هؤلاء ممن يحبهم الله
دار القاسم
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن
الله يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن
الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض
»
- التصنيفات: الطريق إلى الله -
الحمد لله رب العالمين أحمده على جميل عطفه وكريم صفحه حمد معترف
بفضله وشاكر لنعمه والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين وسيِّد
المرسلين نبينا وقدوتنا وهادينا ومعلمنا الخير كله صاحب الهدي والرشاد
والتقى محمّد بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه أما بعد.
إن من المسلمين أصنافاً يحبهم ربهم وينزل عليه رضاه فيا فرحة المحبوبين عند ربهم ويا سعادتهم عند لقائه، لذا كتبت في هذا الموضوع لعل القراء يقتدون بهم فيكونون من الذين يحل عليهم رضوان ربهم ويتكرم عليهم بمحبته جل جلاله، فتلك المحبة وذلك الرضوان هو غاية كل مؤمن وهدف كل مسلم وبغية كل عابد.
فإننا إذا قلبنا النظر في كتاب الله- جلّ وعلا- وتدبرنا آياته سبحانه وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لعرفنا من هم الذين يستحقون محبته فيحبهم وتحبهم ملائكته، ويجعل لهم القبول في الدنيا لما روي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض » [رواه الإمام البخاري].
فصفات المحبوبين عند الله والمقربين إليه كثيرة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فنذكر منها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر ما يلي فالله تعالى يجب من عباده:
1- التوابين:
قال تعالى: { فمن تاب من بعد ظُلمه وأصلح فإنَّ الله يتوب عليه إنَّ الله غفورٌ رحيم } [المائدة:39]. وقال تعالى: { كتب ربُّكم على نفسه الرَّحمة أنَّه من عمل منكم سُوءًا بجهالة ثُمَّ تاب من بعده وأصلح فأنَّه غفورٌ رحيم } [الأنعام:54]. وقال تعالى: { إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يُبدِّلُ الله سيِّئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رَّحيماً } [الفرقان:70] وعن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه » [رواه مسلم] ودليل محبة الله تعالى للتوابين قوله تعالى: { إنَّ الله يُحبُّ التَّوابين ويُحبُّ المُتطهِّرين } [البقرة:222] وقد ذكر أهل العلم للتوبة شروطاً هي:
1- أن تكون التوبة خالصة لله- عزّ وجلّ.
2- الندم على ما فات من الذنوب.
3- الإقلاع عن المعصية فوراً فلا تصح التوبة مع الإصرار على المعصية.
4- العزم على عدم العودة إلى المعصية في المستقبل.
5- أن تكون التوبة قبل انتهاء وقتها أي قبل طلوع الشمس من مغربها وقبل حضور الأجل.
6- إذا كانت المعصية متعلقة بالعباد كاغتصاب الأموال مثلاً فيجب إعادة الحقوق إلى أصحابها وإن كانت المعصية غيبة أو نميمة أو ما شابه ذلك فيجب الإستبراء منهم والدعاء لهم في ظهر الغيب وذكر محاسنهم في المجالس التي ذكرهم بسوء فيها.
2- المتبعون لسنة النبي صلى الله عليه وسلم:
وهم الذين يقتفون أثر النبي صلى الله عليه وسلم وذلك باتباعه في جميع شئون حياتهم من مأكل ومشرب وملبس وهيئة وعبادة وعلاقات اجتماعية وأسرية والمتأمل في سيرته صلى الله عليه وسلم ليجد بغيته في مواجهة هذه الحياة وما فيها من فرح وحزن وسرور وكدر روى أنس- رضي الله عنه- أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم: لا أتزوج النساء وقال بعضهم: لا آكل اللحم وقال بعضهم: لا أنام على فراش فحمد الله وأثنى عليه فقال: « ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني » [رواه مسلم] ودليل محبة الله تبارك وتعالى لمن يتبع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: { قُل إن كنتم تُحبُّون الله فاتَّبعوني يُحْبِبْكُمُ الله ويغفر لكم ذُنُوبَكُمْ واللهُ غفورٌ رحيم } [آل عمران:31].
3- المقسطون:
وهم: العادلون في جميع شئونهم مع أنفسهم ومع غيرهم ودليل محبة الله تعالى لهم قوله تعالى: { لا ينهاكم الله عن الَّذين لم يُقاتلوكم في الدِّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتُقسطوا إليهم إنَّ الله يُحِبُّ المُقسطين } [الممتحنة:8].
4- المحسنون:
وهم: الذين ينفقون على أنفسهم وعلى غيرهم يبتغون ما عند الله من الأجر والمثوبة ولا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى ودليل محبة الله تبارك وتعالى لهم قوله تعالى: { وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إنَّ الله يُحبُّ المحسنين } [البقرة:195].
5- المحبون للقاء الله تعالى:
فمن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه وهذا لا يقصد به تمني الموت وإنما الإنسان المؤمن إذا حانت منيته وقرب أجله وبدأ يحتضر ففي هذه اللحظة يبشر برضوان الله فيحب لقاء الله تبارك وتعالى ويحب الله لقاءه، وأما الإنسان الكافر إذا احتضر فإنه يبشر بغضب الله فيكره لقاء الله ويكره الله لقاءه ودليل ذلك ما رواه عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قالت عائشة أو بعض أزواجه إنا لنكره الموت قال ليس ذاك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه أمامه فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وأن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه كره لقاءه وكره الله لقاءه » [رواه الإمام البخاري].
6- المتقربون إلى الله بنوافل العبادات والمكثرون من ذكره:
إن أفضل ما عمرت به الأوقات واشتغلت به القلوب والجوارح هو ذكر الله تبارك وتعالى في كل حين وعلى كل حال فالذاكرون يذكرهم الله يقول سبحانه وتعالى: { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } [البقرة:152].
وروى أبو هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: « أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذ ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرَّب إليَّ بشبر تقربت إليه ذراعاً وإن تقرَّب إليَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً وإن أتاني يمشي أتيته هرولة » [رواه الإمام البخاري] فالتقرب لله سبحانه وتعالى يكون بنوافل العبادات من صلاة وصيام وصدقة والإكثار من ذكر الله بالتحميد والتسبيح والاستغفار.
7- طالب العلم الشرعي:
إن الله تعالى إذا رضي على العبد وأحبه سهل له طريق طلب العلم لما روي عن معاوية- رضي الله تعالى عنه- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: على هذه الأعواد « اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ، من يرد الله به خيراً يفقه في الدين » [رواه الإمام أحمد في مسنده] ومن ثم إذا سهل الله تعالى لطالب العلم طريق طلب العلم فقد سهل له طريقاً إلى الجنة لما روي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه » [رواه الإمام مسلم] فمن محبة الله تعالى للعبد توفيقه لطلب العلم والزيادة في الأعمال الصالحة.
8- المتحابون في الله:
إن المتحابون في جلال الله يناديهم ربهم وهو أعلم بهم ويحل عليهم رضوانه وفضله وجوده وكرمه فيظلهم يوم القيامة يم لا يظل إلا ظله سبحانه، فلقد روى أبو هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله يقول القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي » [رواه مسلم].
9- المكثرون من الطهارة والمتجملون لله:
والطهارة هي إزالة النجاسة من البدن والملابس وأماكن العبادة والله سبحانه يحب من عباده المتطهرين لقوله تعالى: { فيه رجالٌ يُحبُّون أن يتطهَّروا واللهُ يحبُّ الْمطَّهِّرين } [التوبة: 108].
أما التجمل لله فهو التزين لله بلا كبر ولا استحقار لعباده لما روي عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة قال إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس » [رواه الإمام مسلم] والله سبحانه وتعالى أمرنا بأخذ الزينة عند أداء الصلاة والذهاب للمساجد للعبادة فقال تعالى: { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجدٍ وكلوا واشربوا ولا تُسرفوا إنَّه لا يُحبُّ المُسْرِفِين } [الأعراف: 31].
10- صاحب السواك والمستاكون:
والسواك سنة نبينا صلى الله عليه وسلم فكان إذا استيقظ من النوم بدأ بالسواك وإذا دخل المنزل بدأ بالسواك روت عائشة- رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم: « السواك مطهرة للفم مرضاة للرب » [رواه الإمام البخاري].
وعن أبي أمامة- رضي الله عنه- أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك حتى لقد خشيت أن يفرض عليَّ وعلى أمتي ولولا أني أخاف أن أشق على أمتي لفرضته لهم وإني لأستاك حتى لقد خشيت أن أحفي مقادم فمي" [رواه الإمام ابن ماجة في سننه].
11- المتقربون إلى الله تعالى بفعل الفرائض والمحافظة عليها:
من كرم الله تعالى على عباده الذين يعبدونه وحده دون سواه أنه يحب منهم الذين يتبعون أوامره ويؤدون فرائضه التي فرضها عليهم ويداومون عليها ويحبون أداءها بدون تكاسل فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله قال من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرَّبُ إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته » [رواه الإمام البخاري].
12- المتقون:
هم الذين يخشون الله تعالى ويتقونه في السر والعلن ويجعلون بينهم وبين عذاب ربهم وقاية باتباع أوامره واجتناب نواهيه يقول جلّ وعلا { بلى من أوفى بعهده واتَّقى فإنَّ الله يُحبُّ المُتَّقين } [آل عمران:76].
13- الصابرون:
والصابرون هم أهل الجنة وقد أعدت الجنة للصابرين وذُكر الصبر في أكثر من موضع في القرآن العظيم والصبر سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد صبر على ما أصابه في تبليغ دين الله- عزّ وجلّ- وقد مدح الله تعالى الصابرين في سبيله واعد لهم جنته ورضوانه يقول الله تعالى: { وكأيِّن من نَّبيٍّ قاتل معه ربّيُّون كثيرٌ فما وَهَنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضَعُفُوا وما اسْتكانوا واللهُ يُحِبُّ الصَّابرين } [آل عمران:146].
14- المتوكلون على الله تعالى:
التوكل على الله دلالة على زيادة الإيمان ورفعته في النفس فكلما كان الإنسان المسلم أكثر قوة وتوكلاً على الله في جميع أموره دلّ ذلك على قوة إيمانه وقوة تعلقه بربه ولذلك كان أجره محبة الله يقول الله سبحانه وتعالى: { فبما رحمةٍ مِّن اللهِ لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضُّوا من حولك فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكَّل على الله إنَّ الله يُحِبُّ الْمُتوكِّلين } [آل عمران:159].
أيها الأحبة هذه بعض الصفات التي يحبها الله في عباده فهل نستكثر على أنفسنا أن نتصف بصفة من هذه الصفات ونبتغي بها وجه الله سبحانه وتعالى فنحوز على رضاه وتحصل لنا محبته هذا إذا كان لزاماً علينا أن نتصف بهذه الصفات كلها رزقني الله وإياكم محبته وأنزل علينا رضوانه ووفقنا لطاعته وأخلص العمل لوجهه إن ربي سميع مجيب، هذا وصلى الله على نبينا محمّد وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
دار القاسم: المملكة العربية السعودية_ص ب 6373 الرياض 11442
هاتف: 4092000/ فاكس: 4033150
البريد الإلكتروني: [email protected]
الموقع على الإنترنت: www.dar-alqassem.com
إن من المسلمين أصنافاً يحبهم ربهم وينزل عليه رضاه فيا فرحة المحبوبين عند ربهم ويا سعادتهم عند لقائه، لذا كتبت في هذا الموضوع لعل القراء يقتدون بهم فيكونون من الذين يحل عليهم رضوان ربهم ويتكرم عليهم بمحبته جل جلاله، فتلك المحبة وذلك الرضوان هو غاية كل مؤمن وهدف كل مسلم وبغية كل عابد.
فإننا إذا قلبنا النظر في كتاب الله- جلّ وعلا- وتدبرنا آياته سبحانه وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لعرفنا من هم الذين يستحقون محبته فيحبهم وتحبهم ملائكته، ويجعل لهم القبول في الدنيا لما روي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض » [رواه الإمام البخاري].
فصفات المحبوبين عند الله والمقربين إليه كثيرة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فنذكر منها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر ما يلي فالله تعالى يجب من عباده:
1- التوابين:
قال تعالى: { فمن تاب من بعد ظُلمه وأصلح فإنَّ الله يتوب عليه إنَّ الله غفورٌ رحيم } [المائدة:39]. وقال تعالى: { كتب ربُّكم على نفسه الرَّحمة أنَّه من عمل منكم سُوءًا بجهالة ثُمَّ تاب من بعده وأصلح فأنَّه غفورٌ رحيم } [الأنعام:54]. وقال تعالى: { إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يُبدِّلُ الله سيِّئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رَّحيماً } [الفرقان:70] وعن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه » [رواه مسلم] ودليل محبة الله تعالى للتوابين قوله تعالى: { إنَّ الله يُحبُّ التَّوابين ويُحبُّ المُتطهِّرين } [البقرة:222] وقد ذكر أهل العلم للتوبة شروطاً هي:
1- أن تكون التوبة خالصة لله- عزّ وجلّ.
2- الندم على ما فات من الذنوب.
3- الإقلاع عن المعصية فوراً فلا تصح التوبة مع الإصرار على المعصية.
4- العزم على عدم العودة إلى المعصية في المستقبل.
5- أن تكون التوبة قبل انتهاء وقتها أي قبل طلوع الشمس من مغربها وقبل حضور الأجل.
6- إذا كانت المعصية متعلقة بالعباد كاغتصاب الأموال مثلاً فيجب إعادة الحقوق إلى أصحابها وإن كانت المعصية غيبة أو نميمة أو ما شابه ذلك فيجب الإستبراء منهم والدعاء لهم في ظهر الغيب وذكر محاسنهم في المجالس التي ذكرهم بسوء فيها.
2- المتبعون لسنة النبي صلى الله عليه وسلم:
وهم الذين يقتفون أثر النبي صلى الله عليه وسلم وذلك باتباعه في جميع شئون حياتهم من مأكل ومشرب وملبس وهيئة وعبادة وعلاقات اجتماعية وأسرية والمتأمل في سيرته صلى الله عليه وسلم ليجد بغيته في مواجهة هذه الحياة وما فيها من فرح وحزن وسرور وكدر روى أنس- رضي الله عنه- أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم: لا أتزوج النساء وقال بعضهم: لا آكل اللحم وقال بعضهم: لا أنام على فراش فحمد الله وأثنى عليه فقال: « ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني » [رواه مسلم] ودليل محبة الله تبارك وتعالى لمن يتبع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: { قُل إن كنتم تُحبُّون الله فاتَّبعوني يُحْبِبْكُمُ الله ويغفر لكم ذُنُوبَكُمْ واللهُ غفورٌ رحيم } [آل عمران:31].
3- المقسطون:
وهم: العادلون في جميع شئونهم مع أنفسهم ومع غيرهم ودليل محبة الله تعالى لهم قوله تعالى: { لا ينهاكم الله عن الَّذين لم يُقاتلوكم في الدِّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتُقسطوا إليهم إنَّ الله يُحِبُّ المُقسطين } [الممتحنة:8].
4- المحسنون:
وهم: الذين ينفقون على أنفسهم وعلى غيرهم يبتغون ما عند الله من الأجر والمثوبة ولا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى ودليل محبة الله تبارك وتعالى لهم قوله تعالى: { وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إنَّ الله يُحبُّ المحسنين } [البقرة:195].
5- المحبون للقاء الله تعالى:
فمن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه وهذا لا يقصد به تمني الموت وإنما الإنسان المؤمن إذا حانت منيته وقرب أجله وبدأ يحتضر ففي هذه اللحظة يبشر برضوان الله فيحب لقاء الله تبارك وتعالى ويحب الله لقاءه، وأما الإنسان الكافر إذا احتضر فإنه يبشر بغضب الله فيكره لقاء الله ويكره الله لقاءه ودليل ذلك ما رواه عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قالت عائشة أو بعض أزواجه إنا لنكره الموت قال ليس ذاك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه أمامه فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وأن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه كره لقاءه وكره الله لقاءه » [رواه الإمام البخاري].
6- المتقربون إلى الله بنوافل العبادات والمكثرون من ذكره:
إن أفضل ما عمرت به الأوقات واشتغلت به القلوب والجوارح هو ذكر الله تبارك وتعالى في كل حين وعلى كل حال فالذاكرون يذكرهم الله يقول سبحانه وتعالى: { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } [البقرة:152].
وروى أبو هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: « أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذ ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرَّب إليَّ بشبر تقربت إليه ذراعاً وإن تقرَّب إليَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً وإن أتاني يمشي أتيته هرولة » [رواه الإمام البخاري] فالتقرب لله سبحانه وتعالى يكون بنوافل العبادات من صلاة وصيام وصدقة والإكثار من ذكر الله بالتحميد والتسبيح والاستغفار.
7- طالب العلم الشرعي:
إن الله تعالى إذا رضي على العبد وأحبه سهل له طريق طلب العلم لما روي عن معاوية- رضي الله تعالى عنه- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: على هذه الأعواد « اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ، من يرد الله به خيراً يفقه في الدين » [رواه الإمام أحمد في مسنده] ومن ثم إذا سهل الله تعالى لطالب العلم طريق طلب العلم فقد سهل له طريقاً إلى الجنة لما روي عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه » [رواه الإمام مسلم] فمن محبة الله تعالى للعبد توفيقه لطلب العلم والزيادة في الأعمال الصالحة.
8- المتحابون في الله:
إن المتحابون في جلال الله يناديهم ربهم وهو أعلم بهم ويحل عليهم رضوانه وفضله وجوده وكرمه فيظلهم يوم القيامة يم لا يظل إلا ظله سبحانه، فلقد روى أبو هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله يقول القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي » [رواه مسلم].
9- المكثرون من الطهارة والمتجملون لله:
والطهارة هي إزالة النجاسة من البدن والملابس وأماكن العبادة والله سبحانه يحب من عباده المتطهرين لقوله تعالى: { فيه رجالٌ يُحبُّون أن يتطهَّروا واللهُ يحبُّ الْمطَّهِّرين } [التوبة: 108].
أما التجمل لله فهو التزين لله بلا كبر ولا استحقار لعباده لما روي عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة قال إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس » [رواه الإمام مسلم] والله سبحانه وتعالى أمرنا بأخذ الزينة عند أداء الصلاة والذهاب للمساجد للعبادة فقال تعالى: { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجدٍ وكلوا واشربوا ولا تُسرفوا إنَّه لا يُحبُّ المُسْرِفِين } [الأعراف: 31].
10- صاحب السواك والمستاكون:
والسواك سنة نبينا صلى الله عليه وسلم فكان إذا استيقظ من النوم بدأ بالسواك وإذا دخل المنزل بدأ بالسواك روت عائشة- رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم: « السواك مطهرة للفم مرضاة للرب » [رواه الإمام البخاري].
وعن أبي أمامة- رضي الله عنه- أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك حتى لقد خشيت أن يفرض عليَّ وعلى أمتي ولولا أني أخاف أن أشق على أمتي لفرضته لهم وإني لأستاك حتى لقد خشيت أن أحفي مقادم فمي" [رواه الإمام ابن ماجة في سننه].
11- المتقربون إلى الله تعالى بفعل الفرائض والمحافظة عليها:
من كرم الله تعالى على عباده الذين يعبدونه وحده دون سواه أنه يحب منهم الذين يتبعون أوامره ويؤدون فرائضه التي فرضها عليهم ويداومون عليها ويحبون أداءها بدون تكاسل فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله قال من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرَّبُ إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته » [رواه الإمام البخاري].
12- المتقون:
هم الذين يخشون الله تعالى ويتقونه في السر والعلن ويجعلون بينهم وبين عذاب ربهم وقاية باتباع أوامره واجتناب نواهيه يقول جلّ وعلا { بلى من أوفى بعهده واتَّقى فإنَّ الله يُحبُّ المُتَّقين } [آل عمران:76].
13- الصابرون:
والصابرون هم أهل الجنة وقد أعدت الجنة للصابرين وذُكر الصبر في أكثر من موضع في القرآن العظيم والصبر سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد صبر على ما أصابه في تبليغ دين الله- عزّ وجلّ- وقد مدح الله تعالى الصابرين في سبيله واعد لهم جنته ورضوانه يقول الله تعالى: { وكأيِّن من نَّبيٍّ قاتل معه ربّيُّون كثيرٌ فما وَهَنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضَعُفُوا وما اسْتكانوا واللهُ يُحِبُّ الصَّابرين } [آل عمران:146].
14- المتوكلون على الله تعالى:
التوكل على الله دلالة على زيادة الإيمان ورفعته في النفس فكلما كان الإنسان المسلم أكثر قوة وتوكلاً على الله في جميع أموره دلّ ذلك على قوة إيمانه وقوة تعلقه بربه ولذلك كان أجره محبة الله يقول الله سبحانه وتعالى: { فبما رحمةٍ مِّن اللهِ لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضُّوا من حولك فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكَّل على الله إنَّ الله يُحِبُّ الْمُتوكِّلين } [آل عمران:159].
أيها الأحبة هذه بعض الصفات التي يحبها الله في عباده فهل نستكثر على أنفسنا أن نتصف بصفة من هذه الصفات ونبتغي بها وجه الله سبحانه وتعالى فنحوز على رضاه وتحصل لنا محبته هذا إذا كان لزاماً علينا أن نتصف بهذه الصفات كلها رزقني الله وإياكم محبته وأنزل علينا رضوانه ووفقنا لطاعته وأخلص العمل لوجهه إن ربي سميع مجيب، هذا وصلى الله على نبينا محمّد وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
دار القاسم: المملكة العربية السعودية_ص ب 6373 الرياض 11442
هاتف: 4092000/ فاكس: 4033150
البريد الإلكتروني: [email protected]
الموقع على الإنترنت: www.dar-alqassem.com