لتسبق خطاه تدابير الملأ وتحركات جحافل الجنود، محذراً موسى مما يُكاد ضده.
وهنا ينبغي أن نقر بأن المصريين في كل العصور لم يفتقروا إلى وجود رجال شرفاء يناصرون الحق وأهله حتى في أحلك عصور الطغيان؛ فهذا البطل المصري عرض نفسه للخطر كي يُنجي موسى، وهو ليس على دينه؛ إذ إن الرجولة لا يشترط لها إسلام ولا إيمان ولا حتى توافق في الأفكار، فالقاسم المشترك بينهما أنهما يرفضان الظلم! وقد قدم الله صفة الرجولة عندما قص علينا قصته على صفة السير – بخلاف مؤمن ياسين- لأن رجولته في نصرة الحق سجية فيه كررها مراراً.
فلما وصل "الرجل" إلى المكان الذى علم أن موسى مختبأً فيه ﴿ قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ ﴾، بعدما اكتشفوا حقيقة أمرك وما كنت تسعى وتخطط له؛ ﴿ فَاخْرُجْ ﴾ من مصر ﴿ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ القصص:20.
هيا .. قم بسرعة .. فالوقت يمر .. اسلك طريق الصحراء، واتجه إلى أي بلد تضعف فيها قبضة فرعون لكيلا يلاحقوك هناك ..
...المزيد

موسى المربي والمُعلم ولما بلغ موسى سن الرشد واشتد عوده، واستوى واكتمل بنيانه، كُلف بالعمل رئيساً ...

موسى المربي والمُعلم
ولما بلغ موسى سن الرشد واشتد عوده، واستوى واكتمل بنيانه، كُلف بالعمل رئيساً للعمال من بني إسرائيل، ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ القصص:14، فكان يحسن إليهم ولا يشق عليهم كغيره من أمراء القصر، وكان لا يجرأوا أحد من المصريين أن يستعبد بني إسرائيل أو يستذلهم في حضوره؛ لذا أحبوه حباً شديداً، وتطلعت آمالهم فيه خيراً.
وتكشف الأحداث القادمة أنه اصطفى منهم صفوة يعلمهم دين أجدادهم يوسف ويعقوب وابراهيم، ليعود بهم إلى المعين الصافي لينهلوا سوياً منه - بعدما أفسد فطرتهم فرعون ونظامه - ويُكَوًن بهم ظهيراً شعبياً يقف به أمام فرعون في الوقت المناسب مطالباً بحريتهم.
فلا عز للأمة إلا بأن تكون كل قواها مجتمعة ومتضافرة ومتناصرة تسعى إلى غاية واحدة تحت قيادة واحدة تقيم الحق فيها، وتؤلف بين أفرادها بالأخوة في الله، وتوجهها وجهة العمل لإعزاز دين الله، وإعلاء كلمة الله.
وبدأت هذه الجلسات السرية التي كان يعقدها موسى عليه السلام مع أقرانه من بني إسرائيل بمساعدة شقيقه الأكبر "هارون" تؤتي ثمارها، فقد ربى موسى هذه الصفوة على الحرية التي هي الترجمة الحركية لقولهم لا إله إلا الله، والتي تلزم المسلم ألا يُخضع رقبته لأحد سوى الله، كما رباهم على الوقوف ضد الظلم فهم أحفاد إبراهيم عليه السلام الذى تصدى وحده لجبروت النمرود ..
فالشعوب إذا استمرأت الظلم ورضيت بالهوان وغلب عليها الخوف؛ أعطت الطاغية فرصة وشجعته على الاستمرار والزيادة في البغي و"إن الأمة التي تحسن صناعة الموت، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهب الله لها الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة"(1).
فالناس من خوف الموت في موت، ومن خوف الذلة في ذلة، فإن أحبوا الموت في سبيل عزتهم وحريتهم، وإن باعوا أنفسهم وبذلوها في سبيل الحق وحماية الديار، وعرضوها لكل مهانة – يتوهمونها- في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أحياهم الله أقوى الحياة وأعزها ، "فأعدوا أنفسكم ليوم عظيم، واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة، واعلموا أن الموت لا بد منه، ولا يكون إلا مرة واحدة، فإن جعلتموها في سبيل الله كان ذلك ربح الدنيا وثواب الآخرة"(2)﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ﴾ البقرة:243.
وقد استطاع موسى عليه السلام خلال هذه الجلسات التربوية أن يضع يده على موضع المرض عندهم؛ ليعالجه فالعلاج يبدأ من النفس، ولأن المرض هو في النفس ذاتها، فإن الله تعالى جعل إرادة التغيير مرتبطة بالإنسان نفسه، فإذا أراد الشعب أن يتحرر فلابد من أن يقهر الخوف في داخله، وبالتالي تأتى إرادة الله تعالى تالية ومؤكدة لإرادة الشعب ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ الرعد:11، فالشعب إذا قام بتغيير نفسه من الخوف والخنوع؛ إلى الشجاعة والمواجهة والصبر، فإنه لابد أن يقهر الحاكم ويحوله إلى خادم له، فتلك هي وظيفته الحقيقية.
ومن هنا يحرص الحاكم المستبد على مطاردة الأفكار التي تنتج وعياً بالحقوق، والتي تشجع الشعب على أن "يغيّر" الخنوع إلى شجاعة وإقدام واستهانة بالموت في سبيل حياة كريمة.
عالج موسى عليه السلام خلال هذه الجلسات ما اعترى نفوسهم من الجبن وخور العزيمة، وفِقدان الشجاعة والشهامة، جمع قلوبهم المتنافرة، وقوى أخّوتهم الضعيفة؛ فحياة الأمم بقوة الحيوية في نفوس أفرادها، وبما يتأجج في قلوبهم من الحماسة والغيرة على دينهم وأوطانهم، وبما يجري في دمائهم من أخوة وشهامة.
ولكن كشأن أي عمل سري يعمل لنصرة الدين وإحياء مبادئه في النفوس، أن يعتريه الخطأ أو يُختار فيه من لا يستحق هذا الشرف؛ فذات يوم - كعادة موسى– تخير وقت غفلة فرعون وعيونه ﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا ﴾ القصص:15، متخفياً إلى المكان الذي يلتقي فيه أشياعه وأنصاره الذين اختارهم بعناية من بني إسرائيل ليعلمهم ويربيهم؛ وإذا به في الطريق يجد ﴿ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ ﴾.
المفاجأة أن أحدهما من المجموعة التي يربيها ﴿ مِنْ شِيعَتِهِ ﴾ مناصري فكره وأخلاقه ومبادئه؛ وكان يتشاجر مع أحد رجال دولة فرعون من أصحاب القوة والسلطان ﴿ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ وظاهر الأمر أن المصري كان صاحب حيثية تعطيه الحق في دولة فرعون العسكرية أن يضرب من يشاء وأن يقتل من يريد؛ فقد كان من طوائف الملأ الفرعوني في حواري العاصمة جماعات تحترف الاستطالة على الناس، وقد أعطاها الفرعون تلك السلطات ليفعلوا ما يشاءون خاصة مع بني اسرائيل دون حساب أو معاقبة.
فاقترب موسى منهما وسياط الضرب تنهال كالسيل على تلميذه الذي من شيعته، فلما رآه صاح مستغيثاً به طالباً منه أن ينجيه من العذاب الذي ينزل عليه من المصري ﴿ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ القصص:15.
موسى يقتل المصري
فدخل موسى بين الرجلين، ليدفع عن الإسرائيلي هذه اليد التي تسومه سوء العذاب، وطبيعي أن يتصدى المصري لموسى، وأن يعدّ ذلك فضولاً منه بالتدخل فيما لا يعنيه، فكان بين الرجلين- موسى والمصري- شدّ وجذب، بل ربما مد المصري يده إلى موسى !
﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى ﴾ بقبضة يده في صدره ..
تلقى المصري الضربة فترنح قبل أن يسقط على الأرض بلا حركة !
اندهش موسى عليه السلام، فالضربة لم تكن قوية لدرجة قتله ! فانحنى على صدر الرجل، ووضع يده على أنفه فلم يستشعر الأنفاس ! فقلبه يمنة ويسرة .. فإذا بالرجل قد مات !
فهرب موسى إلى حيث لا يراه الناس، وجلس يستغفر الله من ذنبه وخطيئته ﴿ قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ﴾ القصص:16، فإنه وإن كان قتل «خطأ»، فهو على كل حال ذنب، وذنب عظيم في حق من يُعد للنبوة؛ ولكن مغفرة الله فوق كل ذنب وإن عظم، لمن تاب وأخلص التوبة وطلب المغفرة ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً﴾ النساء:110
ثم نظر موسى إلى جسده ويديه التي وجد منهما قوة لم يكن يتوقعها فقال: ﴿ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ على فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ﴾ القصص:17
فهو بهذه النعمة التي أنعم الله بها عليه يملك قوة جسدية خارقة، وإنه ينبغى- لكى يرعى هذه النعمة، ويؤدي حق شكرها لله- ألا يستخدمها إلا في الخير، وألا يظاهر بها الأشرار المعتدين، فمن كمال شكر الله على نعمه ومن تمام التوبة على التقصير - أن يعزم المرء على التغيير للأفضل، وأن يتقرَّب إلى مولاه بنيةٍ صالحة، وهِمَّةٌ عالية، وعزمٌ جديد، فيقرِّر أن يتبع تلك التوبة ويجمل ذلك الشكر بمعالي الأمور وعظائم الطاعات..
لذا قطع موسى على نفسه عهدًا راقيًا..
فهو لن يكون ظهيرًا للمجرمين، ولن يكون عونًا للظالمين، ولن يركن للمفسدين..
...المزيد

موسى بين تربيتين ! كبر موسى بين ظهراني القوم فصار طفلاً ثم صبياً؛ وكان من ذكاء أمه أنها أسقته ...

موسى بين تربيتين !
كبر موسى بين ظهراني القوم فصار طفلاً ثم صبياً؛ وكان من ذكاء أمه أنها أسقته جرعات مضاعفة من الحنان فتعلق بها وبالجلوس معها أكثر من تعلقه بقصر فرعون وما فيه !
فلقد كان من تدبير الله أن يبتعد موسى عليه السلام عن بيئة بني إسرائيل الذليلة المريضة المهينة؛ فقد بلغوا من الذل والخضوع حدَّ أن يأتي الشرطي من جنود فرعون وينتزع الرضيع من يدي أمه ويقتله ذبحاً أمام عائلته، دون مقاومة !
لذلك لم يتركه الله ينشأ في هذه البيئة الذليلة؛ فيُذَل مثلهم في سجن، أو يقهره تحكم أصحاب الملك والسلطان، فالحياة في ظل الطغيان ضارة بالنفس، دافعة لقبول الضيم والذل والخضوع.
وقدّر الله له أن يشِب في قصر فرعون ليذوق طعم العزة والكرامة، ولينشأ قوي القلب شجاعًا، ثابت الجنان، لما يصطبغ به مما حوله من عظمة وشموخ وكبرياء وعلم وشجاعة ..
كما كان من تقدير الله أن يشِب موسى في قصر فرعون ليُزيل الله من قلبه مهابة الملوك والأمراء، فقد أراه بعينيه فرعون بشراً -لا إلهاً، ولا أسطورة، ولا شيئا رهيباً- رآه كسائر البشر، يفرح ويحزن، يفزع ويغتم، يتألم ويمرض، يقوى ويضعف !
فلم يعتقد فيه ما يعتقده أولئك الأذلاء من سطوة وجبروت وسلطان وصولجان!!
كما نشأ موسى بين مظاهر الترف ومباهج الملك والسلطان كما ينشأ أبناء الملوك، فتعلم كيف يتكلم كأمير، وكيف ويمشى كأمير، وكيف يأكل كأمير، فهو يدعى الأمير موسى بن فرعون.
ولئلا تكون تلك العظمة هي الأغلب عليه، فيكون مستكبراً طاغياً، حرم الله عليه المراضع فلم يقبل إلا ثدي أمه؛ ليرضع منها العطف على بني إسرائيل والرحمة بأمته وشعبه، وليتعلم منها البساطة والتواضع وأهمية الشعور بالآخرين، ومساعدة المحتاجين واغاثة الملهوفين، وعدم الرضى بالظلم والسعى بكل قوة لمقاومته ورفعه عمن وقع عليه، ولعلها كانت تُسمعه قصصاً من بينها قصة يوسف النبي الصديق الذي ما زال المصريون يحمدون صنيعه بهم بعدما أنقذهم من أزمة اقتصادية طاحنة، وأن هذا النبي هو جد أولادها ..
وبذلك نجحت أم موسى بإمكانياتها المتواضعة أن تربط ابنها بها، حتى لا تلهيه مظاهر الترف التي في قصر فرعون عنها؛ كما نجحت في أن تنتقل من كونها مجرد "مرضعة موسى" إلى حاضنته ومربيته، بعدما كادت مهمتها تنتهي بعد فطامه، وكلما شب موسى غرست فيه أمه قيمة جديدة، وجعلته يتعلق بها أكثر وأكثر ..
موسى يعرف الحقيقة
أتى اليوم الذي تسآل فيه موسى بإلحاح عن سر تسميته بهذا الإسم تحديداً ؟
فأجابته آسية بما تعرفه
تلك الإجابة التي لم تروي فضوله الذي جعله شارد الذهن دائما يفكر في أهله الذين لا يعرفهم حتى الآن، حتى قطعت "يوكابد" تفكيره بلمسة يدها اليابسة على خده، قبل أن تحتضنه.
- ما بك يا موسى ؟
- أريد أن أعرف من أنا، ما هو أصلي وفصلي، لماذا ألقاني أهلى في الماء وتخلو عني ؟
قالت: والله ما ألقوك برضاهم ولا تخلوا عنك.
- أتقسمين على غيب لا تدركيه ؟
سكت لسانها عن الجواب، فضاقت عينا موسى ومال رأسه:
- أنت تعرفين من أنا؟ أليس كذلك ؟
غاصت عيناها الدامعة في التراب ولم تجبه .. فأمسك كتفيها برفق قائلاً:
- لقد عشت في هذا القصر سنين قبل أن أدرك أنني غريب عن أهله، الذين انتشلوني من الماء الذين ألقاني أهلي فيه، وعطفت عليّ سيدة القصر "آسية" واتخذتني ابناً لها على غير رغبة من فرعون، فمن أنا ؟
إزداد بكاء أم موسى قائلة له:
سامحني يا بني، فالأمر لم يكن يوماً بيدي، لك أن تعرف يا بني أنك لست لقيطاً لا أهل له، بل أنت من أحفاد يوسف عليه السلام، أنت سليل بيت النبوة، جدك خليل الله إبراهيم.
تعرق وجه موسى، وتلاحقت أنفاسه ..
- فمن هو أبي ؟
فقالت: هو عمران زوجي ..
ضم موسى جسدها الهزيل إلى صدره ضمة حانية، وأجلسها بجواره لتقص عليه القصة بتفاصيلها، فلما قصت عليه القَصص .. سألها: هل أبقى في قصر فرعون؟
فأجابته: نعم؛ ابق كما أنت، لأن فرعون لو علم بالخبر سيلحقك بإخوانك الذين ذُبِحوا من ذكور بني إسرائيل، وارفع الظلم ما استطعت عن بني إسرائيل، إلى أن يأذن الله بزوال الغمة، ويجمع شملنا جميعاً خارج مصر.
...المزيد

أخت موسى والحس والأمني كانت أخت موسى في هذه الأثناء قد تسللت في خفّة ولطف تحوم حول قصر فرعون تلتقط ...

أخت موسى والحس والأمني
كانت أخت موسى في هذه الأثناء قد تسللت في خفّة ولطف تحوم حول قصر فرعون تلتقط الأخبار المتناثرة من أفواه القوم ولا تستخبرهم عنها، تستقرأ الحركات والإشارات، وتتأول الرموز والألغاز في حيطة وحذر حتى لا يفتضح أمرها وأمر الوليد معها، كل هذا يحدث ﴿ عَنْ جُنُبٍ﴾، فهي لم تكن تتلقى أخباره لقاء مواجها، وإنما كانت تتلقاها عرضاً، كأنه من غير قصد! ﴿ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ القصص:11، فأي شجاعة كانت تمتلكها، وأي عقل راجح كان عقلها !
وقد "كان من الممكن أن يرى القوم أخت موسى وهى ترقبهم فيتم القبض عليها وينتهى الأمر، ولكن كيف لهم أن يروها بأبصارهم، وتلك الأبصار لا تتحرك ولاترى إلا بأمر الله وقدرته ؟!!"(2).
وحرمنا عليه المراضع !
دب الجوع في معدة موسى، وانهمرت عيناه في البكاء وعلا صراخه حتى عكر هدوء القصر، فخافت آسية أن يجن جنون فرعون بسبب انزعاجه من صراخ موسى، فذهبت إلى المرضعة ونهرتها قائلة: لماذا لا ترضعينه ؟!
فأجابتها متعجبة من الطفل وهي تقول: إنه يرفض الرضاعة رغم أنه جائع !
فاتهمتها آسية أنها امرأة سيئة اللبن، وأخذت موسى منها محاولة أن تهدئ من روعه، وتسكن من هلعه، ثم أرسلت جواري القصر وخدمه يلتمسن له المراضع، في صور وأشكال شتّى.. إنه ابن فرعون.. وإن الدولة كلّها في خدمته وأجهزة الدولة كلها تعمل لتحقيق سعادته.
وعندئذ تدخلت أخت موسى بعدما كانت ترقب الأوضاع ﴿ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ﴾ القصص:11، إذ لا بأس من أن تعرض ما عندها من أفكار لعلها تروق لأعين القوم، ولعلها تحقق لهم ما يريدون ﴿ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ القصص:12
فلم يترددوا في قبول هذا العرض.. وأرسلوا إلى المرضعة الجديدة - أم موسى- يطلبون منها أن تأتي لترضعه، فلبت النداء وانطلقت معهم وقلبها يسبق قدميها شوقاً إليه وفرحاً برؤيته، ولكنها كانت تذكر نفسها بضرورة ضبط مشاعرها وانفعالاتها عندما تراه حتى لايُشك في أمرها ..
فلما وصلت القصر رحب بها الجميع وأبصارهم ترقبها .. هل ستنجح في إرضاعه أم سيأبى الرضاعة كما فعل مع السابقات ؟
ولكن المفاجأة .. أنه ما إن شعر موسى بدفء أمه، واشتم رائحتها حتى أقبل على ثديها والتقمه بنهم؛ فلقد كان للرضعات التى أرضعتها له أمه أثراً مهماً في معرفته لها وتمييزه لرائحتها من بين كل المرضعات، ولما شبع من الرضاعة عاد وجهه مشرقاً، وعلت ثغره اللطيف ابتسامة أشرق لها القصر الذي قد عكر صفو هدوئه بصراخه المتواصل، ثم نام في يسر!
ففرحت الجواري بذلك فرحًا شديدًا، وذهب البشير إلى امرأة فرعون، فاستدعت أم موسى، وقالت لها: من أنت ؟! فقد أبى موسى كل ثدي إلا ثديك ؟!
فقالت أم موسى: إني امرأة طيبة الريح، طيبة اللبن، لا يؤت لي برضيع إلا قبلني.
فأحسنت آسية إليها، وأعطتها مالاً كثيراً - وهي لا تعرف أنها أمه- وأمرت أحد رجال الملأ أن يهيئ المكان الذي تعيش فيه مع موسى لترضعه وتربيه لها؛ كما تكفلت آسية بنفقاته إضافة إلى أجر كبير تأخذه "يوكابد" نظير عملها كمرضعة، على أن تأتيها به يومياً لتطمئن عليه وتجلس معه بعض الوقت.
وبذلك رجعت أم موسى بابنها راضية مرضية، وعاش موسى مع أمه في حماية فرعون وجنوده، تحت رعاية الله وعنايته، ولم يكن بين الشدة والفرج إلا يوم وليلة، فسبحانه – عز وجل - وعد فأوفى؛ وعد الله أم موسى بأنه سيرده إليها، وأوفى بوعده ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾ التوبة:111.
فقد أجرى الله الأحداث بهذا الشكل العجيب لكى يرده إليها كما أخذه منها ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ القصص:13 فما الصندوق والنيل وامرأة فرعون والمرضعات ومشاهد القصة كلها إلا جنود لله يتحركون بأمره وينفذون مشيئته سبحانه وتعالى.
ثم يغلق الستار على هذا المشهد بعدما أوفى الله بوعده الأول لأم موسى وهو ﴿ إِنَّا رَادُّوهُ إليكِ﴾ لتبدأ أحداث أخرى جديدة تدفع بموسى نحو صناعة ربانية فريدة ليتحقق لها الوعد الثاني ﴿ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ فيكون من الرسل والنبيين.
#موسى_كل_عصر
#يتبع
...المزيد

مولد موسى وفي اليوم الذي أراده الله بدأت "يوكابد" تشعر بآلام الولادة، فأرسلت ابنتها "مريم" في طلب ...

مولد موسى
وفي اليوم الذي أراده الله بدأت "يوكابد" تشعر بآلام الولادة، فأرسلت ابنتها "مريم" في طلب صديقتها "الثقة" لكي تساعدها في لحظات ولادة هذا الطفل؛ وبالفعل جاءت المرأة ولم يقعدها الخوف من تهديدات فرعون وجنوده أن تغيث من استغاثت بها، فقامت بمهمتها على الوجه الأكمل، وها هو المولود ملفوف بلفافة متواضعة بين يديها ..
انظر إليه .. إنه خمري اللون، واسع العينين لا يراه أحد من الخلق إلا ألقى الله محبته في قلبه ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾ طه:39، وبهذا تحققت النبوءة الأولى التي رأتها أمه قبل مولده .. إنه "ذكر"، لذا ما لبثت حتى تملكها الخوف الشديد من بطش فرعون وجنوده، واستبد بها القلق على ابنها الرضيع، فضمته إليها وعيناها تذرفان دموع الخوف على مصيره؛ فألقى الله في قلبها نداءه ﴿ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ﴾ القصص:7.
ومضت الأيام تباعاً والأم متعلقة بولدها كتعلق أي أم بولدها الرضيع، زيادة أنه الطفل الذي ما تراه حتى تحبه، وسعت جاهدة ألا يسمع صوت بكائه أحد أحد الجيران، ومستعينة بالأعشاب المهدئة، وخيمة محكمة تسجيه فيها داخل غرفتها التي تطل على فرع النهر، مستعينة بصوت مياه النيل المتدفقة لتطغى على صوت صراخه إن قرصه الجوع.
كما كانت تحاول جاهدة أن تدرب نفسها على وضع وليدها في التابوت وتتركه عائماً فيه بين البوص والحشائش النابتة في اليم كما خططت، ولكن قلبها-كأم- لم يطعها في ذلك، فإنه إن نجى من الغرق فقد لا يسلم من فكوك التماسيح.
وظلت على حالتها هذه، تقضى الأيام وهي شاردة ذاهلة، ينقبض صدرها مع كل صيحة تصدر من أم ذُبح ولدها، يحدوها الأمل وهي تتسمع الأخبار، عسى أن يكتفي الفرعون بدماء المواليد التي سالت ويصدر عفواً تنتهي به تلك المحنة العصيبة، أو تُطوى الأيام طياً فيكبر ولدها بسرعة بين إخوته ولا يعرف الناس عام مولده فينجو من السكين التي تنتظره.
رفع حالة الطوارئ
وفى يوم من الأيام بوغت هامان بثورة سيده الفرعون الذي استيقظ من نومه غاضباً وأطاح بكل ما أمامه من أثاث وتماثيل ولما رآه صرخ فيه قائلاً : لقد رأيت هذه الرؤيا مجدداً ! وسيخرج من بني إسرائيل من سيسلب ملكي !
فاستجمع هامان بعض الكلمات التي حاول إرضائه بها، وانصرف من أمامه بعدما أطلعه أنه سيعطي تعليماته للجنود برفع حالة الطوارئ القصوى وتوسيع دائرة الاشتباه لتشمل تمشيط جميع خرائب وأكواخ بني إسرائيل بلا استثناء كإجراء احترازى، فلعل الطفل "المشؤوم" وُلد وتم تخبئته في مكان ما.
هدأت نفس فرعون المضطربة .. ووافق على اقتراح هامان، وأمره بالتنفيذ.
ومع مطلع الفجر فوجئت أم موسى بعربات جنود فرعون تقتحم بيوت بني إسرائيل بكل همجية .. وقد بدى لها أن البحث عشوائي هذه المرة !
فذهلت من هول المفاجأة ولم تعد تدري ماذا تفعل .. كاد عقلها يطيش !!
ولسانها يلهج بكلمة واحدة يارب..يارب..يارب ..
أطلت مرة أخرى من شرفة بيتها .. فإذا بهم قادمون نحوها ..
وهنا يبلغ المشهد حداً بالغاً من التأزم، تُحبس فيه الأنفاس وتضطرب معه القلوب وتذهب النفوس عن الحاضر الذى تعيش فيه، لتقف وراء أم موسى تستحثها وتصرخ فيها أن تسرع لإلقاء ابنها الرضيع في التابوب العائم في اليم ..
فأسرعت الأم وأخذت ولدها الرضيع وبسرعة "قذفته" في التابوت، ثم قذفت التابوت في اليم(1)، وأصوات قرع الجنود لباب بيتها تزداد، ونداءات كسر الباب تتعالى ..
اقتحموا بيتها وقلبوه رأساً على عقب - دون مراعاة لحرمته - بحثاً عن أي مولود لها أو لغيرها تمت تخبئته في البيت .. وقفت الأم وقلبها مضطرب يحتمي بها طفلها الصغير "هارون" وتختبئ خلف ظهرها ابنتها "مريم"، والفزع يسود الموقف، إلى أن انتهى الجنود من التفتيش وانصرفوا !
فوقعت الأم على الأرض ساجدة لله الذي نجى ولدها الرضيع من هؤلاء الذباحين إذ لم يعثروا عليه؛ ثم قامت تجري نحو اليم تتعثر خطاها المضطربة من هول ما رأت، لتطمئن على ولدها ..
وإذا بالمفاجأة ! لقد نسيت أن تربط التابوت !!
فظلت تلتفت يميناً ويساراً بحثاً عنه ..
فإذا بالتابوت قد سحبه الموج بعيداً ..
فانفطر فؤادها الذي امتلأ حباً لموسى وخوفاً عليه، وكاد قلبها يتوقف، وهى ترى ابنها عائمًا في صندوق وسط النهر، يأخذه الموج يمنة ويسرة صعوداً وهبوطاً نحو مصيره المحتوم الذى حاولت كثيراً أن تبعده عنه!
...المزيد

قرارات جديدة لفرعون وصلت إلى الدولة أخبار – عن طريق جواسيسهم - أن بعض نساء بني إسرائيل يخفين ما ...

قرارات جديدة لفرعون
وصلت إلى الدولة أخبار – عن طريق جواسيسهم - أن بعض نساء بني إسرائيل يخفين ما يلدن من أطفال ذكور؛ فقام فرعون بإصدار قرار بحظر عمل قوابل(1) بني إسرائيل، على أن تقوم الطبيبات المصريات بمتابعة حمل نساء بني إسرائيل وإبلاغ الجنود بالمواليد الذكور لينفذ فيهم حكم الذبح علناً وفوراً أمام الناس؛ كما أصدر قراراً بمكافأة كل رجل أو امرأة تبلغ عن أي طفل ذكر ولد ولم ينفذ فيه حكم الذبح، ومعاقبة أسرته وعائلته إذ تستروا على طفل هارب من العدالة !
وعلى الفور قام هامان وجنوده بالتنفيذ.
وأوحينا إلى أم موسى
وتحت غيوم البطش السوداء، ورياح الفزع العاتية، وتحركات الشرطة السرية الذين يتابعون نساء بني إسرائيل اللاتي أوشكن على الولادة، وصرخات الأمهات وهن يندبن أطفالهن الذين قُتِلوا ظلمًا، كان الرعب يسيطر على كيان زوجة عمران، ويستولى الخوف على قلبها، فقد آن وضع جنينها الذي سعت وبكل طاقتها خلال الأشهر الماضية أن تخفي خبر حملها به عن أقرب الناس إليها من عائلاتها وجيرانها، واحتاطت قدر استطاعها من باب الأخذ بالأسباب ألا يبدو عليها آثار الحمل الجديد، فارتدت ملابس واسعة فضافضة أمام القريب(1) والغريب، وقللت خروجها من بيتها إلا للضرورة القصوى؛ لقد فعلت ما في وسعها .. ولكن ياترى هل هذا يكفي ؟!
استغرقت في تفكير عميق، يتنازع أطرافه يقين الإيمان ولهفة الأم على وليدها، ووسوسة الشيطان الذي يريد أن يزلزل فيها ثبات الإيمان، ولكنها كانت تلوذ بربها الذي إرادته فوق إرادة البشر، وتستعيذ به من تلك الوساوس الشريرة.
فإذا بالله مؤنس كل وحيد، وصاحب كل فريد، يرسل إليها بعض الرؤى والخواطر والإلهامات يؤنسها ويسليها بها ذكرها الله في القرآن فقال: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(2)﴾. القصص:7
وخلاصة هذه الرؤى والإشارات التي عبر عنها القرآن بأنها "وحي" ألا تخاف على الطفل الذي في بطنها عندما تلده، وما عليها سوى الأخذ بالمزيد من الأسباب في الحفاظ عليه، فإنه محفوف بعناية الله ورعايته لأنه يوماً ما سيكون نبياً رسولاً.
ويبدو - والله أعلم- أن هذه الرؤى والإشارات كانت تأتيها متقطعة وعلى مراحل فمثلا:
تأتيها رؤيا مفادها أن ترضع ولدها فإذا خافت عليه من عيون فرعون التي تتلصص على أكواخ بني إسرائيل وتبحث عن المواليد الجدد من الذكور؛ فلتصنع له تابوتاً وتضعه فيه وتتركه في اليم.
ثم تأتيها رؤيا أخرى ترى فيها أن وليدها أخذه جنود فرعون ولم يقتلوه! بل عاش هناك في قصره وتربى في كنفه وصار يلبس ملابس الأمراء !!
ثم ترى رؤى أخرى يظهر وليدها فيها نبياً ورسولاً يدعو الناس لعبادة الله الواحد الأحد على خطى من سبقوه من أجداده يوسف ويعقوب وإبراهيم.
وكل هذه الرؤى والإشارات والإلهامات المتفرقة باتت تطمئنها، وإن كانت لا تعدو عن كونها رؤى تصح أو لا تصح، ولكنها أخذت بالأسباب مستعينة بهذه الرؤى والإشارات في حل مشكلتها(1)، فصنعت لولدها تابوتاً من البردي لكي يكون خفيفاً فيطفو، ثم طلته بالزفت لكيلا يدخله الماء، ثم هيأت مكاناً بين البوص والحشائش النابتة في اليم خلف بيتها لتخبأ فيه التابوت إن شعرت على ولدها بالخطر، ونسقت مع إحدى قوابل بني إسرائيل ممن تثق فيهن ثقة كبيرة لكي تساعدها في لحظات الولادة خاصة أن ابنتها مريم ما زالت فتاة صغيرة لا تفقه كثيراً من هذه الأمور، وزوجها عمران قد بلغ من الكبر عتياً.
...المزيد

في كوخ من أكواخ بني إسرائيل المبنية في مكان أشبه ما يكون بالمناطق العشوائية الفقيرة الموجودة في ...

في كوخ من أكواخ بني إسرائيل المبنية في مكان أشبه ما يكون بالمناطق العشوائية الفقيرة الموجودة في بلادنا العربية الآن، كانت تعيش أسرة نبي الله موسى ، تلمح داخل هذا البيت الصغير الفقير المتواضع وفتاة اسمها "مريم"، وطفلاً صغيراً عمره دون العامين اسمه"هارون"، وأم اسمها يوكابد(1)، وأب اسمه "عمران" بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إبراهيم عليهم السلام".
حادث مروع
وفي ليلة من الليالى تأكدت زوجة عمران أنها حامل في مولود جديد؛ من إرهاصات الحمل التي بدأت تظهر عليها، فبشرت زوجها "عمران" بهذا الخبر السعيد، وفرح فرحاً شديداً، وعلا صوت ضحكاتهما ومزاحهما مع أولادهما في تلك الليلة، إلى أن سمعوا أصوات صراخ وبكاء تخرج من بيت مجاور لهم من بيوتات أقاربهم من "بني إسرائيل" !!
فخرجوا من بيوتهم، فإذا بقوات الأمن من جنود فرعون تطوق المكان وتمنع الناس من الاقتراب منه؛ وبعد أن انتهت مهمتهم، وابتعدت أقدامهم، واختفت ملامحهم الوحشية، إذا بأم ملقاة على الأرض فاقدة للوعي، هي أقرب للموت منها إلى الحياة..
إنها المرأة التي ولدت منذ ساعات طفلاً .. وهاهو الطفل الذي أنجبته مذبوحاً بجوارها يفيض دمه الطاهر في الشارع !!
ذهبت "يوكابد" إليها مسرعة تخفف عنها آلام فقدها لولدها، وتواسيها في حزنها، وهي تتساءل مالذي حدث، وأي جريمة فعلتم ؟!.
فإذا بالمفاجأة.. هذا قرار سيادي بدأ تنفيذُه منذ الليلة على كل مولود ذكر سيولد من بني إسرائيل خلال المرحلة المقبلة، نتيجة لما رآه فرعون في منامه من رؤيا أفزعته جمع من أجلها أعلم أهل مصر ليفسروها له ..
وبعد أيام من خوفهم من الإفصاح والتصريح له بالتأويل الحقيقى لهذه الرؤيا حسموا أمرهم وقرروا إخباره بهذه الحقيقة التى قلبت حياته إلى كابوس مفزع ..
لقد أخبروه أن طفلاً سيولد من بني إسرائيل يسلبه مُلكه، ويغلبه على سلطانه، ويبدل دينه إلى دين جديد، وقد أطل زمانه؛ لذا أرسل فرعون جنوده في كل مكان لقتل كل غلام يولد لبني إسرائيل..
فنزلت هذه الأخبار على "يوكابد" كالصواعق، فما لبث فرحها بحملها الجديد أن تحول إلى هم وغم، فماذا ستفعل إن ولدت ذكراً، هل ستتركه لفرعون وجنوده ليذبحوه !
وعادت إلى بيتها لا تفكر في شيء سوى في الطفل الذي لم يولد بعد؛ ومرت الأسابيع والشهور وما تكاد ليلة منهما تمر حتى تقع حادثة ذبح لمولود جديد من بني إسرائيل.
...المزيد

ملخص كتابي #موسى_كل_عصر هو أول كتاب يتناول حياة نبي الله موسى بصورة عصرية مشوقة في ضوء مجريات ...

ملخص كتابي #موسى_كل_عصر
هو أول كتاب يتناول حياة نبي الله موسى بصورة عصرية مشوقة في ضوء مجريات الأحداث في #مصر والوطن العربي.
كتاب #موسى كل عصر هو جزء من سلسلة الصراع بين الحق والباطل، يتناول فيه الكاتب قصة كفاح نبي الله موسى في مصر من أجل الحصول على الحرية لبني إسرائيل والخروج بهم بعيداً عن بطش #فرعون، بطريقة قصصية تسلسلية تميل إلى الجانب الروائي، مضاف فيها بعض الجوانب التربوية مع اسقاط واضح على أرض الواقع.
سيُبحر بك الكتاب وبأسلوب مثير ومشوق في أعماق القصة، وستشاهد بعينك الأحداث كأنك تعيشها هناك .. وفي طيات أحداث الفصل الأول من القصة ستجد الإجابة على هذه الأسئلة ..
- من هم #الهكسوس وما سر قوتهم ؟
- وما حكاية تلك الرؤيا العجيبة التي رآها ملكهم فكانت سبباً لخروج سيدنا يوسف من #السجن وبرأته من التهم الملفقة ضده ؟
- ولماذا أحب المصريون يوسف وكرهوا إخوته بعد موته ؟
- وما اسم هذا #الفرعون الذي قتّل أبناءهم واستحى نساءهم ؟
- ولماذا استسلم بنو #إسرائيل أمام هذا العدوان الغاشم عليهم ؟
- وكيف تجرأ الفرعون أن يفعل ذلك كله، ومن هم أبرز معاونيه ؟
&&&&&&
أما أحداث الفصل الثاني من الكتاب فستعيش فيها مع تلك الأم البسيطة التي هي من عوام بني إسرائيل عندما ترى رؤيا، أنها ستلد طفلاً حياته - فور ولادته - محفوفة بالمخاطر والأزمات، وما عليها سوى أن تلقيه في اليم عندما تشعر عليه بالخوف!
لتتعرف على التدابير الأمنية التي ستتخذها هذه الأم العظيمة للمحافظة على ولدها ؟
كما ستعرف قصة أخته الفدائية صاحبة الحس الأمني العالي ؟
وما هو دور #آسية زوجة فرعون في تلك الأحداث ؟
ومن هم شيعة موسى الذين كان يلتقي بهم سراً في المدينة ؟
ولماذا اختار موسى مدّين دون بقية البلدان للهروب إليها ؟
ولماذا قرر موسى العودة إلى مصر بعد سنوات من الغياب ؟
&&&&&&&&&&
أما في الفصل الثالث من الكتاب سنغوص سويا في أعماق القصة لنعرف ..
- لماذا لم يسعى فرعون لقتل موسى فور علمه بوصوله إلى مصر، وقَبِلَ باستقباله في القصر ؟
- كيف استطاع موسى أن يبهر الملأ ببراعة أسلوبه، وقوة منطقه ؟
- ما هي أحداث يوم الزينة، ولماذا اختار فرعون تلك القتلة الشنيعة لإنهاء حياة السحرة ؟
- كيف تناولت الأذرع الإعلامية لفرعون أحداث مذبحة السحرة، وما هو رد فعل الجماهير التي شاهدت المذبحة ؟
- ما هي القرارات الاستثنائية الجديدة التي أصدرها فرعون ضد كل من يؤمن بدين موسى نزولاً على رغبة الملأ ؟
بالإضافة أن الكاتب سيأخذك في جولة حصرية داخل سجون فرعون، لتشاهد خلالها كيف كان يعذب المعارضين.
&&&&&&&&&&&&&&&
أما في الفصل الرابع من الكتاب
سنتابع حكاية المرأة التي أصّر فرعون أن يُشرف على تعذيبها بنفسه ؟ ونعرف سر رائحتها الجميلة التي تعطر #الجنة حتى الان ؟
ثم نشاهد كيف عذب فرعون آسية ؟ وكيف ساءت حالته النفسية بعدما قتلها بيده ؟.
ثم نعرف حكاية مستشار فرعون الذي أنقذ موسى عليه السلام من محاولة اغتيال كان فرعون يُدبر لها !
ثم نستمع إلى اعترافات الفتاة التي سعت لتشويه سمعة سيدنا موسى وادعت أنها على علاقة به ؟!
ثم ندخل سوياً قصر قارون ونشاهد كيف كان يعيش ببزخ؟ ونتعرف على سر انتكاسته وارتداده عن #الإسلام حتى أصبح من أشد المعادين لموسى؟!
&&&&&&&&&&&&&&
وفي الختام وبالقرب من شاطئ الفصل الأخير من القصة والذي سيبدأ فيه نبي الله موسى مرحلة جديدة من صراعه مع فرعون، وهي مرحلة الإنذارات السبعة سنتعرف على بعض الأسرار ..
- سر إصرار فرعون على العناد والكفر رغم كل يراه من معجزات خارقة !
- سر الإشاعة التي ترددت عن إعلان تنحي فرعون عن قراره بحظر خروج بني إسرائيل من مصر وإيمانه المفاجئ بدعوة موسى عليه السلام !
- سر تمسك جموع من الشعب #المصري بفرعون رغم كل ما حل عليهم من بلايا ونقم بسبب عناده وطغيانه !
- وسنرى كيف كوّن موسى و #هارون عليهما السلام هرماً تنظيماً لقيادة شعب بني إسرائيل، استعداداً للحظة الخروج من مصر !
مؤلف الكتاب
محمد نجاتي سليمان
وقد أشرف على الكتاب وراجعه
فضيلة الشيخ أحمد المحلاوي
وفضيلة الدكتور وصفي عاشور أبوزيد

لتحميل نسخة مجانية من الكتاب اضغط على هذا الرابط المختصر
https://goo.gl/UPBxms
...المزيد

معلومات

كاتب وخطيب وداعية إسلامي؛ مؤمن بالتغيير السلمي المتدرج، فلو تغيرت الأفهام سيُكسِّر الأصنام عبادها.

أكمل القراءة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً