رسالة عاجلة إلى أبناء الدعوة السلفية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فهذه رسالة عاجلة مِن أحد أبناء الدعوة السلفية المباركة لإخوانه من أبناء المنهج السلفي في هذه الفترة الحالكة التي تمر بها البلاد والدعوة كذلك، فقد ظهرت بعض السلبيات والكلمات غير المنضبطة مِن بعض أبناء الدعوة تجاه بعض مشايخنا الأفاضل يشككون في نواياهم وصدقهم؛ فلا بد مِن وقفة متأنية لاستقراء الواقع قراءة جيدة، والترجيح بين المصالح والمفاسد، والتعامل بحكمة مع الأحداث، وخاصة مسألة اختيار رئيس الجمهورية.

فأنا أنادي إخواني بقلبي قبل لساني.. أخاطبكم بروحي وكياني، وأقول لكم: لماذا تعلمنا "فقه الخلاف"، وأنه يسعنا الخلاف في مسائل الاجتهاد، ولا ينكر فيها على المخالف؟!


أقول لكم: ماضيكم يشرفكم.. كم بذلتم مِن أنواع التضحية والبذل في سبيل الدعوة إلى الله؟ كم صبرتم في السجون والمعتقلات وقد ثبتكم الله في أوقات المحن ولم تضعفوا أو تفتنوا؟ أفبعد أن عافاكم الله من الظالمين تُفتنون؟!

أقول لكم: هل تتخيلون يومًا أن مشايخنا الكرام يضحون بسنوات طوال مِن عمرهم في الدعوة وتعرضهم لأنواع التنكيل والأذى والاعتقال؟! هل يضحون بكل هذا بشهادة توافق هواهم وهم يعلمون أنهم سيسألون عنها بين يدي الله تعالى؟!


أقول لكم: لا بد أن نرتقي بمستوانا الفكري والثقافي، وبنظرتنا تجاه موازين القوى على الساحة، لا حرج في أن نختلف فالصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في بعض المسائل، لكن المصيبة أن يتحول الخلاف إلى فرقة ورمي النوايا بالباطل!

أذكركم بقول الإمام أحمد رحمه الله: "ألا يستقم أن نكون إخوانًا وإن اختلفنا في مسألة؟!"

أقول لكم: ألا تعلمون أن المجتهد لو أخطأ في اجتهاده فله الأجر من الله تعالى؟!

أقول لكم: كيف تتهمون بعض مشايخنا في نواياهم وكأنكم تطلعون على ما تخفي الصدور؟!

نعم لا طاعة مطلقة إلا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا وألف لا للطعن في مشايخنا، وتاريخهم يشهد لهم، والله خير الشاهدين.

مشايخنا الذين علمونا وتربينا على أيديهم، وكانوا وما زالوا بالنسبة لنا كالنور والضياء في الليلة الظلماء.

وأنا أسألكم: هل طلب أحد من المشايخ منا طاعة مطلقة عمياء؟!

وأنا أسألكم: كيف لانت ألسنتكم بالإفك والاتهامات؟!

كيف طاوعتكم قلوبكم؟!

ألم تشعروا بمرارة تلك الكلمات؟!


أنا أعلم مدى الضغط الشديد الآن عليكم مِن كل فئات المجتمع وتياراته وطوائفه، لكن لا بد من مواجهة ذلك بثبات وثقة، وإيمان راسخ في القلوب، وبنظرة شرعية واقعية، نحن لا نختلف حول مَن الأفضل، لكننا قد نختلف حول مَن هو الأنسب؛ فأحيانًا يُقدَّم الأنسب، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فلقد أمَّر عليه الصلاة والسلام أسامة بن زيد رضي الله عنهما على سرية في وجود أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

وأحيانًا أخرى يُقدَّم الأفضل كذلك، كما فعل عمر رضي الله عنه؛ فلقد عزل خالدًا رضي الله عنه وولّى أبا عبيدة رضي الله عنه إمارة الجيوش وقيادتها، ولم يؤدِ ذلك إلى فرقة بينهما، فنحن جميعًا نريد الصلاح والإصلاح، ولكننا ربما نختلف في الرؤى، فلا بد أن ندعو الله تعالى بدعاء رسوله صلى الله عليه وسلم: «اللهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» [رواه مسلم].


اللهم اهدنا وسددنا، وأذكركم بقول الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلاً} [النساء: 83]، أي: ولو ردوه إلى أهل العلم والفقه لعلم حقيقة معناه أهل الاستنباط منهم.

وأذكركم أيضًا بقوله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام: 152]، فلا بد مِن وقفة صادقة مع النفس، ولا بد مِن التجرد لله تعالى، لا بد من التخلص من آفة الحكم بالعواطف.. نعم لا بد مِن المراجعة.


اللهم طهر قلوبنا وسدد ألسنتنا، ووحد صفنا واجمع شملنا، واحفظنا مِن الفتن ما ظهر منها وما بطن.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


زين العابدين كامل